الثلاثاء 2023/05/16

آخر تحديث: 12:16 (بيروت)

سنة على الانتخابات النيابية وآفاق التغيير

الثلاثاء 2023/05/16
سنة على الانتخابات النيابية وآفاق التغيير
شكلت مجموعة نواب قوى التغيير عنصر تجاوب نسبي بين قوى المعارضة (المدن)
increase حجم الخط decrease

بعد مضي سنة كاملة على الانتخابات النيابية الأخيرة، التي جرت في ظل قانون انتخابي طائفي يعتمد النسبية على نطاق ضيق، والصوت التفضيلي الذي يأخذ بعداً طائفياً ومذهبياً، وفي ظل أحزاب وكتل سياسية مختلفة ذات مرتكزات فكرية وسياسية طائفية ومذهبية، وبعد سلسلة من الاحتجاجات السياسية والشعبية التي عمت جميع المناطق اللبنانية من دون إستثناء، تجسدت فيما أطلق عليه "ثورة السابع عشر من تشرين" للعام 2019، وفي ظل التدهور المستمر للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية للبلاد، وانسداد الأفق للخروج من الأزمات المتفاقمة على جميع الأصعدة، ومن أبرزها في هذه الأيام موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفقاً للدستور، ومن ثم إعادة تشكيل حكومة جديدة.
إزاء ما تقدم، لا بد من تقييم مختصر لما آلت إليه البلاد بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، والإضاءة على أبرز النتائج الحاصلة واستشراف المستقبل.

أولاً: تركيبة المجلس النيابي
اختلفت تركيبة المجلس النيابي بعد الانتخابات النيابية الأخيرة عن سابق عهدها، حيث تمكنت بعض القوى والتجمعات السياسية الحديثة التجربة من الفوز في تلك الانتخابات، وتجسد ذلك بوصول ثلاثة عشر نائباً يمثلون المجتمع المدني، الذي انتفض في مواجهة منظومة الفساد في السلطة، بالإضافة إلى وصول عدد آخر من نواب المعارضة والمستقلين، ليشكلوا بذلك معادلة جديدة داخل المجلس، أعادت خلط الأوراق في سياق الاصطفافات السياسية داخل المجلس وخارجه، وأخلّت بشكل واضح بالاصطفافات التقليدية السابقة، ما جعل انتخابات رئاسة الجمهورية أكثر تعقيداً مما كانت عليه سابقاً، وفرضت واقعاً مادياً جديداً، لا بد من أخذه بالاعتبار في أي عملية تفاوض أو توافق أو تسوية رئاسية مرتقبة.

ثانياً: البرامج والأهداف
شكلت مجموعة نواب قوى التغيير عنصر تجاوب نسبي بين قوى المعارضة وبعض المستقلين لتكوين نواة سياسية ذات توجهات ومرتكزات غير طائفية أو مذهبية، لم ترق إلى مستوى الكتلة البرلمانية الموحدة في مواجهة الكتل النيابية الأخرى ذات المرتكزات الطائفية والمذهبية بوجه عام، مما جعلها في حالة التجاذب السلبي معها في عدة استحقاقات سابقة. وهي لا تشكل حتى الآن قوة سياسية موحدة في وجه منافسيها داخل المجلس وخارجه، مما يضعف من إمكانية تفاهمها السياسي والانتخابي مع سائر المكونات الأخرى، في ظل غياب قيادة سياسية موحدة أو برنامج سياسي ومرجعية سياسية موحدة لها، نظراً لحداثة تجربتها السياسية وضيق أفقها السياسي. إذ كيف يمكن لهذه المجموعات التي يطلق عليها إسم التغييريين طالما لم يتفقوا بعد على البرنامج السياسي للإنقاذ والتغيير، والذي جرى التصويت لها على هذا الأساس، أن يشكلوا طليعة سياسية في مواجهة نهج الفساد في السلطة، رغم بعض الإنجازات التي حققوها على مستوى التشريع وتصويب عمل المجلس النيابي ونظامه الداخلي واحتضان بعض القضايا الاجتماعية والشعبية، من دون أن يرقى ذلك إلى مستوى المواجهة الحقيقية والفاعلة ضد منظومة الفساد في السلطة.

ثالثاً: التطورات الحاصلة
1 – تدهور أوضاع القطاع العام وتدني قيمة العملة الوطنية قبالة الدولار الأميركي بشكل خطير وتآكل الرواتب، وسيادة الإضرابات والفراغ الإداري إلى أعلى مستوى رغم محاولات تصحيح الأجور الفاشلة.

2 – زيادة الضرائب والرسوم على أكثر من صعيد بصورة غير مألوفة، ولا تتوافق مع مستوى دخل الفرد ولا مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وازدياد حالة الهجرة والبطالة والتفلت الأمني والتخلع الاجتماعي والاقتصادي.

3- تفاقم أزمة النزوح السوري إلى لبنان لتتعدى عتبة المليوني نازح، لتشكل عبئاً إضافياً على المجتمع والدولة، ومن دون التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية على وضع برنامج عملي لإعادتهم إلى وطنهم بالسرعة اللازمة، وبالتنسيق مع المفوضية السامية لإغاثة اللاجئين في لبنان.

4- الاعتماد المتواصل على منصة صيرفة وفقاً للتعميم 165 الصادر عن حاكمية مصرف لبنان، والذي يستنزف ما تبقى من أموال للمودعين في المصرف المركزي بوتيرة متسارعة، مع الإخفاق في وضع حد لتدهور سعر العملة الوطنية وتحديده قبالة الدولار الأميركي من أجل خلق استقرار نسبي على المستوى الاقتصادي والنقدي.

5 – تعثر التحقيقات الجنائية الأساسية في قضيتي جريمة انفجار مرفأ بيروت والودائع المصرفية وتهريب الأموال نحو الخارج، ونشوء نزاعات مختلفة في الجسم القضائي للدولة.

6 – استنكاف الدول الخارجية عن مد يد المساعدة للبنان بعيداً عن وجود خطة شاملة.

7- تدهور القطاع التربوي والجامعة اللبنانية إلى أدنى مستوياته العلمية والتربوية، وتدني مستوى الخدمات من الجهات الضامنة المختلفة، وتدهور قطاعي الكهرباء والاتصالات ذات التأثير المباشر على مستوى الإنتاج الوطني، وانخفاض الناتج الوطني يوماً بعد يوم وتراجع ميزان المدفوعات والميزان التجاري، وعدم الاستقرار في سعر الصرف للعملة الوطنية، وتوقع المزيد من الانخفاض بعد تطبيق سلسلة الرواتب والتعويضات الجديدة.

وبالنتيجة، وبالاستناد إلى ما تقدم، فإن وتيرة التراجع والتدهور ما زالت مستمرة في لبنان، ولا يتبين حتى الآن أن أي قوى سياسية محلية قادرة على إنقاذ الوطن من أزماته المحدقة، ولا تتمتع بأية رؤية سياسية أو اقتصادية أو مالية واضحة، وما زال لبنان يتخبط في رماله المتحركة ينتظر مد يد المساعدة إليه. فهل سوف يستجيب القدر؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها