السبت 2023/04/15

آخر تحديث: 12:21 (بيروت)

ماذا يعيق إنتخاب رئيس للجمهورية في لبنان؟

السبت 2023/04/15
ماذا يعيق إنتخاب رئيس للجمهورية في لبنان؟
أزمات نظامنا السياسي الطائفي ملازمة له منذ نشوئه، وهي منتج دائم للأزمات(Getty)
increase حجم الخط decrease

لم يعتد اللبنانيون ممارسة اللعبة الديمقراطية في غالبية طرق وأشكال العمليات الإنتخابية في لبنان منذ نشأة "دولة لبنان الكبير". كما أنهم لم يتمكنوا حتى اليوم من مغادرة مفهوم "الديمقراطية التوافقية" التي تكرست مع الزمن في الدستور اللبناني أو في الأعراف التقليدية، في وطن إلتقت فيه مجموعات من الأقليات الطائفية والمذهبية، أغنته بتنوعها على المستوى الإقتصادي والإجتماعي والثقافي، لكنها أرهقته على المستوى السياسي والإداري والتنظيمي، وأخرجته على أكثر من صعيد من الإنتظام الدستوري العام وأربكت القضاء والأمن والإستقرار من وقت الى آخر.

ويظهر جلياً في هذه المرحلة الدقيقة، مدى صعوبة ممارسة العملية الديمقراطية بالنسبة لإعادة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان، بعد المحاولات العديدة والمتكررة والفاشلة تحت قبة البرلمان، بحيث يبدو واضحاً إختلال ميزان القوى السياسية التي يتألف منها هذا البرلمان. أصبح هذا الواقع الجديد يطغى لصالح اللعبة الديمقراطية على مفهوم العملية التوافقية التي إعتادها اللبنانيون على مر السنين في الإنتخابات الرئاسية بوجه عام، بإستثناء بعض المحطات الساخنة التي حصلت في بعض المناسبات على شاكلة الإنتخابات الديمقراطية.

وإذا أردنا تبيان بعض الأسباب التي تعيق التطور الديمقراطي للنظام السياسي في لبنان، فيمكن بنظرنا إختصارها كما يلي:

أولا" : على مستوى دستور البلاد:
 لم تخل نصوص المواد الدستورية في لبنان من منطق ما يسمى "بالمحاصصة الطائفية" في ممارسة السلطة السياسية وتولي الوظيفة العامة وتشكيل المؤسسات الدستورية العليا للوطن. ولعل دستور الطائف ووثيقة الوفاق الوطني للعام 1990 خير دليل على تكريس مفهوم التوافقية في ممارسة السلطة السياسية في لبنان. وأنه بالرغم من المواد الدستورية التي كرست مبدأ "المناصفة" بين المسلمين والمسيحيين في تشكيل المجلس النيابي ومجلس الوزراء وفي وظائف الفئة الأولى الإدارية المدنية والعسكرية على أن تكون بصورة مؤقتة وفقاً للدستور ولوثيقة الوفاق الوطني، والى أن يصار بقرار سياسي جامع الى مغادرة هذا النهج الطائفي من خلال الإلتزام بتطبيق مضمون المادة 95 من الدستور اللبناني، وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وإجراء إنتخابات عصرية على قاعدة قانون إنتخابي خارج القيد الطائفي يعتمد النسبية في الدائرة الكبرى أو الدوائر الموسعة، وإنشاء مجلس للشيوخ تمهيداً لقيام الدولة المدنية بعيداً عن الإصطفافات الطائفية السياسية، إلا أن إرادة القوى السياسية ذات الطابع الطائفي والمذهبي في لبنان والموجودة في  مواقع السلطة الأساسية منذ نشوء دستور الطائف، فهي لم تبادر الى إجراء هذه العملية التغييرية في بنية النظام السياسي وبما يتنافى مع مصالحها بوجه خاص.

ثانياً : على مستوى الأحزاب السياسية:
لقد ساهم إتفاق الطائف عام 1990 في تمكين ميليشيات الحرب الطائفية من الوصول إلى مراكز عليا في السلطة السياسية في لبنان، مما أدى الى تراجع دور الأحزاب السياسية العلمانية أو الديمقراطية أو الوطنية والقومية. طغى النهج السياسي الطائفي والمذهبي والمناطقي على ما عداه في تكريس نهج المحسوبية السياسية و التبعية للخارج، مما أساء الى وحدة اللبنانيين الإجتماعية والى إمكانية دمجهم في مجتمع موحد. كما ساهم ذلك في عملية فرز المناطق الى شبه كانتونات طائفية ومذهبية مختلفة، مارست ضمنها تلك الأحزاب الفيدرالية السياسية المقنعة تحت ستار حماية تلك المناطق، وكما أضعف ذلك الى حد بعيد من هيبة الدولة وسيادتها على كامل الأراضي اللبنانية.

ثالثا": تبعية الأحزاب والطوائف للخارج:
إن تكريس منطق المحاصصة الطائفية يمتد الى الخارج، أي الى الدول الراعية للأحزاب الطائفية في الوطن، وهي تمارس ضغوطها بطرق مختلفة من أجل تعزيز سلطة تلك الأحزاب في مواقع السلطة تبعاً لمصالحها الخاصة. وإن ستار تدخلها يتلطى خلف مفهوم "الميثاقية التوافقية" بين تلك المكونات الطائفية، بحيث إن أي إغفال أو إنقاص لحصص أو وظائف ذات أهمية لإحدى الطوائف أو المذاهب، يعتبر مساساً بمشاعر ومغانم تلك القوى الطائفية أو المذهبية، ويؤدي الى عرقلة مسار الإنتظام العام للدولة والمجتمع، والى تأجيج المشاعر الطائفية بالإتجاهات السلبية التي تؤدي غالباً الى توترات أمنية وسياسية وحتى إقتصادية.

رابعاً : ضعف السلطة المركزية للدولة:
إن التشكيل الهرمي للنظام السياسي الطائفي للدولة اللبنانية القائم على قاعدة الميثاقية التوافقية ما بين الطوائف والمذاهب، يجعله في موقع الضعف أمام أية حالة إعتراضية من قبل الطوائف وأحزابها المسلحة على أكثر من صعيد، ويجعل قواها الأمنية والعسكرية عاجزة عن التدخل السريع والحازم للجم أية عمليات تمرد على السلطة المركزية للدولة، مما يدخل البلاد في حالة الفراغ السياسي في أغلب الأحيان، الى أن تتدخل القوى السياسية الخارجية للمساهمة في تخفيف منطق الإحتقان والتحريض الطائفي أو المذهبي وصولاً الى التهدئة المنشودة وكأن اللبنانيين لم يتعلموا بعد إدارة السلطة في لبنان بمعزل عن أصدقائهم في الخارج حتى هذه الأيام.

خامسا" : الجنوح نحو فيدرالية الطوائف :
لقد أرسى ميثاق العام 1943 صيغة العيش المشترك بين اللبنانيين، وكأنه عقد إجتماعي ذات مرتكزات طائفية عامة، وتضمن تقسيماَ للسلطات الدستورية فيما بين الطوائف مما ينسجم مع تكوين المجتمع اللبناني، كما أرسى إتفاقا الطائف  والدوحة ذات الإعتبارات الطائفية التوافقية كأساس للعيش المشترك بين اللبنانيين إلا أن النصوص الدستورية لم تجد تمثيلها الواقعي السليم على مستوى النظام السياسي في لبنان أو على المستوى الشعبي والإجتماعي، إذ كلما واجه اللبنانيون صعوبات أمنية أو سياسية أو إقتصادية، إزدادت ميولهم نحو مفهوم الفيدرالية التي تمنحهم بعض العزلة عن محيطهم الداخلي أو الخارجي، وتحميهم من الإنعكاسات السلبية للصراعات التي تدور في محيطهم، ولقد ساهمت الحروب والتوترات الأمنية من جيل الى جيل في عمليات فرز سكانية من نوع طائفي أو مذهبي، بحيث أصبحت كل منطقة من المناطق اللبنانية توصف بحالة إجتماعية من لون طائفي أو مذهبي معين. وتتعالى اليوم أصوات عدة من أجل إعتماد النظام الفيدرالي في لبنان بشكل رسمي الذي لن يعدو كونه تقسيماً طائفياً للبلاد، إلا أنه لن يكون خشبة الخلاص لأي فريق من اللبنانيين إذ أن هاجس الوحدة المركزية للدولة ما زال هو الغالب حتى أيامنا الحاضرة.

سادسا" : في قوانين الأحوال الشخصية:
لم ينجح اللبنانيون حتى اليوم في إقرار قانون موحد للأحوال الشخصية، يلغي الفوارق فيما بينهم في قضايا الزواج أو الطلاق أو الحضانة أو المهر وخلاف ذلك من الحقوق العائلية أو الإجتماعية، ويساهم في عملية الإندماج الإجتماعي وحيث توجد لكل طائفة أو مذهب مرجعية دينية أو روحية يسترشدون بآرائها أو فتاويها ويقدمون لها الطاعة والولاء وفقاً لأصول الدين أو العقيدة أو الطائفة أو المذاهب. وما زالت فكرة الزواج المدني الإلزامي أو الإختياري غير مقبولة لدى المرجعيات الدينية والروحية المختلفة.

وبالنتيجة، فإن أزمات نظامنا السياسي الطائفي هي ملازمة له منذ نشوئه، وهي بحد ذاتها منتج دائم للأزمات. لذلك، ينبغي العمل على تغييرهذا النظام والإتجاه نحو العلمانية بصورة تدريجية، والمبادرة حالياً الى إقرار قانون إنتخابي عصري بعيد عن الطائفية، وإقرار قانون جديد للجمعيات والأحزاب السياسية المدنية والعلمانية، وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية من قبل طائفة من المفكرين والمثقفين العلمانيين العابرين للطوائف والمذاهب للمساهمة في وضع أسس الخلاص من هذا النظام العقيم والمدمر إسوة بغالبية شعوب العالم وأنظمتها المدنية والعلمانية.

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها