الخميس 2023/01/05

آخر تحديث: 11:04 (بيروت)

سنة جديدة لصراعٍ مستمرّ: دروس للمعارضة

الخميس 2023/01/05
سنة جديدة لصراعٍ مستمرّ: دروس للمعارضة
علينا أن ننسى "الشروط الموضوعية"، ونتخيّل مجدداً أننا صنّاع التاريخ (Getty)
increase حجم الخط decrease
انطلقت سنة 2022 ورافقتْها "أوهام" متنوعة حول سُبل الانتصار على قوى المافيا والميليشيا والمصارف، ولا نقصدُ "الوهم" بالمعنى السلبي أو المتشائم. فالأوهام شرط من شروط صنع واقع سياسي يختلف عن الوضع الراهن. في هذا السياق، يتضمّن "الوهم" أولاً: قراءة سياسية تفسّر طبيعة التناقضات بين قوى النظام. 
ثانيا: حُلماً على أساسه نستقطب فئات مجتمعية مختلفة ونتحدث عن أولويات المرحلة.
ثالثاً: نظرية التغيير التي توضّح خطواتنا المرحلية. فإذاً الوهم يبرر الحركة، ويخلق درجةً كافية من "الجنون" كي نبادرُ في أصعب المجالات، ومنها مجال السياسة اللبنانية.

فما هي أوهام سنة 2022؟ "الانتخابات النيابية"؛ "نواب التغيير": "الوضوح السياسي"؛ "وحدة المعارضة"، "مشروع إنقاذي واحد لكلّ لبنان"؛ "كل قضية أولوية"؛ "الاستعداد للانتخابات البلدية"؛ "يسار جديد".

نكرّر ونقول أنّ أزمة قوى المعارضة في سنة 2022 ليست وجود تلك الأوهام في سياقٍ ما، حيث كانت قد مثّلت الأسس لمعركة نيابية فريدة من نوعها في الساحة السياسية، بل الأزمة هي في "عملية إدارة" الأوهام. فهذه العملية حددت طموحات وأهداف النواب والتنظيمات والمرشّحين/ات، ولا شكّ أن المراجعة واجب على الجميع.
احتكار "نواب التغيير" للعمل السياسي المعارض أنتج خيارات كارثية وشلّ قدرة الناشطين على المبادرة؛ الاستحقاق الرئاسي أظهر غياب الجدية عند أغلب النواب  فيما يخصّ خلق قطب لا-طائفي تقدمي وازن، يستطيع أنّ يمثّل تياراً ثالثاً في وجه مشروعي حزب الله والقوات اللبنانية؛ تنظيمات المعارضة والتغيير تواجه تحدّي الاستمرارية في ظلّ نقصان الموارد وطغيان الخلافات "الجوهرية".

الدرس الأول: الحركة كوهمٍ جديدٍ
قد يكون عائق الحركة الاعتراضية في السنة الماضية هو الفشل في إدارة الأوهام، ولكن أزمة السنة المقبلة هي احتمالية غياب الوهم، أو بالأحرى غياب الكذبة الجماعية التي قد تبرر المقاومة المستمرّة. استبدل الوهم "الإيجابي" بالوهم "السلبي"، الذي قد تبيّن بوضوح عبر الاستقالات الجماعية من بعض التنظيمات، والحديث المستمرّ عن الإرهاق واليأس، والنزاعات المتواصلة بين النواب والقاعدة. وما هي النتيجة؟ أنتجْنا فريقاً جديداً من المراقبين والمحللين الذين "ختموا" مرحلة "النضال السياسي" وبدأوا مرحلة "نقد التجربة"!

فالبديل عن هذه المهزومية هو وهم جديد. في الماضي، مثّل شعار "ليس الإحباط قدراً" للشهيد سمير قصير الردّ المناسب على كلّ من اعتقد أنّ معركة مناهضة سلطة الوصاية السورية في الشارع قد انتهت، ولكن الوهم في ظروف الحاضر يحتاج إلى مكوّن آخر: الحركة- فالقراءة تقول: حركتنا ومبادرتنا منذ سنة 2011 حتى الآن كانت أساس نجاحنا وفشلنا. في هذه الفترة بالذات، علينا أن ننسى "الشروط الموضوعية"، ونتخيّل مجدداً أننا صنّاع التاريخ، كما فعلنا منذ 8 أشهر عندما تحمّلنا مسؤولية تشكيل لوائح انتخابية في مختلف الدوائر، أو منذ 6 أشهر عندما أقنعنا أصدقاء عائلاتنا أنّ أصواتهم قد تُغيّر المعادلة، أو من سنتيْن عندما نزلنا إلى الشارع في 8 آب 2020 لإسقاط العهد.

الدرس الثاني: الاعتراف بحجمنا
كثرت انتصاراتنا "الكاسحة" بعد انتفاضة 17 تشرين: من فوز ملحم خلف في انتخابات نقابة المحامين سنة 2019 إلى انتصار الأندية العلمانية في انتخابات الجامعات الخاصة سنة 2020 إلى حصول ائتلاف "النقابة تنتفض"على أغلبية المقاعد في انتخابات نقابة المهندسين سنة 2021. بالرغم من تلك التطورات، عاد الاصطفاف العمودي بين حزب الله والقوات اللبنانية ليذكّرنا بدور المال والعسكر والدول والمحاور بتهميشنا. تفاقمت الأزمة الاقتصادية بعدما سقط الحل المالي الشامل، وبالتالي كرّست الشبكات الزبائنية الكانتونات المغلقة. ظنّ بعض "التشرينيين الرومانسيين" بعد 4 آب أنّ أحزاب النظام خسرت جمهورها، ولكن الوقائع المادية والطائفية أظهرت العكس.

مع بداية السنة الجديدة، علينا الاعتراف بحجمنا كمشروع سياسي لا طائفي شعبي بديل. وهنا لا نشير إلى قوّتنا الاقتصادية والعسكرية المعدومة مقارنةً بأحزاب الطوائف، وتحديداً حزب الله، بل حتى إلى مشروعية خطابنا. "الحالة الثورية الوطنية" انتهت، خصوصاً مع وصول "نوابنا" إلى الندوة البرلمانية. هذا الاعتراف يفرض علينا التفكير بأطر سياسية منظّمة تطمح إلى كسب المشروعية تدريجياً وبناء قوّة سياسية وإنتخابية مستدامة.

الدرس الثالث: المأسسة والجمع كحركة الاستثمار في المستقبل
إذا اتفقنا أنّ وهمُنا الجديد هو الإيمان بالحركة، أي الإيمان بتداعيات عملنا السياسي المباشر في آخر 15 سنة، يصبح السؤال: أي حركة نريد؟ استنزفنا الشارع والندوات والمؤتمرات والانتخابات، واليوم قد نستنزف العمل التشريعي. الحاضر في مأزق، ولكن المستقبل موجود ومُتعدد الاحتمالات، وهو أيضاً مشروط بالمأسسة: تطوير تنظيماتنا وقدرتها على الاستيعاب والإستقطاب، توحيد القوى والأفراد الذين يتفقون على عناوين المرحلة والرؤية العامة، إعادة إحياء المشهد الثقافي-السياسي عبر خلق مساحات نقاش مستدامة، خصوصاً في العاصمة.

بالتالي، "المأسسة" ليست عملية مرهقة ومملّة حول بنود النظام الداخلي. في هذا الظرف الصعب، هي آلية توزيع الأدوار بين الرفاق بهدف تحقيق غاية سياسية تستوجب العمل الجماعي والحزبي المفتوح، وتعتمد على مجتمعات سياسية وثقافية ديناميكية وصحية للعمل. المأسسة هي عكس الحفاظ على "الكيان المجموعاتي" التافه، بل قد تدفع باتجاه تأسيس تنظيمات جديدة تأتي على حساب الأطر القديمة.

أخيراً، المهمة الأولى لهذه التنظيمات هي خلق حياة سياسية يومية للأعضاء والكوادر، أي تكريس العمل السياسي كخيار حياتي مستمرّ ومسؤول رُغم الفشل والتعب والتضحيات. وهذا يستوجب التخلي عن "مرحلة نقد التجربة". الكتب كثيرة ومتوفّرة، وعادةً يرافقها العجز وتشاؤم الفكر. أما تفاؤل الإرادة، فوُجد بقلّةٍ فقط عند الموهومين بمستقبل أفضل، ولكن القليل في الظروف المناسبة كافٍ أحياناً. قد تكون المهمة صعبة، وبل مستحيلة، ولكن الماضي مخزون كبير من المهمات المستحيلة التي حصلت، وأولها 17 تشرين، 2019.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها