الجمعة 2022/08/19

آخر تحديث: 11:13 (بيروت)

نحو العودة إلى "قصر الشعب"؟!

الجمعة 2022/08/19
نحو العودة إلى "قصر الشعب"؟!
طريق رئيس الجمهورية الجديد إلى قصر بعبدا ليست سالكة (Getty)
increase حجم الخط decrease

في ختام كتابه المعنون "صدمة وصمود" الذي يؤرخ لعهد الرئيس إميل لحود، يصف كريم بقرادوني الساعات الأخيرة التي أمضاها لحود في قصر بعبدا مع نهاية ولايته، وكيف انه كان ينظر باستمرار إلى ساعة يده لمتابعة الدقائق المتبقية للخروج من القصر الرئاسي والعودة إلى منزله، وتسليمه إلى الفراغ، مع تعثر انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

كان حزب الله والقوى الحليفة له قد بذلوا جهوداً حثيثة ومكثفة مع لحود لإقناعه بالبقاء في مقر الرئاسة الأولى وتشكيل حكومة، لكن لحود الذي كان تجاوب كثيراً خلال ولايته مع رغبات ومصالح حزب الله في أكثر من موضوع ومناسبة، لم يعط الجواب الشافي لمحمد رعد، الذي زاره أكثر من مرة موفداً من السيد حسن نصرالله، لمحاولة إقناعه بالبقاء وتشكيل حكومة انتقالية تواجه حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.

حكومة السنيورة التي وصفت بأبشع الأوصاف من محور الممانعة آنذاك، كانت تستعد لأول تجربة بعد الطائف، في تسلم صلاحيات رئيس الجمهورية الذي فرغ مكانه وتعذر انتخاب بديل عنه.

حسم لحود الأمر من دون تردد، وغادر بعبدا بالرغم من زعل حزب الله منه، ولم يتجاوب مع رغبات الحليف.

تصرف لحود هذا كان ينم عن إدراك قوي، أن لا حيلة دستورية تسعفه في حال بقي في مكانه ولم يغادر الرئاسة الأولى مع نهاية ولايته، بالرغم من اعتباره مع القوى المساندة له أن الحكومة التي ستتولى صلاحياته "بتراء" حسب الوصف السياسي الدارج آنذاك من قبل جماعة الثامن من آذار.

كانت تجربة جديدة ومثيرة يومها أن يتولى مجلس الوزراء مجتمعاً الذي يقوده مسلم صلاحيات رئيس الجمهورية المنتهية ولايته. ما يدل أن المواقف السياسية التي كان يقفها لحود من حكومة السنيورة لم تكن تقف على أرض دستورية صلبة.

تجربة الفراغ الرئاسي الثانية كانت مع نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، الذي خرج منزعجاً من بعبدا لعدم تسليمه الموقع لرئيس جديد، لكنه كان يدرك أن حكومة الرئيس تمام سلام لا شائبة دستورية تحملها أو ترافقها.

تجربتان متواليتان عاشهما لبنان مع نهاية عهد العمادين لحود وسليمان، لم يتمكن فيهما مجلس النواب من انتخاب رئيس جديد.

السؤال المطروح الآن والذي يؤرق الجمهورية المثخنة بالجراح، هو هل سيعيش لبنان تجربة ثالثة من الفشل في انتخاب رئيس جديد في الموعد الدستوري المخصص لهذا الحدث الكبير، أم ستحل البركة الربانية التسووية وتتبدل اللعنة ويُنتخب رئيس لقيادة مركب الإنقاذ المطلوب، للحؤول دون الانهيار النهائي والأخير لما تبقى من صوامع إهراءات الدولة المتهالكة والمتعفنة؟

المؤشرات الظاهرة لا تدعو إلى الارتياح والركون إلى مسار مأمون في انتخاب الرئيس الجديد.

أولى المؤشرات السلبية على المقبل من الأيام أتت من أحد أبرز رموز النظام الأمني اللبناني السوري السابق وربما اللاحق، النائب اللواء جميل السيد الذي كان أول من تحول إلى خبير دستوري محلّف عبر إطلاق التحذير الأول من مغبة تسلم صلاحيات رئيس الجمهورية من قبل حكومة تصريف الأعمال! وذلك قبل أن يتم التداول في سيناريوهات الفراغ واحتمالاتها المتعددة وما لف لفها.

اللواء السيد كرر هذا التحذير أكثر من مرة وفي أكثر من زيارة لقصر بعبدا.

الجدير ذكره في هذا الإطار أن للسيد سوابق عديدة في مجال الفتاوى والاقتراحات الدستورية المسمومة، من دون أن ننسى أنه كاتب خطاب القسم للعهد اللحودي الباهر النجاح. وأبرز فتاويه المشهورة، أنه كان صاحب النظرية الهرطوقية المخالفة للدستور بوضع أصوات نواب بتصرف رئيس الجمهورية خلال استشارات الحكومة في عهد لحود، والتي أدت إلى اعتذار رفيق الحريري عن تشكيل الحكومة الأولى وإتاحة المجال لتنفيذ الانقلاب الأول على الحريري، والإتيان بالرئيس سليم الحص على رأس أول حكومة في ولاية لحود.

تجربة السيد الأولى لقيت الفشل وأسست لبداية خراب عهد لحود، بدليل عدم تكرارها. وقد كانت أولى المنزلقات والمطبات التي أدخلت العهد الميمون بنزاعات لا سابق لها وأوصلته وأوصلت البلاد إلى الكوارث الكبرى.

إثارة ورفض النائب جميل السيد لمسألة احتمال تسلم حكومة تصريف الأعمال "الميقاتية" صلاحيات رئيس الجمهورية في حال تعذر الانتخاب، لم تذهب أدراج الرياح. فسرعان ما تلقفها التيار الوطني الحر وأمسك بها في آخر اجتماعاته وبياناته النارية.

كل ذلك يدل حتى الآن أن طريق رئيس الجمهورية الجديد إلى قصر بعبدا ليست سالكة أو معبدة أو واضحة، بل مليئة بالحفر والمطبات، مما يطرح أكثر من سؤال وسؤال ويمهد الطريق أمام احتمالات متعددة، منها -كما يروّج السيد وجبران باسيل- رفض فكرة تسلم حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئيس الجمهورية. ما يعني رفض تسليم الرئيس عون القصر الرئاسي إلى الفراغ. وبعبارة أو فكرة أوضح، ربما العودة إلى تجربة قصر الشعب الميمونة.

فهل هذا ممكن ووارد في قاموس ومحيط رئيس البلاد؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها