الجمعة 2022/06/03

آخر تحديث: 10:48 (بيروت)

مجلس صندوق الفرجة

الجمعة 2022/06/03
مجلس صندوق الفرجة
الأنظار ركزت على النواب الجدد (علي علّوش)
increase حجم الخط decrease
أسفرت الانتخابات النيابية عن خسارة حزب الله السيطرة على الأغلبية التي كانت بيده في المجلس السابق، لكن الجلسة الأولى للمجلس الجديد أتاحت لحزب الله أو لتحالف مار مخايل، وبسرعة، إعادة الإمساك بإدارة مجلس النواب من جديد. وهو المجلس الذي تحول إلى صندوق للفرجة فيه كل الغرائب والعجائب غير المعروف إلى أين ستؤدي.

حربقة برّي
"الترند" الذي رافق الجلسة الأولى هو انتشار الامتعاض لدى كثر، أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي استمر رئيساً للمجلس للدورة السابعة أي منذ 30 سنة متواصلة، بالترافق مع تحول المجلس النيابي إلى صيغة "اللويا جيرغا" الأفغانية.

والحقيقة، أن هذا المعطى ليس هو الحقيقة الغريبة فقط، بل إن المجلس في جلسته الأولى وتركيبته الراهنة عبارة عن مجلس جديد من نوعه، فيه الكثير من الغرائب والمتناقضات، التي ستظهر فيما بعد.

رئاسة نبيه برّي فريدة بحق، لكنها تتصل بأمر أساسي يقع كثر في تجاهله، وهو ما يميز هذا الرجل. وهي ميزة الحربقة والمهارة السياسية والقيادية، في بلد معقّد ومركّب من دون فرصة للنقاش الجدي والمحاسبة.

نبيه برّي مستمر في موقعه بفضل ميزتين اثنتين. الأولى، جدارته وقدرته على التأقلم مع المتغيرات. والثانية، قوة وجدارة المحور الإقليمي المستند إليه، والذي يؤمن له الحماية والوصاية والمساندة، أي جدارة إيران وسوريا في اغتنام واقتناص الفرص وعدم إضاعة الوقت على الشكليات والثانويات من القضايا.

الطريقة التي تصرف بها في الفترة الأخيرة بعد صدور النتائج، ساهمت في فوزه، حين تأقلم مع المستجدات بشكل سريع. وقد سبقه حليفه وصديقه وليد جنبلاط إلى القول بعد نتائج الانتخابات الأخيرة إن من لا يعرف كيف يتأقلم مع المتغيرات يخسر.

استيعاب الموجة
سارع أبو مصطفى وبلمح البرق إلى الرد على النتائج بأسرع منها، وهو مع إدراكه لمعنى فوز كتلة وازنة من الشباب نتيجة موجة "انتفاضة – ثورة 17 تشرين" وقبل أن يصبح الأمر مطلباً ملحاً ضاغطاً، سارع إلى ملاقاة النتائج برفع جدران الباطون وفتح الطرق، وقطع الطريق على مطالبات محرجة، وبالتالي تنفيس أجواء الاحتقان لدى نواب الانتفاضة.

لو كان غيره في المنصب، لكان عاند الأمر واستغرق وقتاً أكثر لملاقاة وفهم النتائج وقطع الطريق عليها. لكن برّي لم يسمح للموجة الثورية أن تغمره أو تغرقه، ففتح لها الأبواب ولو جزئياً بإرادته، قبل أن تصدم الجدران المصطنعة، ففهم نتائج صناديق الاقتراع وفتح لها الطريق، ولم يسمح لها أن تصدمه وتعرضه للرضة أو الكسر أو إلحاق الأضرار، نزع العوائق أمام النواب الجدد، وسمح بأن يدخلوا إلى المجلس الجديد بيسر ومن دون عناء أو إنكار للواقع. 

في الجلسة، لم يكن برّي رغم الارتباك البسيط الظاهر، بعيداً عن التقاط الموجة، فبدلاً من المعاندة وتكبير المشكل، وافق على مطالبات النواب بسرعة بتلاوة مضمون الأوراق الملغاة، وتفادى المشكل ابن ساعته، واستوعب صراخ البعض المتحفز لدور البطولة الاستعراضي.

لكن برّي الذي تبرّم كثر من استمراره على كرسي القيادة، تجنب في المقابل الوقوع في الخطأ القاتل الذي انزلق إليه كثر في المنطقة ولبنان، وكان سبباً في ويلات كثيرة.

لقد تجنب برّي حتى الآن، السير بمسيرة التوريث التي أغرت حسني مبارك وحافظ الأسد وكثر في لبنان، وغيرهم من القادة العرب، وهذا ما أكسبه حتى الآن ميزة تفرقه عن غيره، من الذين دفعوا ثمناً غالياً نتيجة هذا الخيار. فباستثناء بعض المراكز المدروسة، في مؤسسات الدولة، لم يُدخل برّي أي من عائلته الممتدة، إلى تنظيم حركة أمل، ولم يحظ أي واحد منهم بأي مقعد برلماني.

أحفاد وسلالات
في المقابل، فإن المجلس الحالي بالوجوه الجديدة هو في الوقت عينه، عن حق، مجلس الأجداد والأحفاد والسلالات المستمرة من مئات السنين.

الصورة الأبرز في الجلسة الأولى كانت صورة سيارة الرئيس كميل شمعون يقودها حفيده النائب كميل دوري شمعون، من دون أن ننسى حضور رئيس اللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط، الذي يشغل عملياً مقعد المختارة  وآل جنبلاط. وسبق أن شغل هذا المقعد كمال جنبلاط ونجله وليد. ومقعد النائب طوني فرنجية الذي يشغل عملياً مقعد زغرتا وآل فرنجية، الذي سبق أن شغله الجد الرئيس سليمان فرنجية، وقبله حميد فرنجية الذي كاد لو لم تصبه غدرات الزمان أن يصل إلى كرسي الرئاسة الأولى. وفي المجلس نفسه استمر النائب علي عادل عسيران وأسامة سعد، الذي يشغل المقعد الذي شغله والده وشقيقه. ومصطفى عبد الرحمن البزري الذي يشغل مقعد والده الدكتور نزيه.

ولو لم يرسب فيصل كرامي لشغل مقعد جده عبد الحميد أيضاً. وهو قد يعود يوماً إلى مقعد العائلة إذا ما أحسن إدارة نفسه.

ميشال المر جونيور شغل مقعد جده أيضاً في تمثيل بتغرين والمتن، وتربع على كرسي "العمارة" بعد أخذ بركة جده الرئيس "المكاوم"، وحين تقدم للترشح لخص والده الأمر بالقول: وهل هناك من تضحية للإنسان أكثر من أن يقدم نجله لخدمة الناس!

مختصر الكلام، أن المجلس الحالي قدم في جلسته الأولى عرضاً كان ناجحاً للبعض وفاشلاً للبعض الآخر.

النواب الجدد
الأنظار ركزت على النواب الجدد الذين خرجوا من رحم الانتفاضة الشعبية، الذين نجحوا في الشكل وفشلوا في المضمون. وستكون التجارب المقبلة كفيلة بالحكم عليهم وعلى تجربتهم الجديدة كلها.

ركز نواب الانتفاضة على تقديم الشكل من دون المحتوى، تقدمواً سيراً على الأقدام بثياب سبور وأحذية رياضية، بعد لقاء مع عائلات شهداء تفجير المرفأ. وتناسوا الجوهر، أي الخطوة الجدية، وهي الانتخاب وأهمية من سيصل لقيادة إدارة المجلس، مما سمح لتحالف مار مخايل بالسيطرة على قيادة البرلمان وإدارة جلساته ومواضيعه من الآن وحتى أربع سنوات مقبلة.  

لا يزال الوقت متاحاً لنواب الانتفاضة من أجل التصحيح والتصويب، مع الأخذ بالاعتبار أن تماسيح وحيتان النظام المسسيطر تتربص بهم.

لا مجال لإضاعة الوقت، والهدف معروف وهو الإصلاح والمراقبة، ومنع لبنان من الزوال عن الخريطة والتحول أكثر نحو الاندثار والفوضى.

هل سينجح مجلس النواب في التوجه نحو مهمته الأساس بالتفاعل بين  جميع المكونات، لحماية ما تبقى، أم سيظل صندوقاً للفرجة والبهجة، تحت إدارة تحالف السلاح والبلطجة، وسط بحر عديد القوى والأساليب المدمرة والانتحارية؟  

الجواب لن يتأخر كثيراً.            

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها