الأحد 2022/02/13

آخر تحديث: 10:56 (بيروت)

الميثاق الوطني يقضي بإلغاء الطائفية

الميثاق الوطني يقضي بإلغاء الطائفية
لم تورد حكومة رياض الصلح الأولى كلمة ميثاق في بيانها الوزاري (الانترنت)
increase حجم الخط decrease

بيّنا في مقالة سابقة أن ما وصفه الرئيس بشارة الخوري بالميثاق الوطني ليس ميثاقاً بالمفهوم الاصطلاحي العلمي، وأنه لا يُلزم أحداً، وأن مواثيق لبنانية أخرى حقيقية لم تتخذ صفة الإلزام، مع أنها مبرمة في العلن، وذلك لأنها لم تصدر في قوانين أو مراسيم. ولذلك سنفترض هنا أن بشارة الخوري أراد المعنى اللغوي العام للكلمة، وهو العهد، وليس المعنى الاصطلاحي السياسي، أي الاتفاق العلني الذي يصدر في وثيقة مكتوبة يلتزم موقعوها أحكامها، وذلك تسهيلاً للبحث.

المزاعم الشائعة
ولقد زعم كثيرون أن ذلك الميثاق خَص الموارنة برئاسة الجمهورية، والشيعة برئاسة مجلس النواب، والسنّة برئاسة الحكومة، والروم الأرثوذكس بنيابة الرئاسة في مجلس النواب، وجعل نسبة المسيحيين إلى المسلمين في ذلك المجلس 6/5 بمقتضى إحصاء 1932، وأن المناصب الإدارية والقضائية والعسكرية في الدولة وزعت على هذه القاعدة؛ فخُص الموارنة بقيادة الجيش، والدروز برئاسة الأركان العامة، واتبع هذا النمط في سائر الوظائف الرسمية. ثم إنهم زعموا أخيراً أن الميثاق قضى بحياد لبنان. ومن الغرائب أن بعض الساسة المتأخرين ذهبوا إلى أنه قضى أيضاً بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين في النيابة والوزارة والوظائف العامة، وكأنهم لم يعملوا بتلك النسبة النيابية الطائفية التي أشرنا إليها قبل قليل، وبأن الموظفين المسيحيين فاقوا المسلمين عدداً بصورة كبيرة حتى بعد الاستقلال. وأطرف ما زادوه على مضمون الميثاق مقولة المكونات اللبنانية التي توجب مشاركة جميع الطوائف في كل القرارات الحكومية والنيابية، وإلا فالبُطلان.

لقد صار ذلك الميثاق مبعثاً لشائعات تذيعها الألسن والأقلام، وتخرجها في صيغ مختلفة، ويزيد عليها الرواة ما يحلو لهم، وتكاد قضيته تشبه قضية الشعر الجاهلي، حيث نلفي للقصيدة الواحدة روايات مختلفة جداً، ثم يتبين للنقاد أن أكثر تلك الروايات منحول أو موضوع أو أَدخل على القصائد ما ليس منها.

واللافت أن مؤرخاً معروفاً يكاد يكون ترباً لبشارة الخوري، وقائداً سياسياً هاماً، وعلى صلة بالساسة اللبنانيين وبالرؤساء والملوك، هو الدكتور محمد جميل بيهم (1887- 1978) قد ألف سنة 1945، أي في أول عهد الاستقلال، كتاباً عنوانه :«النزعات السياسية بلبنان. عهد الانتداب والاحتلال: 1918- 1945»، فذكر انتخاب بشارة الخوري لرئاسة الجمهورية وتولي رياض الصلح رئاسة الحكومة، عادّاً ذلك بَعْث عهد جديد وتحولاً وانقلاباً، لكنه لم يومئ ولو إلماحاً إلى موضوع الميثاق، وكان من أَوْلى الناس بمعرفة حصوله لو حصل، أو لو كان متضمنا تلك الأحكام الهامة جداً التي يضيفها بعضهم إليه.

والملحوظ أن من يذيعون تلك الشائعات قلّما ينتسبون إلى العامة، بل أكثرهم ساسة كبار وأكاديميون مرموقون، حتى وسائل الإعلام العالمية تورطت في تبني مزاعمهم، بل بلغ الأمر مجلس الشيوخ الفرنسي فقال مقالتهم في هذا الشأن.

والراجح أن السبب في انتشار الشائعات المشار إليها والتزيّد فيها هو أن النخبة المارونية السياسية والفكرية والإعلامية قد بثتها في لبنان والعالم، وكانت مصدرها الأساسي، وأن المراجع الأجنبية كانت تعوّل على تلك النخبة في الكتابة عن الميثاق، سواء بالرجوع إلى أقوالها، أو بدعوتها إلى التأليف في موضوعه. وكثير من الناس يصدقون الشائعات، ويتطوعون لنشرها، أو يتوهمون صحتها إذا كانت صادرة عن شخصيات هامة، أو ربما تعمدوا نشرها وهم يعلمون زيفها لحاجة في نفس يعقوب.

فلنفحص الأمر، إذن، من خلال مذكرات الرئيس بشارة الخوري الموسومة بـ«حقائق لبنانية»، وبالبيان الوزاري الأول للرئيس رياض الصلح، ثم بسائر بياناته.

تصوُّر بشارة الخوري للميثاق
إن المطالع لتلك المذكرات يلحظ شيئاً من الاختلاف بينها وبين ملاحقها التي تضم كلمات للرئيس الخوري في مناسبات مختلفة؛ ولا شك في أن التذكّر غير النص المدون، فالأول معرّض للتفويت والتجميل والاختيار، والثاني ثابت شبه مؤكد، قابل للنفي في حال مخالفته للحقيقة.

يؤكد بشارة الخوري في الجزء الثاني من مذكراته أن الميثاق هو برنامج حكومة رياض الصلح الأولى (ص: 290)، وأنه نتيجة اجتماع للرئيسين جرى قبل يومين من انتخاب الخوري للرئاسة، أي جرى في 19 أيلول 1943، واتُّفق فيه على أسس ذلك الميثاق وعلى معظم نقاط البيان الوزاري الذي سيتلوه الصلح في مجلس النواب بعد تسميته رئيساً للحكومة. وحاول الرجلان أن يظل ذلك الاتفاق طي الكتمان، لكنْ لا سرّ في لبنان، فقد توقع الساسة تكليف الصلح رئاسة الحكومة (ص: 17). ولا يوضح الخوري ما إذا كان هؤلاء قد  علموا بالميثاق وبالبيان الوزاري أيضاً أم لم يعلموا بهما.

ثم يذكر الخوري ما يوحي التناقض مع ما سبق، إذ يشير إلى أنه بعد انتخابه كلف الصلح فعلاً رئاسة الحكومة، وشاوره في برنامجها، فقرّ الرأي بينهما على أن الركنين اللذين سيقوم عليهما هذا البرنامج هما تحقيق الاستقلال وإعلان الميثاق الوطني بوصفه أساساً للعهد الجديد. ونراه بعد ذلك يعرّف الميثاق، بما صار اليوم مشهوراً، وهو أنه :«اتفاق العنصرين اللذين يتألف منهما الوطن اللبناني على انصهار نزعاتهما في عقيدة واحدة: استقلال لبنان الناجز دون الالتجاء إلى حماية من الغرب، ولا إلى وحدة أو اتحاد مع الشرق» كما يوضح أن الرجلين اتفقا «على كل كلمة في البيان الوزاري» وعلى طلب تعديل الدستور وفاقاً لذلك (ص: 21- 22). فهناك يبدو الميثاق هو  البيان الوزاري نفسه، وهنا يبدو جزءاً من البيان الوزاري ليس إلا. وقد أوضحنا في المقالة السابقة أن البيانات الوزارية لا تصلح لأن تكون ميثاقاً، لأنها برامج عمل تعِد الحكومات بإنجازها، وليست دساتير، وإن تجوّز الخوري فزعم أن الميثاق دستور، على ما سوف نرى.

وفي كلمة له يصف الخوري الميثاق بالعهد بين اللبنانيين، مكرراً أنه يقضي باستقلال لبنان الصحيح، فضلاً عن ثلاثة أمور أخرى هي تحقيق «السيادة القومية والمحافظة على دستور البلاد [...] والتعاون مع الأقطار العربية» مكرراً القول بأن الميثاق هو «العهد الذي قطعته الحكومة على نفسها» (ص: 290). فهو تعهّد حكومي.

وبعدئذ يصف الخوري الميثاق بالقومي (ص: 296)، بعد أن كان قد وصفه بالوطني، كما يضفي عليه قداسة واضحة إذ يصفه بالسُّنّة المقدّسة والدستور المختار (ص: 297) محاولاً تأبيده بالقول إنه لزمنه ولما بعد زمنه (ص: 299)، على طريقة المتدينين الذين يؤمنون بأن الكتب المقدسة صالحة لكل زمان ومكان.

فليس في ميثاق بشاة الخوري إلا المطالبة بالعمل على ترسيخ الاستقلال ووضع دستور يلائمه، وتوحيد الشعب اللبناني والتصدي لما يفرقه، واتخاذ مسافة واحدة من الشرق والغرب من غير أن يعني ذلك الحياد، لأن مع هذه الوسطية تمسّكاً بالتعاون العربي وسائر الدول الصديقة، وفخراً بالانتساب إلى جامعة الدول العربية والتزاماً بميثاقها، وبميثاق الأمم المتحدة كذلك. وفرق بين التوسط والحياد. علاوة على شعارات وطنية وأخلاقية عامة. أما توزيع الرئاسات والمناصب والوظائف على الطوائف، فلا أثر له في تصور بشارة الخوري. ومن نافل القول أن ذلك الميثاق خِلو من الدعوة إلى المناصفة، ومن القول ببطلان القرارات التي لا يجتمع عليها ما سمي في العهد العوني بالمكونات الطائفية.

وما دام الرئيس الخوري قد جعل الميثاق مرادفاً للبيان أو البرنامج الحكومي الأول، فيجدر بنا النظر في ذلك البيان الذي تلاه رياض الصلح على مجلس النواب في السابع من تشرين الاول سنة 1943، على ما يؤكده محمد جميل بيهم.

رياض الصلح وإلغاء الطائفية
لم تورد حكومة رياض الصلح الأولى كلمة ميثاق في بيانها الوزاري المفروض أنه هو الميثاق نفسه، بل أوردت فيه، وستورد حكوماته الأربع التالية في بياناتها، دعوةً إلى إلغاء النظام الطائفي، أي إلى ضد ما يدّعيه المتحدثون عن التوزيع الطائفي للمناصب! فلذلك البيان اثنان وثلاثون عنواناً أهمها: تنظيم الحكم الوطني، معالجة الطائفية والإقليمية، تعديل قانون الانتخاب، الإحصاء العام، التعاون مع الدول العربية المجاورة، الإصلاح الإداري، مجهود  المرأة، التربية الوطنية. ولم يدرج الصلح في بيانه أي عنوان يتصل بالميثاق.

وتحت عنوان معالجة الطائفية والإقليمية المشار إليه يقول الصلح :«ومن أسس الإصلاح التي تقتضيها مصلحة لبنان العليا معالجة الطائفية والقضاءُ على مساوئها؛ فإن هذه القاعدة تقيد النظام الوطني من جهة، وتشوه سمعة لبنان من جهة أخرى، فضلاً عن أنها تسمم روح العلاقات بين الجماعات الروحية المتعددة [...] وقد شهدنا كيف أن الطائفية كانت في معظم الأحيان أداةً لكفالة المنافع الخاصة، كما كانت أداة لإيهان الحياة الوطنية في لبنان إيهاناً يستفيد منه الأغيار». ويقول بعد ذلك :«ونظام الحكم الشعبي يُقبل بطمأنينة على إلغاء النظام الطائفي المضْعف للوطن» وهو يعُدّ «الساعة التي يمكن فيها إلغاء الطائفية ساعةَ يقظة وطنية شاملة» واعداً بالسعي «لكي تكون هذه الساعة قريبة بإذن الله»، ومقترحاً التمهيد لإلغاء النظام الطائفي.

فمطلب إلغاء النظام الطائفي ليس وليد مؤتمر الطائف، خلافاً لما يعتقده الكثيرون، بل هو سابق لذلك المؤتمر بنحو نصف قرن، ولعل رياض الصلح أول مقترحيه، وهو ما فتئ يكرر اقتراحه في بياناته الوزارية التالية: سنة 1944 وسنة و1946 وسنة 1947 وسنة 1948، ولم يهمل الإشارة إليه إلا في حكومته الأخيرة سنة 1949، إذ شغله شاغل النكبة الفلسطينية واللاجئين. على حين كان بشارة الخوري لا يفتأ يذكر الميثاق الوطني في خطاباته، وكأن ثمة خطين متوازين: خط الميثاق الوطني الذي ينادي به الخوري، وخط إلغاء النظام الطائفي الذي ينادي به الصلح، وهذا يذكرنا بما يجري اليوم بين دعاة الطائفية الذي يقدمون الميثاق كلما طرح تطبيق ما نص عليه الطائف من إلغاء الطائفية، بل يحاولون وضع الميثاق فوق الدستور، ولا يخجلون من الدعوة إلى تعميم النظام الطائفي اللبناني في العالم أجمع، وكأنهم يدعون عليه بدخول جهنم. وبعضهم يتحذلق فيجعل الزواج المدني بديلاً من إلغاء الطائفية، وكأن تنظيم العلاقات التناسلية يُصلح فساد النظام؛ كما يطالب بعضهم بالدولة المدنية، وكأن لبنان دولة عسكرية أو دينية، وهي في الواقع مدنية حتى في قوانين المحاكم الشرعية، فهذه القوانين تصدر عن مؤسستين مدنيتين هما مجلس النواب ومجلس الوزراء. والحق أنهم متشبثون بالنظام الطائفي لِوَهْم بعض العامة بأنه يمنح طوائفهم امتيازات خاصة، ولإيمان كثير من الزعماء بأن إلغاء الطائفية يقوض كراسيهم.

وليست مستغربة مطالبة رياض الصلح بإلغاء النظام الطائفي ثم مطالبة مؤتمر الطائف به بعد نصف قرن تقريباً، لأن الحرب الأهلية كانت برهاناً على ثقابة نظر هذا السياسي العبقري؛ فالطائفية كانت السبب المدمر في هذه الحرب، وهو ما اقتنع به المؤتمرون. والذين يصرون على النظام الطائفي إنما يصرون على تعريض لبنان للمخاطر المتوالية. وهل أخطر من جهنم التي يعيش لبنان فيها اليوم؟

إن الخطين المتوازيين اللذين سار فيهما الخوري من جهة والصلح من جهة أخرى قد يفسران معنى عبارة بشارة الخوري :«واتفقنا على معظم النقاط التي سوف تعلن في بيانه الوزاري»، أي بيان رياض الصلح. والظاهر أنهما اختلفا في هذين المسارين الرئيسيين، حتى إن رياض الصلح لم يذكر كلمة الميثاق الوطني إلا مرة واحدة، وفي خبر عابر، ليس في بيان حكومة الاستقلال، بل في بيان حكومته قبل الأخيرة سنة 1948، إذ قال :«إن الحكومات السابقة سارت بوحي من الميثاق الوطني في جميع ما اضطلعت به من أعمال»؛ وكذلك أهمل سائر رؤساء الوزراء في عهد بشارة الخوري ذكر هذا المصطلح، باستثناء عبد الله اليافي الذي استعمله في بيانه الوزاري سنة 1951، أي بعد ثماني سنوات من الاستقلال، وفي جملة واحدة عابرة أيضاً، تجعل الميثاق الوطني هو الحفاظ «على استقلال لبنان وسيادته». وهذا يدل على ضآلة أهمية ما وصف بالميثاق الوطني، وعلى محدودية مضمونه، إذ اقتصرت دلالته على الاستقلال والسيادة وإلغاء الطائفية وتعريب الدوائر الحكومية، وإن ضمّن بشارة الخوري مفهوم الاستقلال معنى الوسطية، وجعل الانصهار الوطني طريقاً إليه. 

لكن اللافت أن رياض الصلح تفرد من بين رؤساء وزراء عهد بشارة الخوري بالمطالبة بإلغاء النظام الطائفي، فهو فارس هذا المطلب الوطني، الذي لو نجح في تحقيقه فربما تغير وجه لبنان، وصار دولة حقيقية.

وفي بياناته الوزراية التالية توسع رياض الصلح في الكلام في هذا الشأن، فأعلن في بيان حكومته الثانية أن النظام الطائفي هو أثقلُ القيود التي تعوق لبنان عن التقدم السريع، وأن تجارب «الحكم في الأشهر التسعة الأولى» قد زادته «معرفة بثقل هذا القيد» ووعد بأن الطائفية ستكون أول ما ستعالجه حكومته، في القانون وفي النفوس، وأنه يسعى إلى بناء الوطن «على أساس الوطنية والأخلاق الفاضلة»، وهو يطالب في بيان حكومته الثالثة بألا يُنظر إلى الإحصاء الدقيق الذي يَعمل له ولا إلى العناية بالمغتربين بمنظار طائفي، بل برؤية وطنية واضحة. وهو يصف في بيان حكومته الرابعة الطائفيةَ بالرجعية، وينسب إليها عرقلة التمثيل النيابي الصحيح، ويجدها غير لائقة ببلد كلبنان «بلغ من التقدم الثقافي والاجتماعي حداً يضعه [...] في طليعة بلدان الشرق»، ويحثّ على العدول عن الطائفية والتحرر من قيودها، مشيراً إلى أن حكومات الاستقلال المتعاقبة قد «قطعت على نفسها عهداً بتحرير الدولة منها» ويرى أن الإحصاء العام ينبغي أن يكون «إحصاء وطنياً لا طائفياً» كالذي يجري «عند الأمم الراقية»، وهو يجعل بديل الطائفية تحقيق «الديمقراطية السليمة»، ويشجّع «على العمل السياسي العام في المجتمع على أساس التكتل الحزبي»، موضحاً أن حكومته قدمت للمجلس النيابي مشاريع ترمي إلى استبعاد المبدأ الطائفي، ومنها قانونا البلديات والمختارين اللذان يقضيان بقيام التمثيل الشعبي على أساس غير طائفي.

النتاج
ويتضح في النهاية أن كل ما نسب إلى الميثاق من توزيع طائفي للرئاسات والوظائف لا يتفق وأقوال بشارة الخوري أو كتاباته، ولا تؤيده البيانات الحكومية في عهد الاستقلال؛ وهذا ينفي عنه الاتهام بتفضيل بعض الطوائف على بعض؛ فالميثاق كما يصوره بشارة الخوري هو عهد على الانصهار الوطني، وصيانة للاستقلال، ووسطية دولية، وأخلاق وطنية سامية؛ وهو في البيان الوزاري لحكومة الاستقلال الأولى عملٌ على إلغاء النظام الطائفي في النفوس والنصوص من أجل ديمقراطية سليمة، وتعديل للدستور يتفق وحالة الاستقلال، وإصلاحات ومشاريع تنموية تحتاجها الدولة المستقلة الرامية إلى الرقي. ولعل سبب وصف الرئيس الخوري له بالوطني هو إقرار المجلس النيابي له بالإجماع، على ما يؤكده الرئيس الخوري نفسه (ص:290)، وفي ذلك رد على أي زعم محتمل بأنه اتفاق بين الموارنة والسنة، وتجاوز لسائر الطوائف.

ولا شك في أن الميثاق بهذا المعنى داخل في الدستور الحالي، ولاسيما مطلب إلغاء الطائفية، فهو، أي الدستور، يجعل إلغاءها هدفاً وطنياً «يُقتضى العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية» يعمل مجلس النواب عليها وجوباً عبر هيئة وطنية تعدّ الدراسات الضرورية الملائمة لها. ومع أن المسمى ميثاقاً ليس ميثاقاً بالمعنى الاصطلاحي، وليس ملزماً، فإنه جيد، ولا شيء في مضمونه مرفوض باستثناء القول إن لبنان ذو وجه عربي؛ وإذا كان مَن يدْعون إلى التمسك به صادقين حقاً فليعملوا على إنفاذه، ولا يعرقلوا إلغاء النظام الطائفي خاصة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها