الخميس 2022/12/15

آخر تحديث: 11:24 (بيروت)

هل سينجح اللبنانيون باجتياز معضلة الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة؟

الخميس 2022/12/15
هل سينجح اللبنانيون باجتياز معضلة الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة؟
طريق الحل ما زال مستعصياً على جميع الكتل النيابية (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

لم تُجْدِ حتى الآن جميع جلسات انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، في ظل التوازنات المستجدة بين الكتل والتجمعات النيابية. ولا أعتقد أن جلسات الانتخاب القادمة المنوي انعقادها سوف تجدي نفعاً، قياساً على التجارب الانتخابية السابقة، وحيث لم تلق الاستجابة حالياً دعوة رئيس مجلس النواب للحوار، حول هذا الموضوع داخل المجلس، من قبل بعض الكتل النيابية المسيحية بوجه خاص، من أجل الاتفاق على تسمية رئيس للجمهورية، يحظى بتأييد غالبية تلك المكونات، وفقاً للدستور ولوثيقة الوفاق الوطني. فهل سوف تثمر الجلسات الانتخابية اللاحقة بانتخاب رئيس جديد للبلاد يحظى بالأكثرية المطلوبة وفقاً للدستور؟ وهل سوف تتمكن الكتل النيابية من التخلي عن نهج المواجهة والمراوغة داخل المجلس، من خلال الاستمرار في ترشيح رموز المواجهة أو التحدي أو اللجوء إلى الورقة البيضاء، والتي لم تثمر نتائجها خلال جميع الجلسات السابقة؟ وهل سوف يزداد التقارب الوفاقي بين الكتل النيابية ذات المواقع السياسية المتباينة، والتي تنازعت خلال الانتخابات النيابية الأخيرة على تقاسم المناصب النيابية، بين قوى المعارضة والتغيير وبعض الشخصيات المستقلة من جهة، مع لوائح قوى السلطة التقليدية من جهة أخرى وتمكنت من انتزاع عدد لا بأس به من أعضاء جدد في المجلس النيابي؟ وأخيراً، هل سوف تسمح الدول الخارجية ذات المصالح الإقليمية والدولية في لبنان والمنطقة، بأن يختار اللبنانيون رئيساً للجمهورية من دون أي تدخل منهم؟

إن الإجابة على جميع تلك التساؤلات قد يكون سابقاً لأوانه في الوقت الحاضر، إلا أن ذلك قد يتيح لنا وضع بعض التصورات المستقبلية بالاستناد إلى تجارب سابقة، وإلى إنسداد الأفق أمام انتخاب رئيس مواجهة يشكل تحدياً واستفزازاً لسائر الكتل والمكونات النيابية والسياسية الأخرى، وحيث يمكن إختصارها على الوجه التالي:

أولاً: إن استمرارية الإصرار على منطق المواجهة بين الكتل البرلمانية للفوز بمرشح للتحدي، قد بات أمراً لا فائدة منه في ظل التجارب السابقة والفاشلة، والتي أثبتت عدم جدواها في اختراق الكتل البرلمانية الأخرى المنافسة لها، وبالأخص لجهة تأمين النصاب الدستوري المتمثل بما لا يقل عن ثلثي أعضاء المجلس النيابي قانوناً، مما يعبر عن عدم الثقة المتبادلة بين جميع الأفرقاء على اختيار رئيس توافقي، يشكل عملية تسوية للتناقضات القائمة فيما بينهم.

ثانياً: إن دعوة رئيس المجلس النيابي جميع الكتل والمكونات النيابية لانتخاب رئيس جديد للبلاد، بعد تكرار الجلسات الانتخابية الفاشلة، تأتي في سياقها الدستوري السليم من أجل التوصل إلى تسوية رئاسية من حيث المبدأ، تحظى بالغالبية الدستورية المطلوبة، وحيث ينبغي الاستجابة لتلك الدعوة، مع الإصرار على متابعة الجلسات الحوارية، وإعطائها الأولوية على ما عداها في هذه المرحلة، حتى التوصل إلى الصيغة النهائية التي سوف تتفق عليها غالبية الكتل النيابية، وحيث يصبح المجلس النيابي في حالة التئام دائمة ومستمرة وفقاً لمضمون (المادتين 74 و75) من الدستور اللبناني، حتى انتخاب الرئيس الجديد، ومن دون التطرق إلى مواضيع أخرى ذات طابع تشريعي قبل إنجاز المهمة المركزية بانتخاب الرئيس الجديد وملء الشغور الرئاسي في أقرب فرصة ممكنة.

ثالثاً: إن ولوج طريق الحل الذي ما زال مستعصياً على جميع الكتل النيابية، من أجل التوصل سريعاً إلى تسوية وفاقية فيما بينها، حول اختيار رئيس جديد للجمهورية، سوف يشكل في حال توافقها  قاسماً مشتركاً فيما بينها بالنسبة لمشاريعها وميولها السياسية المحلية والإقليمية والدولية، يتمتع بالمزايا والمواصفات التي تؤهله لخوض تجربة الإمساك بزمام الرئاسة وفق رؤية اقتصادية وسياسية واجتماعية وإنقاذية كافية، وسياسة خارجية مرنة ومتوازنة، واعتماد نهج رئاسي من نوع جديد بعيداً عن الاصطفافات الحزبية أو الطائفية أو المناطقية، يعيد الثقة الدولية والعربية بلبنان في ظل الأوضاع المتردية والمأساوية في الوطن.

رابعاً: إن اختيار رئيس الجمهورية الجديد، يفرض على جميع الكتل والمكونات السياسية والبرلمانية أن يتمتعوا بالحكمة والواقعية في عملية الاختيار، والتخلي عن مصالحهم الفئوية والحزبية لمصلحة إنقاذ الوطن، وأن تتضامن جميع الجهود وتتلاقى الإرادات المتنوعة، وربما لأول مرة منذ عشرات السنين على تسمية الرئيس التوافقي، وخلق المناخ الإيجابي على المستوى الوطني من أجل إعادة الثقة بلبنان، وتدارك دعوات الانحراف نحو الفيدرالية والانقسامات الطائفية، والمساهمة في إعادة التواصل واللحمة بين اللبنانيين، وتمهيد الطريق نحو إعادة تشكيل حكومة في جو من التفاهم والوفاق الداخلي على إنقاذ الوطن من الأزمات والكوارث المحدقة من خلال حكومة اختصاصيين تتمتع بالخبرات الكافية لمواجهة التحديات بعيداً عن منطق المحاصصة الذي ساهم في هدم مرتكزات الدولة والوطن وإنتشار الفساد على أكثر من صعيد.

خامساً: لا يمكننا مطلقاً أن نتجاهل ما للمجتمع الدولي من تأثير مباشر أو غير مباشر في مختلف الاستحقاقات الدستورية والسياسية في لبنان، وإن تضارب المصالح الخارجية السياسية والاقتصادية في لبنان ومحيطه الإقليمي، يجب أن لا ينعكس بصورة سلبية في عملية انتخاب الرئيس الجديد، وذلك من خلال الابتعاد عن فكرة انتخاب رئيس لصالح محور سياسي معين داخلياً أو خارجياً، والتركيز على انتخاب الرئيس المستقل عن تلك المحاور والقادرعلى إنقاذ الوطن من أزماته المحدقة بالتعاون مع الجميع بروح المسؤولية الوطنية، وأن لا يشكل انتخابه  استفزازاً لعلاقات لبنان بجميع أصدقائه في العالم العربي أوالدولي وأن يكون رئيساً للوطن يستمد قوته من جميع مكوناته وليس رئيساً لحزب أو طائفة مهما علا شأنها.

سادساً: لقد تجاوز لبنان بصعوبة بالغ موضوع ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي عبر تقديم المزيد من التنازلات المجحفة بحق الوطن وثرواته الطبيعية، في ظل الانهيارات الكارثية التي يعيشها الوطن، مستشرفاً المستقبل الأفضل للحصول على فرصة  سانحة قد توفر للبنان المناخ المؤاتي لخلق جو من الهدوء والاستقرار النسبي على محاور وجبهات المواجهة مع هذا العدو، ولعلها ستكون الفرصة المؤاتية للاهتمام بشؤون الوطن الداخلية في هذه المرحلة العصيبة، كما يمكن الاعتقاد بأن الدول ذات المصالح المشتركة مع لبنان سوف ترغب بمزيد من الأمن والهدوء والاستقرار على جميع الجبهات، من أجل المشاركة في الاستثمارات المستقبلية المرتقبة، والتي نحن بأمس الحاجة إليها أيضاً، للخروج من دوامة الانهيارات المتمادية التي أرهقت البلاد والعباد.

فهل سوف تتقدم مصلحة الوطن والمواطن على المصالح الفئوية في هذه المرحلة؟ وهل سوف ينجح اللبنانيون في تخطي أزمة الرئاسة وتشكيل حكومة إنقاذية مستقبلاً في جو من الحرص على المصلحة الوطنية العليا للوطن؟ وهل سوف تشرق شمس الخروج من الأزمات إلى مرحلة التعافي التي يحلم بها جميع اللبنانيين؟ إنها تحديات المرحلة التي ينبغي على الجميع تفهمها وتجاوزها بنجاح، بروح المسؤولية الوطنية قبل أي اعتبار آخر والابتعاد عن المناورات وإشاعة أجواء التنابذ الطائفي والمذهبي التي دفع ثمنها غالياً أبناء هذا الوطن على امتداد عقود من الزمن.

قد تكون هذه التصورات مجرد تطلعات وآمال تشكل الهاجس الغالب لجميع اللبنانيين الذين ما زالوا يحلمون بوطن حر سيد مستقل، رغم الصعوبات الكبيرة التي ما زالت تشكل عائقاً أمام تحقيق هذه التصورات. فهل سوف تتغلب مصلحة الوطن على مصالح أمراء الحرب؟ أم أن طبول الحرب سوف سوف تعود لتقرع من جديد من بعض الرؤوس الحامية؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها