الجمعة 2022/11/11

آخر تحديث: 12:26 (بيروت)

ملاحظات على انتصار الترسيم

الجمعة 2022/11/11
ملاحظات على انتصار الترسيم
ماذا لو لم "تتصرف اسرائيل بحسن نية" مع مشغل البلوك 9 كما نصّ الإتفاق؟
increase حجم الخط decrease
 

إذا كان اتفاق الهدنة الأول الذي وقع بين لبنان وإسرائيل في 23 آذار 1949، عد ويعد حتى الان مرتكزا أساسيا في أي علاقة بين البلدين العدوين، فان اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقع في 27 تشرين الاول / أكتوبر في بيروت وتل ابيب بالمداورة وسلم في الناقورة وسمي اتفاق هوكشتاين يعتبر اتفاقا جديدا للهدنة بين البلدين الجارين ولا أحد يعرف الى متى سيصمد وكم سيدوم.

 الثابت ان النص الذي وُقع أخيرا ليس حدثا عابرا او تفصيلا صغيرا على الاطلاق، بل هو حدث مفصلي ورئيسي وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ"الفتح الكبير" فيما اعتبره امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس جمهورية لبنان ميشال عون بالانتصار والحدث التاريخي.

الراهن ان هذا الاتفاق مهم ومفصلي يعلن عن مرحلة جديدة في منطقة جنوب لبنان وقسم اساسي من منطقة شرقي المتوسط، معروف في اية ظروف تم التوصل اليه ولن يكون معروفا في اية ظروف سينتهي مفعوله ويتم الخروج منه.

الأكيد ان ما جرى التوقيع عليه تم بموافقة الولايات المتحدة الامريكية وإيران عبر وكلائهما في المنطقة أي إسرائيل وحزب الله.

في كل الأحوال فان الانطباع العام يفيد بان هذا الاتفاق تم التوصل اليه وسط مبالغات ومزايدات كلامية واعلامية فوق العادة من اتجاهين.

امين عام حزب الله اعتبره انتصارا والعماد ميشال عون تمسك بالوصف نفسه فيما ظهرت تعليقات كثيفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تصفه تارة بالتطبيع وتارة أخرى بالاعتراف المتبادل بين لبنان وإسرائيل.

للإنصاف ان لبنان وإسرائيل اقاما اتفاق ترسيم الحدود البرية إثر انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 وأقيم يومها ما يسمى الان بالخط الأزرق المتنازع على 13 نقطة منه. وهو لا يعتبر خط حدود، بل خط انسحاب للقوات الإسرائيلية، وبالتالي فان الاتفاق الحالي مشابه للاتفاق السابق مع فارق جوهري ان الاتفاق الأول تم برعاية الأمم المتحدة واشراف ومعاينة قواتها، اما الاتفاق الحالي فقد تم برعاية الولايات المتحدة حليفة إسرائيل والمدافع عنها دائما.
بطبيعة الحال فان النقاش والتقييم سيستمر فترة طويلة ولن يتوقف باعتباره اتفاق الهدنة الأكثر حداثة في المنطقة وبين لبنان وإسرائيل او بين إيران وامريكا.

السؤال هل تنطبق على الاتفاق الحالي صفة الانتصار؟ كما عبر السيد نصر الله وحليفه او تابعه عون؟
ان إطلاق وصف الانتصار على اتفاق الترسيم الذي جرى، فيه الكثير الكثير من التسرع والكثير الكثير من المبالغة.
ارتكب لبنان في هذا الاتفاق عدة هفوات وترك ثغرات لا يستهان بها قد يكون لها تأثيرها في المستقبل من دون القدرة على مواجهة ارتداداتها السلبية على لبنان الدولة والمجتمع والخزينة العامة.
ألغى لبنان وللمرة الأولى مرجعية المجتمع الدولي ككل الممثلة في مجلس الامن والأمم المتحدة واحل مكانها وصاية "الشيطان الأكبر" حسب التعبير الايراني أي الولايات المتحدة وهذا تطور يحمل دلالات كبرى وليست بسيطة نسبة الى القوى المشاركة فيه، من شانه ان يحدث في المستقبل تأثيرا كبيرا وخطيرا.

صحيح الاعتبار والقول حتى الان ان الولايات المتحدة الامريكية هي القوة الاكبر والاقوى والاكثر سيطرة وتأثيرا في العالم، لكن الصحيح أيضا ان الصراع العربي الإسرائيلي بكل مندرجاته ومراحله كانت مرجعيته الأمم المتحدة وقرارات مجلس الامن الدولي وليس الولايات المتحدة الوسيط غير النزيه والمنحاز دائما لاسرائيل.

السؤال الأساسي، بل الثغرة الكبرى في منطلق المفاوضات على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل منذ بداياتها الأولى انها استندت الى الولايات المتحدة وليس الى الأمم المتحدة وبطبيعة الحال فان الفرق كبير بين الاثنين، اذ ان اعتبار الأمم المتحدة مرجعية فهذا يعني ان هذه المفاوضات يحكمها القانون الدولي وقانون البحار وهذا ما تخلى عنه لبنان ووضع كل بيض مفاوضاته في السلة الامريكية، بل ان نص الرسالة نفسها التي وقعها لبنان تنص على الولايات المتحدة وسيطا دائما في اية مباحثات مقبلة في هذا الخصوص، ولا تنص على مرجعية للأمم المتحدة او مجلس الامن او أي قانون دولي.

اتفاق الهدنة الموقع عام 1949 بين لبنان وإسرائيل استند في الأساس الى مجلس الامن في قرارَيه الرقمَين 61 و62 الصادرَين في 4 و16 تشرين الثاني/ نوفمبر الذي طلب أطراف النزاع في فلسطين، مصر، سوريا، الأردن، لبنان و"إسرائيل" بإعلان هدنة عامة تتضمن إقامة خطوط هدنة دائمة يُمنع تجاوزها.

اتفاق اليوم جاء من خارج هذه المرجعية الأممية ليحسم المرجعية لصالح طرف واحد هو الولايات المتحدة فقط، وهي الوسيط المشكوك في نزاهته واهدافه.
اضافة الى هذا التطور المتمثل باستبعاد مرجعية الامم المتحدة ومجلس الامن فان لبنان لم ينل كامل حقوقه التي تحدث عنها، وأطلق عبارات الاطناب والترحيب لانه حصل عليها.

عمليا لبنان الرسمي ضحك على اللبنانيين مرة اخرى.
من الناحية النظرية حصل لبنان على مساحة جغرافية من ارضه البحرية للتنقيب على الغاز غير المؤكد وجوده بكميات تجارية حتى الان، لكن من الناحية العملية فان الامر يخالف هذه الافتراضات.
الرئيس عون قال في خطاب قبول الترسيم ان لبنان استعاد كل حقوقه.
اما نص الاتفاق والرسالة الموقعة فتقول ما يلي:"
"يدرك الطرفان أنّ إسرائيل ومشغّل البلوك رقم 9 يخوضان بشكل منفصل نقاشات لتحديد نطاق الحقوق الاقتصادية العائدة لإسرائيل من المكمَن المحتمَل. وستحصل إسرائيل على تعويض من مشغّل البلوك رقم 9 لقاء الحقوق العائدة لها من أيّ مخزونات محتمَلة في المكمَن المحتمَل؛ لهذه الغاية، ستعقد إسرائيل ومشغّل البلوك رقم 9 وإسرائيل اتفاقًية مالية قبيل اتخاذ مشغّل البلوك رقم 9 قرار الاستثمار النهائي. ويتعيّن على إسرائيل العمل بحسن نيّة مع مشغّل البلوك رقم 9 لضمان تسوية هذا الاتفاق في الوقت المناسب. ولا يكون لبنان مسؤولًا عن أيّ ترتيب بين مشغّل البلوك رقم 9 وإسرائيل ولا طرفًا فيه".

ماذا يعني هذا الكلام الوارد في النص الموقع؟ يعني ان استثمار حقل قانا ما يزال ينتظر النقاشات التي ستجري بين مشغل البلوك 9 اي شركة توتال واسرائيل من دون ضوابط او اطار يحددها وهذا يعني ان الامور ما تزال مفتوحة ولبنان لا يعرف بعد كم هي حصته وكم هي حصة اسرائيل.

التعبير الخطير الذي ورد في نص الاتفاق يقول: " ويتعين على اسرائيل العمل بحسن نية مع مشغل البلوك رقم 9 لضمان تسوية هذا الاتفاق في الوقت المناسب" ولا يكون لبنان مسؤولا عن اي ترتيب بين المشغل البلوك رقم 9 واسرائيل ولا طرفا فيه".

كيف افترض لبنان حين وقع الاتفاق ان اسرائيل ستعمل بحسن نية مع مشغل البلوك 9 وهل عملت اسرائيل لمرة واحدة مع لبنان او اي دولة عربية بحسن نية؟ وكيف لا يكون لبنان مسؤولا عن اي ترتيب بين مشغل البلوك 9 واسرائيل؟

وكيف ستكون النتائج في هذه الحالة؟ ومن يضمنها؟
جاء في القسم الثاني من نص الاتفاق الموقع:"في حال كان الحفر في المكمَن المحتمَل ضروريًا جنوب خط الحدود البحرية، فيتوقّع الطرفان من مشغّل البلوك رقم 9 طلب موافقة الطرفين قبل المباشرة بالحفر؛ ولن تمتنع إسرائيل، من دون مبرر، عن منح موافقتها على الحفر الجاري وفقًا لأحكام هذا الاتفاق"
من يضمن هنا ان اسرائيل ستتصرف بحسن نية ولن تمتنع من دون مبرر كما افترض النص؟

اضافة الى هذه الملاحظات فقد ورد في نص الاتفاق الترسيمي: " يتفق الطرفان على ابقاء الوضع الراهن بالقرب من خط الشاطيء على ما هو عليه بما في ذلك على طول خط العوامات البحرية الحالي وعلى النحو المحدد بواسطته، على الرغم من المواقف القانونية المختلفة للطرفين بشأن هذه المنطقة التي لا تزال غير محددة".

معنى هذا الكلام ان منطقة او مساحة خط العوامات المحتلة بقيت كما هي ولا يمكن التنقيب فيها او الاستفادة منها. من دون الاشارة إذا كان ذلك يشمل حسم مصير نقطة راس الناقورة والذي يعتبر حجر الزاوية الاساسي في اي عملية ترسيم برية او بحرية الان او في المستقبل.

المتعارف عليه الان ان شركة توتال اي مشغل البلوك 9 ستبدأ بالحفر والاستثمار في حقل قانا في أقرب فرصة واذا ما اكتشفت نفطا او غازا، فان لبنان بحاجة الى خمس سنوات على اقل تقدير للاستفادة ماديا من نفطه اذا لم يكن اكثر من ذلك بكثير.
حسب نص الاتفاق، ان شركة توتال لن تبدأ بالحفر الا بعد نهاية المناقشات والاتفاق مع اسرائيل، فاذا تعثرت المفاوضات والنقاشات بين الطرفين ولم تتصرف اسرائيل بحسن نية فكيف ستسير الامور؟

وفي هذه الحالة اين هو الانتصار؟

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها