الجمعة 2022/10/07

آخر تحديث: 09:17 (بيروت)

الغموض البناء والغموض الهدام في الترسيم المؤجل

الجمعة 2022/10/07
الغموض البناء والغموض الهدام في الترسيم المؤجل
ماذا تعني عبارة "أرباح الحقل اللبناني" التي تحدث عنها يائير لابيد؟
increase حجم الخط decrease

مبدأ "الغموض البناء"، مبدأ تبناه هنري كسينجر في مفاوضات أمريكا مع الصين في عام 1973، وأصبح بعد ذلك هذا المبدأ طابعًا غالبًا لسياسات الولايات المتحدة الامريكية الخارجية إلا في حالات قليلة رغبت أمريكا فيها تبني سياسات واضحة. فالغموض البناء يسمح للطرف الأقوى فرض تفسيره على الطرف الأضعف كما فعلت إسرائيل مع الفلسطينيين خلال وبعد أوسلو ويسمح بتغيير في التفاسير لاية اتفاقية إذا ما تغيرت الظروف المحيطة وموازين القوى، فالاتفاقيات مع الفلسطنيين كانت في معظمها غامضة وتتلوها نصوص تنص «صراحة» على ترك تفسيرها للمتفاوضين.

اسباب هذا الكلام هو المفاوضات والمباحثات التي كانت دائرة بشأن الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والتي كادت تصل الى التوقيع في الناقورة.

غموض مدمج بالعشوائية
مما لا شك فيه انه لو تم انجاز لبنان لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وتحديد منطقته الاقتصادية في البحر على الحدود الجنوبية، كان ذاك سيشكل خطوة متقدمة واساسية يحتاجها هذا البلد في هذه الفترة العصيبة اقتصاديا وماديا ونفسيا، لكن المثير للاستغراب ان موضوع الترسيم الذي تراجعت عنه إسرائيل في اللحظة الأخيرة بفعل المزايدة بين حكومة ليبيد والمعارضة بقيادة نتنياهو كان محاطا منذ بداية انطلاقته بالغموض المدمج بالعشوائية والشخصانية.

اما وقد جمد الاتفاق في اللحظة الحاسمة، فان هناك أسئلة عديدة لدى الراي العام لم يكن لها أجوبة شافية او مقنعة، وماتزال الكثير من الأحجية بصددها ماثلة ومطروحة.

فقد تولى التفاوض على ما سمي اتفاق الإطار بداية رئيس مجلس النواب نبيه بري، مع انه ليس المسؤول المعني بالتفاوض باعتباره رئيس السلطة التشريعية وليس رئيس الجمهورية الذي اناطه الدستور هذه الصلاحية والدور.

صحيح ان الرئيس بري يملك الحنكة والبراعة التفاوضية والموقف الوطني الصلب، لكن الامر كان يرتبط بدور وموقع رئيس الجمهورية منذ البداية وليس من الواضح لماذا تولى بري بداية هذا الملف.

الرئيس بري توصل عبر التفاوض الطويل الى ما سمي اتفاق الإطار الذي يحدد طبيعة المفاوضات بالطريقة غير المباشرة التي تمت في الناقورة.

ملاحظات ونقاط
برزت ازاء ذلك عدة ملاحظات أبرزها عدم استناد اتفاق الإطار الى التفاوض وفقا لمرجعية قانون البحار لعام 1982، او الى التحكيم الدولي وهو امر جائز، ما يجعله خاضعا كليًا لموازين القوى والضغوط والمناورات التي يمكن ممارستها بين الاطراف.

الجدير بالذكر انه من الاساس يوجد خلاف بين لبنان وإسرائيل على النقطة الأولى في البر، الفاصلة بين الطرفين على شاطئ البحر في رأس الناقورة؛ فإسرائيل تضع نقطة الحدود الأولى على الشاطئ إلى الشمال من النقطة التي يضعها لبنان. وفي حين تنسجم النقطة الأولى التي وضعها لبنان مع الخرائط البرية للحدود بين الطرفين.

النقطة التي وضعتها إسرائيل لا تستند إلى أي مستند قانوني. ويعد الاتفاق على هذه النقطة غايةً في الأهمية، لأنه بناء عليها سيتم ترسيم الحدود البحرية الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة للطرفين.
بعد هذه المرحلة دخل على الخط رئيس الجمهورية المعني مباشرة حسب الدستور بالتفاوض.
وهنا بدأت مرحلة مرتبكة تنقلت بين التمسك بالخط 29 او الخط 23 الى ان حسم الامر رئيس البلاد وحدد الخط 23 حدودا بحرية للبنان.

فعلى سبيل المثال يطرح السؤال لدى قطاعات واسعة عن سر تراجع لبنان الرسمي عن التمسك بالخط 29 الذي أثيرت بشأنه احاديث عن القوة القانونية في الارتكاز اليه فيما لو قامت بذلك الدولة اللبنانية.

صاحبت هذا الامر اقاويل واتهامات كثيرة طاولت رئيس الجمهورية باعتباره المعني بالتفاوض في مثل هذه الحالات، حتى ان البعض ومنهم ايلي الفرزلي أحد أكثر المقربين سابقا من عون وجبران باسيل تحدث عن دور للرئيس عون يتصل بموقف من الترسيم والحدود لمصلحة باسيل الشخصية ومسالة السعي لتخفيف العقوبات عنه.

أحجية وسرية
رافقت مسالة الترسيم المجمد باستمرار احجية وقدر كبير من الغموض الهدام والسرية المرتبكة والمفتعلة.
منها على سبيل المثال العقوبات الامريكية التي طالت المساعد السياسي للرئيس نبيه بري علي حسن خليل قبل ان يتخلى الأخير عن قيادة المفاوضات ويتنازل عنها لرئيس الجمهورية!

وعلى سبيل المثال ايضا، تلويح ووعد الولايات المتحدة للبنان باستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الاردن ومن ثم التوقف عن ذلك بحجج واهية.

ثمة أسئلة كثيرة كانت مطروحة لا أجوبة عليها، منها لماذا تأخر لبنان في عملية التنقيب من قبل الشركات ولماذا انهت إسرائيل عملية التنقيب والاكتشافات ولبنان كان غارقا في جدل بيزنطي عن جنس خطوط الملائكة البحرية ولم يحرك ساكنا؟ وقد تأخر أكثر من عشر سنوات وبالكاد وصل الى مرحلة الترسيم؟

ماذا عن شركة توتال وحقيقة دورها وموقفها الغامض وعملها في البلوك رقم أربعة وأحاديث عن تعرضها وتقبلها لضغوط دولية لكي لا تقوم بالتنقيب لمصلحة لبنان؟!

حين كانت الأحاديث والمعلومات منطلقة وتتحدث عن انفراجات في ملف اتفاق الترسيم ما كان دور فرنسا السياسي والاقتصادي والمادي ودور شركة توتال وسط معلومات صحافية علنية عن اجتماعات ومحادثات بين مسؤولين فرنسيين عنها ومسؤولين من إسرائيل في باريس للتعويض لإسرائيل عن مطالبتها بحصة في حقل قانا إذا ما ثبت وجود نفط فيه او ثروة غازية وهذا غير مؤكد حتى الان.

أرباح الحقل اللبناني
رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد تحدث متوجهاً إلى نظيره السابق بنيامين نتانياهو، بالقول: إلى أنه "بعض الحقائق لنتانياهو، لمجرد أنه لم ير الاتفاق: إسرائيل تحصل على مئة بالمئة من احتياجاتها الأمنية، ومئة بالمئة من حقل كاريش، وحتى بعض أرباح الحقل اللبناني".

ماذا كانت تعني عبارة أرباح الحقل اللبناني؟
وقد أفادت المعلومات، بأن "المدير العام لوزارة الطاقة الإسرائيلية كان في باريس الاسبوع الماضي لإجراء محادثات مع شركة "توتال إنرجي"، بشأن تقاسم الأرباح المحتملة من عمليات التنقيب التي تقوم بها الشركة في الحقل المفترض للغاز الطبيعي قبالة لبنان والذي اصطلح على تسميته قانا".

هل كانت هذه المباحثات الإسرائيلية الفرنسية بعلم الدولة اللبنانية والأطراف المعنية بالتفاوض؟ وما هي المبالغ او الكميات المقدرة من الاموال ومن كان سيدفعها ومن حصة من ومن كان سيراقبها ويحسبها ويضبط مداخيلها وعائداتها؟  وماهوا الاتفاق في هذا الامر وكم يبلغ قدره؟ ومن كان يقف خلفه؟

يبقى سؤال من اسئلة عديدة،

ما كان نص الورقة التي كان سيوقع عليها لبنان في الناقورة وهل كان سيطلع عليها مجلس النواب؟ ام كانت ستبقى سرية مثل اتفاق القاهرة؟

يبدو ان المزايدة والتطرف الإسرائيلي قد اجل لحظة الاتفاق تماما كما كان قد أطاح باتفاقات أوسلو وعاد وادخل لبنان والمنطقة بالتوتر من جديد.

فهل سيعود لبنان للخط 29 والى ركوب موج التصعيد والمزايدة المقابلة في التوتر القادم؟  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها