السبت 2022/10/22

آخر تحديث: 13:54 (بيروت)

الطعون الإنتخابية الفاشلة

السبت 2022/10/22
الطعون الإنتخابية الفاشلة
أحكام المجلس الدستوري تعيد الأمل باستقلالية القضاء(ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

لقد نص قانون إنشاء المجلس الدستوري ونظامه الداخلي على الأصول والقواعد التي ترعى عمل المجلس فيما خص الطعون الإنتخابية النيابية وفقاً للمادة 24 من قانون إنشائه، معطوفة على المادة 47 من نظامه الداخلي، ويكون الطعن بصحة نائب منتخب موجهاً الى رئاسة المجلس الدستوري بموجب طلب يسجل في قلم المجلس وفقاً للمادة 25 من قانون إنشائه.

وقد حصر المشترع حق الطعن بالمرشح الخاسر من دون سواه، شرط أن يكون من الدائرة الإنتخابية ذاتها ومرشحاً عن المقعد النيابي ذاته (أي مقعد الطائفة ذاتها). وعلى المرشح الخاسر أن يقدم طلب الطعن في مهلة أقصاها ثلاثين يوماً تلي إعلان النتائج وفقاً للأصول في دائرة المرشح الخاسر تحت طائلة رد الطلب شكلاً، ثم يقوم المجلس الدستوري بإبلاغ المطعون بنيابته بالمراجعة، وعليه أن يرد عليها في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً، ثم يقوم المقرر بإجراء التحقيقات اللازمة ووضع تقريره ليرفعه بعد ذلك الى رئيس المجلس الدستوري.

ويمارس المجلس الدستوري على هذا الصعيد رقابته القانونية على صحة وصدقية الإنتخاب، بالإضافة الى النظر في أهلية المرشح للنيابة ومدى إنطباق الشروط القانونية على هذا المرشح، وقد حصر هذا المجلس صلاحيته هذه بالنزاع القائم بين الطرفين، مؤكداّ على خصوصية المراجعة وثنائيتها فيما بينهما، وعدم التطرق الى النظر في صحة وسلامة العملية الإنتخابية برمتها، لكي تقتصر مفاعيل الطعن على الطرفين المتخاصمين دون سواهما. كما أقر المجلس الدستوري عدم إختصاصه للنظر في الأعمال التمهيدية التي يناط النظر في شرعيتها أو عدم شرعيتها بمجلس شورى الدولة كأعمال إدارية تكون قابلة للطعن فيما لو صدرت عن الجهة الصالحة وكانت نافذة. وتجدر الإشارة هنا الى أن المجلس الدستوري في فرنسا هو ذات صلاحية للنظر في الأعمال التمهيدية والبت بعدم شرعيتها ومدى تأثيرها على العمليات الإنتخابية. وفي حال كانت الأخطاء والمخالفات المرتكبة مقصودة وتتسم بالطابع الجرمي كأعمال الغش أو التزوير التي من شأنها التأثير المباشر على نزاهة الإنتخابات، فيصبح من الجائز أن يتصدى لها المجلس الدستوري في لبنان وهو يحصر إختصاصه في الأسباب القانونية دون سواها. ولقد نصت المادة التاسعة عشر من الدستور اللبناني على نشوء مجلس دستوري في لبنان لمراقبة دستورية القوانين والبث بالنزاعات والطعون الناشئة عن الإنتخابات النيابية والرئاسية، وقد نظم العمل في هذا المجلس (بالقانون رقم 243 تاريخ 2000/8/) .

لقد إتسمت غالبية الطعون التي تقدم بها المرشحون الخاسرون في الإنتخابات النيابية الأخيرة بعدم الجدية والواقعية، وهي تعبر عن رفض سياسي أكثر مما تعبر عن صحة وسلامة العمليات الإنتخابية، لإنتخاب أعضاء في المجلس النيابي، وقد تركزت بعض الطعون على عدد من نواب التغيير والمعارضة السياسية، كالطعون التي قدمت ضد كل من النواب الفائزين "فراس حمدان" و "سينتيا زرازير" و "رامي فنج " و "شربل مسعد" من قوى المعارضة في الجنوب وسواهم، كما توجه بالطعن المرشحان الخاسران "واصف الحركة" و"جاد غصن" المقربان من خط المعارضة والثورة وسواهما من الكتل السياسية الأخرى. ولعل المعادلة الجديدة التي أرستها الإنتخابات النيابية الأخيرة في المجلس النيابي، قد حالت دون إستئثار أي من الكتل النيابية بإمكانية التحكم أو السيطرة على المكونات الأخرى خلافاً لما كانت عليه سابقاً، وبالأخص بعد إنتخابات العام 2018، لجهة الحصول على تأمين النصاب الإنتخابي والغالبية المطلقة من دون الإتفاق مع الأطراف والمكونات الأخرى داخل المجلس بل وفي خارجه أيضاً، وذلك نظراً لكثافة التدخلات الخارجية في الشؤون السياسية المحلية منذ عقود من الزمن وسوء القانون الإنتخابي المعتمد حالياً. وكان لنواب التغيير الأثر البالغ في قلب تلك المعادلة وجعلها في حالة عدم التوازن بعدما إستقرت السيطرة شبه الشاملة للقوى التقليدية خلال السنوات السابقة، لجهة ممارسة الضغوط بالنسبة لفرض رئيس للجمهورية أو رئيس لمجلس النواب أو الوزراء أو بالنسبة لتشكيل مجلس الوزراء والتعيينات الإدارية والقضائية على أوسع نطاق. غيرأن نواب التغيير يشهدون حالياً حالة من الإختلاف النظري والسياسي جعلتهم في حالة إنقسام لن يرضى بها جمهور الناخبين الذي يفوق الثلاثماية وعشرين ألف ناخباً في مختلف المناطق اللبنانية، الذين واجهوا منظومة الفساد بكل طاقاتهم الشابة وإمكانياتهم المتواضعة ليصنعوا الأمل بإمكانية إحداث تغييرات إصلاحية جوهرية في طبيعة هذا النظام الطائفي، وقيام الدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات. وعلى هؤلاء أن يكونوا أوفياء لهم وأن يحافظوا على وحدتهم أو على الأقل إطارهم الجامع مع الإحتفاظ بحرية التعبير عن الرأي من دون اللجوء الى فك الإرتباط وفاء لتضحيات منتفضي الساحات وشعارات السابع عشر من تشرين التي أوصلتهم الى الندوة البرلمانية.

لقد خسر طاعنو المنظومة جولتهم الأولى في معركة الطعون الإنتخابية بوجه خمسة أو ستة من النواب الجدد، بحيث ردت أربعة طعون منها من حيث الشكل، لمخالفتها أبسط الأصول والإجراءات الشكلية المخالفة للدستور وللنظام الداخلي للمجلس الدستوري، كما رد بالأساس طلب الطعن المقدم من لائحة الثنائي الشيعي في دائرة الجنوب الثالثة، ومن المرشح الخاسر "مروان خيرالدين" بوجه المرشح الفائز المحامي "فراس حمدان"، علماً بأن الأسباب المدلى بها لم تدل على معرفة الطاعنين بالأصول الدستورية والقانونية، كما أنها بنيت على أسباب غير مسندة الى وقائع مثبتة للمخالفات المدلى بها، وحيث اتسمت هذه الدعوى بالمضمون السياسي الذي عبرت عنه كتلة الوفاء والأمل بتبنيها لمراجعة الطعن خلافاً لنص المادة 25 من قانون إنشاء المجلس الدستوري، وللأصول الإجرائية المنصوص عنها في نظامه الداخلي والتي تحصر حق الطعن بالمرشح الخاسر دون سواه.

لقد أبدع المجلس الدستوري في أحكامه الخمسة الأولى (قرار المجلس الدستوري رقم 6/2022)، مما يعيد الأمل بإستقلالية القضاء عن السياسة في هذا الصرح القضائي الرفيع المستوى، والذي أنصف أصحاب الحقوق في الجولة الأولى من الطعون، ولهم منا كل الإحترام والتقدير.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها