السبت 2021/03/20

آخر تحديث: 15:10 (بيروت)

الحريري المنقذ والمطيع لنصرالله: أيعتذر أم يترأس حكومة النهاية؟

السبت 2021/03/20
الحريري المنقذ والمطيع لنصرالله: أيعتذر أم يترأس حكومة النهاية؟
لعلّ الجولة 17، أُعِدت بخطة محكمة ومدروسة، استعانت بخبرات من خارج قصر بعبدا (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
عقدت 17 جولة من المفاوضات بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، فشابها توترات واتهامات بالكذب ومعارك سياسية وتجاذبات. لكنها لم تفتح الباب الحكومي الموصد منذ اكثر من خمسة أشهر. وظل الأفق مسدوداً في انتظار لقاء الحسم في الجولة الـ 18.

الجولة 17
بعد أقل من 24 ساعة على أعنف اشتباك إعلامي بين عون والحريري، مترافقا مع "تهديد" رئاسي فرنسي بأن "زمن اختبار المسؤولية قد اقترب من النفاد"، زار الحريري قصر بعبدا حاملا تشكيلة حكومية غير مكتملة المعالم. والثابت الوحيد فيها، هو الحصة الشيعية والدرزية والسنية، حقائب وأسماء، باستثناء أسماء وزراء حزب الله. أما أسماء الحصة المسيحية، فما زالت غير واضحة الانتماء. وبعد اللقاء، خرج الحريري مرتبكاً شاحب الوجه. فأعلن أن "هناك الآن فرصة لتشكيل الحكومة لنستغلها ونفكر لكي نتمكن من الخروج بشيء ما". وتجلى ارتباك الحريري بوضوح عند حديثه عن الوضع الاقتصادي: كرّر استخدام عبارة "ارتفاع الليرة" في إشارة إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية. وهذا السهو أو الخطأ أو زلة اللسان هذه، لا سبب لها سوى الارتباك والتوتر والغضب، نتيجة أسئلة عون المفخخة!

ميثاقية عون!
لعلّ ما ميّز الجولة الـ 17، هو إعدادها في إطار خطة محكمة ومدروسة، استعانت بخبرات من خارج أسوار قصر بعبدا، على الأرجح. وهي نُفذت على مرحلتين بفارق ساعات قليلة: المرحلة الأولى تضمنت أسئلة وجهها عون إلى الحريري، وتركزت حول توافقه مع حزب الله وغياب أسماء وزرائه، لإحراج الحريري الذي لم يعط جواباً مقنعا، سوى اشارته إلى معالجة الموضوع.

وتشير المصادر إلى أن الحريري سبق أن ادرج اسمين من حصة حزب الله في التشكيلة السابقة، من دون أن يتشاور معه. وأثار عون موضوع صلاحياته الدستورية وحقه في الاطّلاع على تصوّر واضح للحقائب والأسماء. وهو طرح ضرورة أن تكون التشكيلة المقترحة مستوفية شرط الميثاقية، لا سيّما أن القوات اللبنانية والتيار العوني غير مشاركين. وطالب عون أن يسمّي الوزراء المسيحيين لتأمين الميثاقية. وقال الحريري بعد اللقاء إنه سيعود إلى بعبدا الإثنين المقبل، بعد استماعه إلى ملاحظات رئيس الجمهورية. وبدا لافتا إرجاء قصر بعبدا إصدار بيان حول اللقاء إلى نهار الإثنين، على الرغم أن القصر أبلغ الصحافيين بانتظار بيان.

إنذار نصرالله
بعد "الاستدعاء العلني" للحريري إلى بعبدا، بدأ الفصل الثاني من الخطة. نهار الخميس أطل السيّد حسن نصرالله مبدياً النصيحة إلى الرئيس المكلّف بأن لا يحمل كرة النار منفرداً، فقد تحرقه مع البلد، لأن الحكومة المقبلة تتحمّل مسؤولية قرارات وإجراءات قاسية وغير شعبية . وأطلق نصرالله انذاراً حول إمكان طرح مسألة تفعيل عمل الحكومة المستقيلة، والبحث عن حلول دستورية، لا سيّما في ما خص تأليف الحكومة.

وبدا لافتاً في كلام نصرالله تحذيره: وسائل الضغط لحل الأزمة سقفها عدم الذهاب إلى اقتتال داخلي أو حرب أهلية، لأن هناك من يعمل للوصول إليها في لبنان. وأعلن نصرالله أننا "مصرّون على أن الوضع الحالي يجب أن يعالج عبر الدولة. ولكننا لن نتخلى عن مسؤوليتنا تجاه الناس، إذا وصلت البلاد إلى انهيار حقيقي".

الحريري في خدمة حزب الله
لا شك في أن حزب الله يتمسّك بالحريري لتشكيل الحكومة، لأسباب عديدة: ظاهرها احترام تمثيله في الطائفة السنّية، وباطنها أن أداءه السياسي يصب دائماً في مصلحته. فالحريري واظب في عدة "منازلات" علنية مع حزب الله على "تجرّع السّم، وتقديم تنازلات وطنية"، بحسبه. ولعلّ أبرزها "منازلة" انتخابات رئيس الجمهورية التي انتهت إلى تسوية أوصلت عون - مرشّح حزب الله - لسدة الرئاسة، مقابل عودة الحريري الى رئاسة الحكومة. أمّا "المنازلة" الأهم، فكانت في موافقة الحريري على قانون انتخابات نيابية مبني على مبدأ النسبية، رغم إعلانه مراراً أنه لن يوافق على أي قانون نسبي في ظل سلاح حزب الله.

وإضافة إلى هذه "المنازلات" التي انتهت بالتنازلات، واظب الحريري على تقديم أوراق اعتماد لحزب الله في مواضيع كثيرة: المحكمة الدولية التي أدانت مسؤولاً في حزب الله في جريمة اغتيال والده. كان لافتاً ألا يذكر الحريري عبارة "حزب الله" في كلمته في الذكرى 16 للاغتيال. وركز معظم حديثه ضد عون وباسيل في صراعه معهما على السلطة. وبعد استقالة حكومة حسان دياب، وفيما محور عون - الثنائي يعاني من أزمة كبيرة داخلية وخارجية، تنطّح الحريري لانقاذ المحور، فأعلن أنه مرشح دائم لرئاسة الحكومة، مصوراً أنه المنقذ والمخلّص، ورامياً حبل النجاة لحزب الله ومشاركته في تحمل المسؤولية.

بين الانتحار والاعتذار
ظاهريا، سبق الجولة 17 تحرك اللواء عباس ابراهيم. وباطنيا سعى حزب الله لعقد اللقاء، بعد استنفاد باسيل محاولاته التعطيلية لتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلّين. وكان أن أطلق نصرالله تحذيراته التي ترقى إلى تهديدات، لقطع الطريق على حكومة اختصاصيين مستقلّين، لحاجته إلى حكومة سياسّية في المرحلة المقبلة. ولعلّ حزب الله يراهن على تقديم الحريري التنازلات جرياً على عادته. لكن الحريري، اللاهث وراء السلطة، يعيش اليوم حالاً من العصف نتيجة الضغوط الدولية والخليجية، وسعيه للوصول إلى حلول وسطية، أرضيتها غير مؤمّنة إطلاقاً في الظروف الحالية.

لعل نجاح حزب الله في جمع عون والحريري، بعد تصعيد عالي السقف ودعوات متبادلة إلى التنحي، يؤشّر فعلياً إلى قدرة الحزب إياه في تحكمه بالطرفين. فهو طوال خمسة أشهر على تكليف الحريري، لم يسع إلى التدخل في الصراع الحاصل. وعندما استشعر ضرورة التدخل حصل اللقاء بين عون والحريري.

لكن تدخل حزب الله أربك الحريري وأثلج قلب باسيل، الذي سارع إلى الترحيب بكلام نصرالله، مؤكدا أن "هذا ما ينتظره التيار، وهذا هو المشروع المشترك، وهذه هي روحية وثيقة التفاهم المطوّرة". وأكثر ما يشغل بال الحريري اليوم هو كلام نصرالله ونصائحه التي يأخذها الحريري بجدية عالية.

ولا شك أن الحريري وقع في "الفخ" الذي ربما قد يكون قد شارك في نصبه: بدأ من تصوير نفسه منقذاً، وأعلن ترشيحه قبل إجراء الاستشارات. وكان همّه الحصول على التكليف: تواصل مع خصومه التاريخيين، ووعدهم بحقيبة وزارية. وكرس عرفاً يقضي بحصول الشيعة على حقيبة المالية. وكسر عرف توزيع الحقائب السيادية. وتنازل عن الحقيبة السياديّة المخصصة للطائفة السنيّة، لإرضاء جنبلاط  بمنحه وزارة الخارجية. وهذا فيما الحكومة المقبلة محكومة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، والالتزام بشروطه لتحرير سعر الصرف ورفع الدعم. وهذا ما قد تحدث ثورة شعبية اجتماعية في وجه الحكومة. والقرارات هذه لا بد أن تنعكس سلباً في صناديق اقتراع الانتخابات النيابية بعد حوالي السنة.

حيال هذه التحديات والضغوط الداخلية والخارجية، تتجه الأنظار إلى نهار الإثنين، عندما يحمل الحريري أجوبته على خارطة الطريق التي وضعها نصرالله. ولا شك أنها قد تكون محطة حاسمة في حياته السياسية. هل يتجرأ على الاعتذار، أم يقدّم مزيداً من التنازلات لترؤس حكومة صندوق النقد التي يرجّح أن تكون أخر حكومة يترأسها؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها