الأحد 2021/02/07

آخر تحديث: 16:10 (بيروت)

بين عون وحزب الله: لا تفاهم على "التفاهم"

الأحد 2021/02/07
بين عون وحزب الله: لا تفاهم على "التفاهم"
"تغطية السلاح مقابل تغطية الوجود في السلطة".. أتتغير المعادلة؟ (الأرشيف)
increase حجم الخط decrease

أعلن بيان المجلس السياسي في التيار الوطني الحر بأن تفاهم مار مخايل لم ينجح في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون. ليس هذا الإعلان في الذكرى الخامسة عشر للتفاهم سوى نتيجة لتصدعات مختلفة، شكلت باكورتها تصدعات في الملف الحكومي. فمنذ التوقيع على التفاهم ببنوده المختلفة بين الداخل والخارج، تسارعت الأحداث اللبنانية وغير اللبنانية. حصلت انحرافات على التفاهم إلا أنها كانت لا تزال -حتى قبل الأزمة الحكومية الراهنة- تناسب مواقع الفريقين. بل قيل في هذا التفاهم ما قيل يوماً عن المعادلة التي حكمت علاقة حزب الله بالرئيس رفيق الحريري. السلاح للحزب والاقتصاد للحريري. اليوم بات التفاهم قائماً على معادلة "تغطية السلاح مقابل تغطية الوجود في السلطة". فما الذي تغيّر الآن ؟

المطبات والألغام
يقول العالمون في سيرة هذا التفاهم، إن أساسه كان سليماً وصادقاً، قبل أن يتحول إلى ما يشبه توزيع الأدوار. وأبرز ما كان دافعاً لإبقائه حياً، هو وقفة ميشال عون في حرب تموز، يوم كان لا يزال في الرابية. هي وحدها جعلت منه تفاهماً "مقدساً واستراتيجياً". مرت العلاقة بأكثر من امتحان. من أحداث السابع من أيار 2008 إلى دخول حزب الله إلى سوريا، مروراً بطريق عودة "الفريق المسيحي الأكثر تمثيلاً" إلى السلطة. وفي كل المحطات قفز الفريقان فوق الألغام، كل منهما إلى حيث يراه مناسباً لأهدافه السياسية والاستراتيجية.

في العام 2011 دافع التيار الوطني الحر عن دخول حزب الله الى سوريا على انه يحمي لبنان واللبنانيين من الإرهاب. وفي الأعوام اللاحقة التي دخل فيها التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل إلى السلطة، تعامل حزب الله مع باسيل تماماً كما أراد، فكان "الرجل الذي لا ينام" في غمرة النفوذ والسلطة.

في العام 2019 تفاقمت أزمة سياسية واقتصادية. فوقعت واقعة 17 تشرين الأول في انتفاضة اللبنانيين على الواقع المعيشي وعلى السلطة السياسية التي فشلت في إدارة الأزمات المتلاحقة. كاد الهيكل أن ينهار على المنظومة. وقف حزب الله حامياً النظام والمنظومة. فسقطت الأقنعة، وبدأ مسلسل الخسارات على الجميع، إلا أن باسيل حصد أكبر الخسارات. ومنذ ذلك اليوم لم يعد هناك قدرة على القفز فوق الألغام، فانفجرت واحداً تلو الآخر حتى أعلن باسيل اليوم "مشروع بناء الدولة شرطاً لبقاء التفاهم".

غضب باسيل
في المعلومات المرافقة للأزمة الحكومية الراهنة، لا يخفي رئيس التيار الوطني الحر غضبه على حزب الله. فهو عبّر عن ذلك في لقائه مع اللواء عباس ابراهيم، محملاً حلفاءه مسؤولية تسمية سعد الحريري رئيساً مكلفاً. ومحملاً إياهم مسؤولية استمرار الأزمة حتى يومنا هذا، لما يؤمنونه للحريري من مقومات الصمود في تمسكهم به دون سواه. ليس هذا وحسب. إذ تشير المعطيات المرافقة لرسائل باسيل إلى الحزب، أنه عاتب عليهم لعدم مساندتهم له في عدد من الملفات. لعل أبرزها ملف الادعاء على حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، الذي كان ينتظر فيه باسيل أن يحصل على موقف داعم من حزب الله ولم يحصل عليه. كذلك الأمر في ملف التدقيق الجنائي. بات الأمر واضحاً بالنسبة لباسيل. لن يدخل حزب الله طرفاً في الصراع بينه وبين الحريري. ولا حاجة هنا في التذكير بأولويات الحزب اللبنانية. الثنائية الشيعية مع حركة أمل أولاً، ثم تأمين استقرار العلاقة مع السنّة لأسباب عميقة تتخطى الحدود اللبنانية وتصل إلى العمق العربي السنّي، ومن ثم الحرص على العلاقة مع الشريك المسيحي. يظهر جلياً وقع هذه الأولويات بقسوتها على الشريك المسيحي في الأزمات تحديداً. فرضت هذه الأولويات على حزب الله رفض مساندة مطالب باسيل في الحكومة. فتم إبلاغه برفض إعطائه "الثلث الضامن"، عطفاً على عدم إسناده في اشتباكه مع الحريري. بلغ وقع هذا السلوك لدى باسيل حد إعلانه في مجالسه السياسية رفضه لعقد اللجنة الخاصة، التي كان يفترض بها متابعة بنود التفاهم مع الحزب. وهي حتى الساعة لم تعقد بعد، ولن تعقد في المدى المنظور. لم تنجح زيارة مسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا إلى اللقلوق في معالجة الوضع. اقتصرت على الحديث عن الأزمة الحكومية وعلى إبلاغ باسيل ما أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه برّي، عن عدم إعطاء أي من القوى الثلث المعطّل، من دون أن يتطرق إلى أكثر من ذلك.

العلاقة مع المسيحيين
من جهته ينظر حزب الله إلى العلاقة مع التيار الوطني الحر على أنها حاجة استراتيجية لا تعوَّض. وبالتالي، يبقى هذا التفاهم مستمراً لحاجته من الطرفين رغم كل المطبات. يحاول حزب الله امتصاص الموجات الترددية السلبية لأي موقف من باسيل. هي علاقة لا يمكن تعويضها بالتحالف مع المسيحيين الآخرين. فالتحالف مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مستحيل. والتحالف مع رئيس تيار المرده سليمان فرنجية لا يفي بالغرض نفسه من التحالف مع فريق ميشال عون. وفي كواليس الترددات السياسية، يدرك حزب الله تماماً أن شعبية التيار الوطني الحر تتراجع إلى حدود قد تصل فيها إلى مستوى شعبية القوات اللبنانية. وبالتالي، يفكر الحزب عميقاً في العودة إلى ما كان عليه قبل التفاهم مع التيار، وقبل أن يحصر علاقته مع المسيحيين بتيار ميشال عون. يفكر في العودة إلى تمتين العلاقات والتواصل عبر القيام بالجولات على شخصيات مسيحية في السياسة والأكليروس. تماماً كما كان يفعل سابقاً.

الرابح والخاسر
من ربح ومن خسر من هذا التفاهم؟ يدرك رئيس الجمهورية -كما تنقل أوساطه عنه- أنه رغم وصوله إلى قصر بعبدا، إلا أنه الخاسر الأكبر من هذا التحالف. انهار الهيكل بعد أن شارك فيه. استطاع تحقيق شيء وغابت عنه أشياء. تبقى آخر المهمات الوطنية الملقاة عليه، بإقناع حزب الله الفصل بين المقاومة والمشروع الأيديولوجي والسياسي، ووضع الضوابط الوطنية الميثاقية للمقاومة، واخضاع المشروع للمندرجات القانونية للدولة اللبنانية. لدى رئيس الجمهورية اليوم خيار رغم دخول العهد في عده العكسي، فإما أن يقوم عون بمهمته الثورية الأخيرة بما فيها من تضحيات وإما الانتحار السياسي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها