الأربعاء 2021/02/03

آخر تحديث: 13:21 (بيروت)

عون وباسيل في معركتهما الأخيرة.. حتى النهاية

الأربعاء 2021/02/03
عون وباسيل في معركتهما الأخيرة.. حتى النهاية
باسيل إلى جانب عمه رئيس الجمهورية يخوضان معركة قد تودي بهما إلى النهاية (الأرشيف، المدن)
increase حجم الخط decrease

هي آخر المعارك التي ستكرس كل ما حققه منذ أن عاد من منفاه. هكذا يرى رئيس الجمهورية، ميشال عون، المعركة على الحكومة المقبلة، التي إن تشكلت ستكون آخر حكومات العهد. وإذا دخل لبنان في فراغ رئاسي، ستملأ هي الفراغ المقبل. وإذا تقرر إجراء انتخابات نيابية في موعدها، ربيع 2022، ستكون هي السلطة التنفيذية للانتخابات. وبالتالي، من له الكلمة الفصل في الحكومة المقبلة، سيملك مفاتيح المشهد السياسي المقبل. لذلك، يواجه اليوم فريق رئيس الجمهورية إجماعاً اعتراضياً لا لبس فيه من القوى السياسية الأخرى، ومن ضمنها حليفه الشيعي حزب الله، يرفض تسليمه وحده هذه المفاتيح.

المعركة الأشرس
ليست ضراوة المعركة حول تشكيل الحكومة سوى خير دليل على أهميتها، وتحديداً لدى فريق رئيس الجمهورية. فهو كما يقول عنه عارفوه لا يستسلم أبداً، سيما إذا كانت المعركة "وجودية" كما يحب أن يصفها ميشال عون. معركة الطائف كلفته يوم كان قائداً للجيش نفيه وعائلته 15 عاماً إلى باريس. وهو لا يتوانى عن خوض معركة أخرى، قد تكون أكثر ضراوة في نهاية مسيرته السياسية، بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية.

لعون وباسيل حسابات أخرى مقابل الاصطفاف السياسي المناوئ لهما. ففيما يقبل لبنان على الدخول في مفاعيل تسويات المنطقة، يعتبر عون وفريقه أن وجودهم فيها يفترض أن يكون أساسياً، سيما بعد أن دفعوا أثماناً باهظة مقابل تحالفهم مع الفريق الأقوى في البلاد، حزب الله. وأي تسوية يدخل فيها الحزب يُفترض أن تكون ضامنة لمستقبل التيار الوطني الحر السياسي. فالتيار الذي تصدّع بفعل مشاركته القوى التقليدية في السلطة، وبفعل خساراته الشعبية المتلاحقة، لن يتوانى عن خوض المعركة التي قد تكون الأشرس، لارتباطها بوجوده السياسي.

اتصال باسيل ونصرالله
في المعلومات، أن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، ناقش مع رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، في اتصال هاتفي بينهما، منذ أكثر من أسبوعين، سبب مطالبة باسيل بأكثر من ستة وزراء في الحكومة، أي بـ"الثلث الضامن". وفي معرض الاتصال، اعتبر نصرالله أن وزراء الحزب يمكن أن يؤمنوا للتيار "الثلث الضامن" متى دعت الحاجة. أما عن امتلاك حق الفيتو، فكل الطوائف في الحكومة تمتلك حق الفيتو، تماماً كما حصل في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. إلا أن النقاش يومها لم يؤدِ إلى تغيير موقف باسيل. ثم وبعد أيام من الانتظار والنقاشات، تقول المعلومات إن  حزب الله أبلغ عون وباسيل الرسالة. وفحواها أنه لن يدعم مطلب الحصول على الثلث الضامن. وهذا كان قبل أن يصدر الرئيس برّي بيانه الرافض أيضاً لأن يمتلك أحد من القوى الثلث الضامن (الثلث المعطِّل). وعليه لم يبق أمام عون وفريقه سوى خوض معركة الحكومة وحيداً، للحفاظ على بعض الضمانات السياسية للمرحلة المقبلة.

اللواء ابراهيم في اللقلوق
ولعل أكثر من عبّر عن أهمية هذه المعركة، هو مضمون اللقاء الذي جمع المدير العام للأمن العام، اللواء عباس ابراهيم، برئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، في اللقلوق منذ حوالى أسبوع. وفيه عرض اللواء ابراهيم عدداً من المخارج للوصول إلى منتصف الطريق بين باسيل ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، على أن يتخلى فريق الرئيس عن مطلبه بالحصول على "الثلث الضامن". إلا أن جواب باسيل لم يكن مفاجئاً لمتابعيه. فهو رفض كل الاقتراحات، ليعود إلى المطالبة بحكومة العشرين وزيراً، قائلاً للواء ابراهيم أنه لم يعد لديه شيء ليخسره. تحدث باسيل من منطق الغريق الذي لا يخاف من البلل بعد كل هذه الخسارات. ليس جواب باسيل لابراهيم آتياً من عبث. فهو يدرك أنه إلى جانب عمه رئيس الجمهورية يخوضان معركة قد تودي بهما إلى النهاية.

في المقابل، تبدو صورة المعركة واضحة جداً في قصر بعبدا. وعلى عكس كل ما يقال أن باسيل يديرها من خلف الجدران، فإن زوار عون يدركون جيداً أن اتهام باسيل بانه "صانع القرار في بعبدا" ليس سوى مبالغة. فميشال عون لا يزال نفسه منذ أن كان قائداً للجيش. يدرك تماماً حجم المعركة. وهو وحده يملك القرار في مصيرها. لباسيل تأثير ورأي وموقف بطبيعة الحال في كل الأمور. وهو كذلك مرجعية يعود إليها عون في كثير من المواقف. كما أنه يحيل إليه عدداً من الملفات، كما سبق أن شهد أكثر من سفير وأكثر من زائر. إلا أن ذلك لا يعني أن عون في موقع المتلقي فقط. ويكرر عون أمام زواره أن كلاماً كهذا هو إهانة له ولتاريخه. فالقرار النهائي في المعارك المصيرية يعود إلى رئيس الجمهورية، ولو كانت هذه المعارك تصب في مصلحة جبران باسيل السياسية. فمصلحة الرجلين مشتركة، وعون يخوضها بوعي وإدراك لم ينتقص منهما تقدم العمر. فكما قرر في العام 89 -يوم كان وحيداً- خوض "حرب التحرير"، يخوض اليوم وحيداً أيضاً حرباً سياسية لتثبيت ما يراه أنه حققه على مستوى "حضور المسيحيين" في السلطة والدولة. هكذا يرى عون المعركة، وعلى هذا الأساس يتصلّب فيها.

حتى النفس الأخير
لماذا يعتبر نفسه وحيداً في المعركة؟

علاقة عون مع حزب الله ليست على ما يرام. فبالإضافة إلى عدم تبني حزب الله لباسيل مرشحاً رئاسياً حتى الساعة، ترك حزب الله حليفه وحيداً في معركة الحكومة. ففي حسابات الحزب أولويات أخرى. أولوية متعلقة بالحرص على الثنائية الشيعية من خلال التحالف مع حركة أمل. وأولوية ثانية متعلقة بعدم السماح بأي فتنة سنية شيعية. وبالتالي، هو متمسك بسعد الحريري رئيساً للحكومة. وعليه، أصبح رئيس الجمهورية مجرداً من أي حليف محلي أو إقليمي أو دولي. يخوض الاشتباك غير متسلح إلا بالتوقيع على مراسيم الحكومة الذي ضمنه له الدستور.

بدأ الأسبوع على وقع إعادة تنشيط المبادرة الفرنسية، وعلى وقع محاصرة عون في مطالبه الحكومية من كل القوى السياسية. فهل يستمر بخوض المعركة الأخيرة حتى النفس الأخير متسلحاً بصلاحياته الرئاسية؟ من يعرف ميشال عون جيداً يدرك تماماً إنه سيخوضها حتى النهاية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها