الجمعة 2021/12/24

آخر تحديث: 11:34 (بيروت)

من ليلة السكاكين إلى انتهاك حقوق المظلومين

الجمعة 2021/12/24
من ليلة السكاكين إلى انتهاك حقوق المظلومين
مرحلة جديدة من الكمائن والأفخاخ المتبادلة (Getty)
increase حجم الخط decrease

بالكاد تجاوز ما تبقى من ما يسمى أشلاء الدولة اللبنانية الوقوع بفضيحة مجلجلة، لو لم يستدرك الرئيس نجيب ميقاتي في اللحظة الدرامية المناسبة، مخاطر الهوة السحيقة التي كانت مُعدَّة، وأقدم على إعلان اعتراضه عليها، بعد أن كانت دُبّرت بليلٍ حسبما تردد بين الثنائي حركة أمل وحزب الله من جهة، والتيار الوطني الحر من جهة أخرى.

الصفقة المجهضة
الشائع أن الصفقة المُجهضة كانت تنصّ على إقدام الحكومة على إقالة عدد من القضاة، بينهم رئيس مجلس القضاء الأعلى المرتفعة أسهمه الرئاسية، والمرشح الدائم للرئاسة حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، وتعيين بدلاء منهم، مقابل إقدام التيار الوطني الحر على تأمين النصاب في جلسة مفترضة لمجلس النواب، والتصويت على قرارات تفسح المجال أمام تولي التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت من قبل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، استناداً إلى النص الدستوري. وبالتالي، تحويل المحقق العدلي طارق البيطار إلى الاهتمام بتفاصيل المخالفات التي ارتكبت من موظفين مهملين في الجريمة، على أن يتم إصدار قرار من المجلس الدستوري بالموافقة على الطعن المقدم من التيار الوطني الحر بقانون الانتخاب، وتحديداً بالبند المتعلق بانتخاب المغتربين اللبنانيين، الذي يعترض عليه بشدة جبران باسيل.

هذه الصفقة الفضيحة التي كانت توازي ليلة السكاكين الشهيرة التي سبق أن نُفذت في ألمانيا الهتلرية، كانت معدة للتنفيذ بالتوازي مع الزيارة التفقدية لشعب في مرحلة التشرد والنزوح، لأمين عام الأمم المتحدة إلى لبنان، أنطونيو غوتيريش، الذي كان واضحاً في قوة موقفه وإدانته لممارسات وتصرفات المسؤولين في بلدنا.  

الصفقة-الجريمة لو تمت، لكانت ستكون بمثابة اغتيال كامل لأي أمل بلبنان في أن يعود ليقف على رجليه، ويستعيد الحد الأدنى من عافيته والثقة الدولية به.

باسيل يتوعّد
بعد أن خرج الرئيس ميقاتي غاضباً من عين التينة، غاسلاً يديه من مسؤولية الدماء التي أُعدت للسفك والرؤوس التي أُعدت للقطع، تنصّل الجميع مما أشيع عن المذبحة التي كانت وشيكة التنفيذ.

رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بطبيعة الحال، نفى علمه بأي صفقة كانت أعدت، كما أن الذي نفى أيضاً بشدة وعنف أقوى كان رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، الذي توعد جميع الأطراف تقريباً بالقصاص المقبل تحت شعار استمرار النضال لنيل حقوق المسيحيين، المعتدى عليها مِن مَن وصفهم "بطبقة أو منظومة سياسية متحالفة مع بعضها في عهد الرئيس ميشال عون وعلى رأس القرار اليوم كان الثنائي الشيعي"، كما قال.

لكن لبنان الذي تجاوز عن طريق الصدفة ما أعدّه بعض كباره مرحلياً، دخل مرحلة جديدة من الكمائن والأفخاخ المتبادلة، التي قد يكون ضررها وتأثيرها أشد وأفدح من الذي كان معدّاً.

غوتيريش وسلامة
وكما جرت العادة، فإن كل خطوة يخطوها لبنان إلى الأمام يأتي بسرعة من يرجعه خطوة أو خطوات إلى الوراء.

فبعد معجزة استقالة جورج قرداحي، والاتصال الثلاثي الشهير الذي شارك فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس ميقاتي، لترطيب الأجواء وفتح الأبواب مع دول الخليج العربي، سرعان ما ظهر وفد المعارضة البحرينية برعاية من حزب الله في بيروت بصوت مندد بسياسة مملكة البحرين الداخلية، وجرى ما جرى من ارتباك ومحاولة تصحيح وتصويب وترحيل.

وفيما لم تكد طائرة السيد غوتيريش تحلّق بعيداً عن هذا البلد المنكوب، والدخول في الأجواء الإقليمية والدولية، بعيداً عن لبنان، حتى "أكلت" دورية تابعة لقوات الطوارئ الدولية "قتلة" في بلدة شقرا، عن طريق الفعل المقصود من جموع الأهالي المعترضين على تصوير أفراد منها بعض منازل البلدة قيل أنها مواقع للحزب.

وإذا كان بعض اللبنانيين قد "فرفح" بزيارة الزائر الدولي وعدّ الأمر انفراجاً دولياً، فإن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الدقيق في حساباته والحريص جداً على المال العام، لم يتردد بالإعلان عن انخفاض الاحتياطي الإلزامي لديه إلى حدود 12 مليار دولار، أي الإعلان أنه أصبح على حافة الطفر والإفلاس النهائي.

"مكافأة" سوزان الحاج
لكن كل هذه المشاغل الضاغطة والمخاطر المحدقة بلبنان، لم تمنع فخامة رئيس البلاد من الاهتمام شخصياً وتتبع وضعية ترقية المقدم سوزان الحاج حبيش، التي سبق أن ارتكبت أكبر وأفدح انتهاك بحق الدولة اللبنانية والقانون، وهيبة وحياد الأجهزة الأمنية الرسمية، عبر تلفيقها تهمة زور بحق الفنان والمسرحي المظلوم زياد عيتاني، وتسببت برميه بين أقدام رجال الأمن سحلاً وسجناً، فكان اهتمام فخامة الرئيس الذي لا يترك حقاً يضيع قبل الانتخابات النيابية، بمنحها الترقية المستحقة لها، مهما كان الثمن، ورفعها إلى رتبة عقيد.

كل هذا وانتقام باسيل ورده الصاع صاعين أو ثلاثة للحليف الصديق لم يحدث بعد.

وهكذا، مع حلول الأعياد المجيدة يتنقل الشعب اللبناني بين حد سكاكين الصفقات، وانتهاك حقوق المساكين والمظلومين، بنيل الترقيات والتنفيعات لمن استحق أو لا يستحق، نتيجة سقوط ما بعده سقوط لحفنة من السياسيين المقاولين ابتُلي لبنان بهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها