الجمعة 2021/11/05

آخر تحديث: 11:18 (بيروت)

بين مهزلة قرداحي وملهاة بوحبيب

الجمعة 2021/11/05
بين مهزلة قرداحي وملهاة بوحبيب
مشكلة جديدة ظهرت بعد التسجيلات التي أذاعتها صحيفة عكاظ (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

كاتب هذه السطور كان أول من كتب منتقداً مواقف وتصرفات وزير الإعلام جورج قرداحي (راجع "المدن"). وقد تركز الانتقاد على مواقف الوزير الزميل قرداحي، التي حملت معالم استخفاف وتعال وتعجل في الأحكام والمواقف. إذ افتتح مواقفه على أرض المطار بالطلب من وسائل الإعلام في لبنان عدم استضافة من يبشرون لبنان بالجحيم. ثم عاد وشدد على الطلب من وسائل الإعلام عدم التهجم والافتراء على السياسيين وحفظ كراماتهم.   

توقعت في المقال المشار إليه أن تكون بيننا جولات وجولات. والسبب، أن طريقة تعاطي الوزير قرداحي مع القضايا المثارة تخرج معه من إطارها الجوهري إلى طبقاتها الثانوية وغير الجوهرية، ليصبح التركيز على الشكل وليس على المحتوى، أو على الشخص وليس على الموضوع. فهو حين قوبل بالانتقاد فسر الأمر أنه من باب التحامل والتآمر عليه، واستهدافه من جهات لم يسمها تريد اتهامه بأنه يسعى للتضييق على الحريات والإعلام، وأنه يتعرض لحملة ممنهجة في هذا الإطار مع ان الانتقادات التي طالته تناولت الأسلوب وطريقة التعاطي ومستوى التفكير، نتيجة "نتعات" ومواقف غير منطقية أو مبررة في تصرفاته ومواقفه.

حين توقعنا أن تكون لنا جولات سجال ونقار مع معالي الوزير، كان كل التفكير ينصب على أن وزيراً يتصرف بهذه الطريقة الارتجالية الشخصية الادعائية، هو في الطريق المستقيم والأكيد للوصول إلى المشكلات مع أهل الإعلام فقط لا غير، ولم يخطر على البال أن قطار مواقفه الهادرة بصوته الجهوري الرخيم، سيصل إلى المحطات التي وصل إليها وبهذه السرعة والعنف والوقع القوي.

والحقيقة، إن ما تسببت به مواقف الوزير الزميل فاقت كل التوقعات. وها أن لبنان بسبب رشق بسيط من الجمل والمواقف المركبة العنجهية، قد أصبح أمام أكبر أزمة دبلوماسية تقع بين وطن الأرز ودول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

للإنصاف، إن الموقف الذي صدر عنه في الحديث مع قناة الجزيرة كان قبل أن يصبح في سدة المسؤولية. وهو لا يعبر عن سياسة الحكومة في حالته هذه. وهو موقف شخصي قبل أن يصبح مسؤولاً. لكن المشكلة الآن أن لبنان يقيم وسط صراع إقليمي بأبعاد دولية.

كما أن المشكلة إن معالي الوزير والأطراف والشخصيات المحسوب عليها حوّلت معه الموضوع إلى مكان آخر من الجوهر إلى الشكل، ومن حقيقة انه أحرج حكومته وبلده تجاه المملكة العربية السعودية إلى درجة أنه بطريقة رد فعله حوّلها إلى استعصاء شديد الصعوبة والاستحكام. 

معالي الوزير، وقبل أن يستكشف المواقف وقبل أن تتعقد الأمور، سارع إلى التصعيد والقول: نحن لا نقبل أن يفرض علينا أحد ماذا نفعل. ونحن دولة مستقلة، ولا نقبل الشروط.. إلخ.

غريب أمرك يا معالي الوزير! لنفرض أنك مظلوم وهناك مؤامرة تحاك ضدك ومن حولك، لكن أمام هكذا أزمة ألا يستدعي الأمر أن تتحمل مسؤولية تضرر مصالح مواطني بلدك وتتنحى جانباً، بدافع من حس شخصي عادي وبسيط بالمسؤولية؟

كيف يمكن لعاقل أن يقبل تدهور علاقات لبنان بهذه الطريقة الدراماتيكية مع دول مجلس التعاون الخليجي، مع هذه الكمية من الأضرار، ويبقى يردد: الموضوع أصبح موضوع كرامات.. وان الحياة وقفة عز فقط . أي عز هذا وسط الفاقة والعوز المنتشر والمتصاعد؟  فيما مصالح اللبنانيين وأرزاقهم يطاح بها؟

أين الكرامات هنا يا معالي الوزير أمام خراب بيوت عشرات آلاف اللبنانيين وضياع مصالحهم؟

لقد حقق معالي الوزير شهرة هائلة وغير مسبوقة لم يكن ليحلم بها. فأُطلق اسمه على شوارع وجادات في اليمن غير السعيد، وعلقت صوره على أعمدة إنارة في مدن وقرى يمنية، وبات رمزاً من رموز الممانعة الخلاقة، وبقي يردد جملته المجوفة: القصة باتت قصة كرامات؟!

أمام كل ذلك، ما علينا إلا الاعتذار منك معالي الوزير، لأننا لم نكن على قدر المسؤولية والمعرفة بأهمية مواقفك الاستراتيجية، ولم نستطع أن نتوقع أنك ستصبح نجماً محلقاً في سماء الجزيرة العربية ونجماً موازياً لنجوم درب التبانة.

يجب الاعتذار منك صراحة بعدما كُشفت المواقف التي أدلى بها زميلك وزير الخارجية، عبد الله بو حبيب، في التسجيلات التي أذاعتها صحيفة عكاظ بصوته. وهو الذي كلف أساساً بإطفاء لهيب الأزمة التي تسبب كلامك بها.

معالي الوزير قرداحي أنت ظلمت قليلاً. فقد قلت ما قلت وأنت خارج جنة السلطة. لكن الوزير بوحبيب أطلق كلامه وهو في قلب الحكومة، ومكلف بمهمة المعالجة. فاجتهد وأبدع خلال دردشة مع الصحافيين. وإذا كان الأمر قابلاً للمعالجة مع دول الخليج، فبعد كلام بوحبيب بات الأمر بالغ الصعوبة أكثر من السابق بأشواط. وهو الكلام الذي كُشف فيه عن عمق تفكير فئة من المسؤولين المتواجدين في السلطة الآن.

يا محلى الكلام والأفكار التي أطلقتها قرداحي أمام ما قاله زميله، الذي لا يعرف أين ذهبت مئات ملايين الدولارات التي أرسلتها العربية السعودية إلى لبنان بعد عدوان تموز، متجاهلاً عشرات آلاف المنازل والشقق التي أُعيد إعمارها، ومئات القرى والبلدات الجنوبية وعشرات آلاف المواطنين الذين حصلوا على المساعدات من أموال العربية السعودية لإعادة اعمار منازلهم، (تم ترميم وإعادة إعمار 115 ألف وحدة سكنية إثر عدوان تموز 2006).

أفدح ما قاله بوحبيب إنه لا يعرف ما الذي ساعدت به السعودية لبنان. وفاته أن الاستثمارات السعودية في لبنان بين عامي 2004 و2015 بلغت نحو 6 مليارات دولار.

وأطرف ما برر فيه أبو حبيب تهريب الكابتاغون إلى السعودية من أنه بسبب أن سوقها للمخدرات هو الدافع الرئيسي خلف التهريب، لا انفلات وانتشار تصنيع وتجارة المخدرات في لبنان وإهمال بعض السلطات والأجهزة الرسمية.

بعد العراضة المهزلة التي قدمها قرداحي في برنامجه الجديد، أتت ملهاة بوحبيب لتؤكد أن حلم اللبنانيين بانحسار الغمامة ليس إلا سراباً عابراً في سماء ملبدة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها