(غيتي)
"هيلا هيلا، هيلا هيلا هووو، جبران باسيل (..) أمّه". هنا، في قلب باريس، حيث التجأ ميشال عون وأقام سنوات، وحيث شُرخت الأسطوانة المكرورة عن قوة/شعبية التيار العوني وايديولوجيته بين مواطنيه الفرنسيين، شُتَم باسيل. شتَمه، عشرات المرات، نحو خمسة آلاف لبناني، معظمهم من الشباب، وبينهم عائلات مع أطفال ورضّع. هكذا، سافرت شتيمة باسيل من بيروت إلى باريس. لم تنَل منها الرحلة ولا أخمدها المطر الهاطل على الهاتفين ومظلاتهم. بل صدحت طازجة ساخنة كرغيف "باغيت" خارج للتو من الفرن. والطفل الذي كان جالساً على كتفَي والده ويرفض النزول، حثّ صبية قريبة على القول مازحة: "حدا بيكون قاعد هالقعدة وبينزل؟"، ليجيبها الأب بحبور: "مفكّر حاله ميشال عون!".
"عون راجع (إلى فرنسا)".. عن "تويتر" يورغو بيطار
سُمعت بين بعض المعتصمين أسئلة تستغرب نسيان حسن نصر الله، حتى علا صوت إحداهن بحماسة: "كلّن يعني كلّن.. ونصر الله واحد منّن"، فجاراها الواقفون على مقربة، ضاحكين مؤيدين. لكن العدوى لم تسرِ بالزخم المطلوب. فمكبّر الصوت لم يكن بالفاعلية المطلوبة، وبعض المجموعات لم تسمع ما تهتف به مجموعات أخرى. لكن المهم أن شتيمة نصر الله لم تستجرّ استهجان أحد. بل بدت، على محدوديتها، طبيعية مفرحة. وهذا، في حد ذاته، خرق للمقدس والمكبوت والمخيف، تماماً كما خُرقت مقدّسات الشعبوية الباسيلية في بلاد الفرانكوفونية.
كان الشباب في "تروكاديرو" هم الغالبية. كلامهم أكثره بالعربية اللبنانية. "هاي ويللا، حكومة اطلعي برا"... و"الشعب يريد إسقاط النظام". قلما سُمعت الفرنسية. قد يكون معظمهم من الوافدين الجدد إلى فرنسا، طلاب جامعات أو كفاءات مهاجرة، ولغتهم لا تزال حيّة فيهم، وليسوا جيلاً ثانياً أو ثالثاً. أو ربما هي الغالبية التي لم تنقطع صلتها بمسقط رأسها. هؤلاء أكثر مما يقترحه الكليشيه عن لبنانيي فرنسا. نسمع صبية تشير لرفيقها إلى مكان تجمّع رفاقهما: "هونيك.. عند الـdrapeau francais avec le arze" (هناك عند العلم الفرنسي مع الأرزة). وإلى جانب العلم الأزرق والأبيض والأحمر، والذي تتوسطه أرزة، رُفعت لافتة بالفرنسية معناها: "الحرب الأهلية اللبنانية.. التاريخ المنسيّ"، وأخرى بالعربية: "نحنا بدنا نرجع.. انتو ما بدكن". فإن نُسِيَ بعض اللغة، فالأهم لم يُنسَ: الحرب التي لا رغبة في تكرارها، والاقتصاد الذي جعل لبنان طارداً لأبنائه.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها