الثلاثاء 2017/03/28

آخر تحديث: 00:20 (بيروت)

الموت في شكا.. بالاترنيت

الثلاثاء 2017/03/28
الموت في شكا.. بالاترنيت
أقفلت الشركة في العام 1991 لكن معداتها وموادها بقيت (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
تحت شعار "أوقفوا انتشار الغبار المسرطن"، أطلقت لجنة حماية البيئة في بلدية شكا عريضة للمطالبة بوضع خطة لإزالة مخلفات شركة اترنيت لبنان، التي تنشر غبار مادة الاسبستوس المسرطنة. والشركة هذه، المقفلة منذ العام 1991، كانت قد أنشئت في ستينات القرن الماضي لتصنيع مستلزمات البناء (أنابيب وألواح وغيرهما)، على يد مستثمر صناعي سويسري يدعى ستيفين شيدهيني، وبيعت في ما بعد إلى اللبناني بيار عبود. وكان أغلب العاملين فيها من شكا والقرى الكورانية والزغرتاوية المجاورة للمعمل.

ومع بلوغ نهاية السبعينات، بدأت تبرز مطالبات عدة لوقف إنتاج مادة الإسبستوس، بعد دراسات علمية أكدت خطورتها على الصحة. وفي العام 1986، تم توقيع معاهدة عالمية تحظر استخدام هذه المادة. والمعاهدة هذه، كانت قد ترافقت مع تقرير صادر عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، وهي منظمة تابعة لمنظمة الصحة العالمية، صنف مادة الإسبستوس مادة مسرطنة، وذلك من طريق الاستنشاق. وبدورها، أصدرت وزارة الصحة اللبنانية في العام 1998، قراراً يقضي بحظر إنتاج المادة هذه أو استيرادها.

"لا احصاءات دقيقة عن عدد المصابين بمرض السرطان في شكا أو جوار المعمل"، يقول كل من الطبيب إميل منصور ونائب رئيس البلدية أنطوان أبي شاهين. لكن، في أرقام أولية، يقول أبي شاهين، وهو رئيس لجنة حماية البيئة في شكا، إن 7 على 10 من المصابين بالسرطان، مصابون بسرطان الرئة، والإسبستوس أحد أبرز مسبباته.

وفي ظل غياب أرقام وزارة الصحة، يبدو اللجوء إلى إفادات الضحايا سبيلاً لتأكيد وقوع إصابات في صفوف العاملين وذويهم وسكان جوار المعمل. "العاملون والشهود يموتون واحداً تلو الآخر"، يقول أبي شاهين. "وآخرهم باخوس أبو حيدر وجورج حرب، اللذان تحدثا، في العام 2014 لبرنامج تحت طائلة المسؤولية". وقبل سنوات، توفي خليل فارس، أحد العاملين في مصنع الاترنيت ثم تبعته زوجته، ولاحقاً ابنه. "وجميعهم جرى تشخيص حالاتهم المرضية على أنها ناتجة من الأسبستوس"، وفق أبي شاهين.

وقضية شركة إترنيت لبنان، لا تتوقف عند خطورة التعرض للإترنيت أثناء العمل أو استنشاق الغبار الناجم عن الأطنان المكدسة على الطريق العام التي تفصل بلدتي الهري وشكا. أو حتى على وجود هذه المادة في بيوت الكورانيين، الذين كانوا يستخدمونها لصب مداخل البيوت كبديل عن الإسمنت. بل تصيب أيضاً جميع عمال المصنع الذين صرفوا من العمل من دون الحصول على تعويضاتهم. وليخرج بذلك نحو 700 عامل من الخدمة اصابتهم بالسرطان محتملة ومديونون.

"أقفل أصحاب المعمل معملهم وتواروا عن الأنظار"، يقول أبي شاهين. وبعد مطالبات عدة، عيّن القضاء حارساً قضائياً وأوكلت إليه مهمة بيع بعض المعدات بهدف التعويض على العمال المصروفين. إلا أن أياً من ذلك لم يحدث. لكن أبي شاهين يقول إن جزءاً من الممتلكات بيع بمبالغ زهيدة من دون التعويض على العمال. بينما إزالة المخلفات هذه تستوجب اجراءات شديدة التعقيد يصعب على البلدية إتخاذها.

والمفارقة أن صاحب المعمل السويسري ستيفين شيدهيني كان قد أرغم على التعويض على أهالي ضحايا وأهالي جوار مصانع الإترنيت في إيطاليا، التي تسببت، وفق القضاء الإيطالي، بوفاة 2200 شخص، وقد حكم عليه في العام 2012 بالسجن لمدة 16 عاماً.

أسباب أخرى للموت
اعتماد شكا، منذ سنوات طويلة، مركزاً صناعياً، جعلها مركزاً للتلوث أيضاً. فشركة الاترنيت ليست وحيدة، بل إلى جانبها معامل الاسمنت، التي تواجه هي الأخرى كثيراً من الانتقادات، بسبب ما تنتجه من مواد سامة وتلويثها الشاطئ. كما هي حال مقالع التراب الأحمر، التي قضت على جزء لا بأس به من الثروة الحرجية في المنطقة. وهذا ما لا يضر سكان شكا وحدهم، بل سكان قرى مجاورة أيضاً، وتحديداً الكورة، التي كان نشطاء بيئيون فيها قد وصفوا مصانع شكا بـ"الشركات المجرمة"، في رسالة وجهت إلى وزير البيئة السابق محمد المشنوق، في بداية العام 2016.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها