الإثنين 2014/06/30

آخر تحديث: 17:38 (بيروت)

سلفيو لبنان: كلٌّ يُغنّي على أميره

الإثنين 2014/06/30
سلفيو لبنان: كلٌّ يُغنّي على أميره
في ظل متغيرات العالم العربي يعيشون انقساماً حاداً ولا رؤية توحدهم (المدن)
increase حجم الخط decrease

لا قاعدة واحدة تجمع سلفيي الشمال، وبالتأكيد ليس هناك قائد واحد لهم. الجغرافيا وحدها لم تكف لوضع تصور شامل حول أداء هذه المجموعات. ينقسمون في عوالم مختلفة وتجمعهم عصبية واحدة. رغم أن تمويلهم متباين، سعودي وقطري وكويتي، في المبدأ، الا أن هذا التمويل التقليدي صار قديماً. بات تمويلهم متعدداً من تنظيمات وسفارات دول.

 

جاء اعلان تنظيم "داعش" اقامة خلافة اسلامية، ليزيد الشقاق حول توجه هذه المجموعات وقراءتها لما يحصل في الإقليم. يرون أزمة سوريا بطرق مختلفة. يحبون نصرة اخوانهم. بعضهم يشارك في القتال والبعض يكتفي بالعمل الرعوي والدعوي.

 

هم يؤيدون ابا محمد الجولاني أمير "جبهة النصرة". يفضلون تأييدهم لأيمن الظواهري الذي بدا على خلاف مع امير داهش ابو بكر البغدادي. مقاتلو السلفية الجهادية من أهل طرابلس وعكار والضنية الذين ذهبوا الى سوريا قاتلوا جنباً الى جنب مع كتيبة الفاروق وبعض الفرق التابعة لـ"النصرة" في قلعة الحصن والقصير.

 

لا رباط قائماً بينهم وبين تنظيم "القاعدة". الصلة الوحيدة التي يمكن الوقوف عندها بحسب احد المشايخ كانت عام 2007، عندما جاء اعضاء من هذا التنظيم من سعوديي الجنسية الى لبنان وبحثوا في امكان انشاء تشكيل للقاعدة في لبنان، لكن الامر لم يتم.

 

يرى أنصار الشيخ حسام الصباغ الجهادي التابع لـ"القاعدة" أن ابو بكر البغدادي يمثلهم. هم الفرقة الوحيدة في المدينة حين ينزلون الى الشوارع يحملون أعلام "داعش" وينصرون البغدادي. يتفق معهم بشكل غير علني أنصار الشيخ سالم الرافعي. فيما يرى سلفيو آل الشهال، التابعين للشيخين داعي الإسلام وحسن الشهال، ان السلفية السعودية هي السلفية الصحيحة ويرون في الجهاد أمراً غير ميسر.

 

أداء هذه المجموعات مختلف. لكنها في العموم مجموعة "مطيعة" ومنقادة بشكل أو بآخر عبر الأجهزة الأمنية الاستخباراتية التي تعمل على زرع الشقاق بينهم وتأجيجهم في حالات كثيرة خدمة لمسارات سياسية داخلية. يقول سالم الرافعي امام العلن انه ليس في طرابلس تيار سلفي واحد، رغم ان هؤلاء متفقون على الفكر والمفاهيم. موضحاً في كثير من المواقف أن اقامة امارة سلفية في طرابلس هدفه الاساءة الى تلك التيارات.

 

تأسس الفكر السلفي في لبنان على يد الشيخ سالم الشهال الذي بدأ سلفيته من خلال كتب قرأها للشيخ ناصر الدين الألباني وابن عثيمين وابن باز، إضافة إلى رحلاته المتعددة إلى المملكة العربية السعودية. وبعد عودته من زيارة قام بها إلى المدينة المنورة عام 1964 التقى خلالها بعدد من شيوخ وعلماء السعودية، أنشأ الشهال مجموعة في طرابلس أطلق عليها اسم "شباب محمد"، لم يلبث حتى بايعه اعضاؤها، الشيخ سعيد شعبان، الذي صار لاحقاً أميراً لحركة التوحيد الاسلامي، والشيخ بدر شندر، والشاعر أكرم خضر، ود. فتحي يكن، فأطلق عليها "الجماعة مسلمون"، وهي مجموعة قامت على تبني نهج السلف في الدعوة إلى الاسلام والالتزام به، متخذة من العمل الخيري وسيلة للدعوة، فأنشأت مؤسسة خيرية تعنى برعاية الأيتام بدعم من "سعوديين وكويتيين".

 

تميزت هذه المرحلة من ميلاد السلفية اللبنانية بغلبة الجوانب الدعوية والتعليمية والاعمال الخيرية، بعيدة تقريباً عن أي شكل من أشكال العمل السياسي، فبرغم حياته الدعوية الطويلة، والتي امتدت لنحو 50 عاماً، فإن السلفية التي حملها الشيخ سالم الشهال (توفي عام 2008) بقيت دعوة سلمية قائمة على الحوار والموعظة الحسنة، ولم يدخل في أي خلاف أو صراع مع جهة من الجهات اللبنانية. لا بل كان يسعى إلى إقامة أفضل العلاقات مع البيئة المحيطة به وخصوصاً المسيحية.

 

أرسل الشيخ سالم الشهال أبناءه الثلاثة: داعي الاسلام، وراضي، وابو بكر لتلقي العلم الشرعي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فتخرجوا فيها متأثرين بقوة المنهج السلفي في الجامعات السعودية في تلك الفترة، ومع تقدم الشهال الأب في السن وانصرافه إلى العمل الدعوي آلت زعامة الحركة السلفية إلى نجله داعي الاسلام الذي مثل المرحلة الثانية من العمل السلفي فإهتم بالحالة التنظيمية، فجمع بين العمل الدعوي والسياسي، وأسس في سبعينيات القرن الماضي "نواة الجيش الاسلامي"، وهو تنظيم مسلح للدفاع عن أهل السنة عقائدياً واجتماعياً في وجه بعض "المتطاولين ضد المسلمين"، كما أسماهم.

 

تم تشكيل الجيش الإسلامي أثناء الحرب الأهلية حين كانت كل الطوائف والقوى اللبنانية تملك ميليشيات، ولم يقتصر دوره على القتال فقط، بل كان جسماً عسكرياً يتعاطى الشأن الدعوي والتربوي والسياسي.

 

مارس العمل العسكري في طرابلس إلى ان تم حله بعد حرب عام 1985 من قبل المسؤولين عنه بعد انتهاء الحرب الأهلية وظهور ملامح اتفاق أهلي، انتهى بإعلان الطائف. بدأ دور التيار السلفي يتعاظم في لبنان مع بداية الثمانينيات، حيث أخذت رقعة انتشاره تتسع، مستفيداً من انتشار حركة التوحيد الاسلامي التي شكل حضورها العسكري والسياسي، بزعامة أميرها الراحل الشيخ سعيد شعبان، نوعاً من الغطاء لتوسع نشاط السلفيين الذين كانوا قريبين من شعبان.

 

بعد العام 1985 انتقل داعي الاسلام إلى بيروت، وإلى إقليم الخروب، ثم إلى صيدا، لكن ليس بإسم "نواة الجيش الإسلامي" وإنما بإسم "الجماعة والدعوة السلفية"، ولما أخذت الاوضاع في لبنان تتجه نحو الهدوء، بعد اتفاق الطائف، انصرف الشهال الابن إلى تأسيس العمل الدعوي عبر المدارس الدينية، والتسجيلات الاسلامية، وكفالة الأيتام، وبناء المساجد، وتأسيس إذاعة "القرآن الكريم" وغيرها من النشاطات، فأنشأ "جمعية الهداية والاحسان" التي شكلت الإطار الرسمي للحركة السلفية في عام 1988.

 

انتشرت خدمات الجمعية من أقصى شمال لبنان إلى أقصى جنوبه، إلى ان ضاقت بها الحكومة ذرعاً فأصدرت قرار حلها عام 1996، بسبب ما ادعته "إثارة النعرات الطائفية في بعض الكتب التي تعتمدها الجمعية في معاهدها الشرعية"، وكانت حجتها في ذلك ان أحد الكتب المقررة للتدريس في المعهد ضم فقرة عن فرقة النصيرية باعتبارها فرقة ضالة خارجة عن الدين بسبب معتقداتها المسيئة للإسلام، وهو قرار سياسي بالدرجة الأولى يتعلق بنفوذ النظام السوري في لبنان. ومن رموز السلفية في شمال لبنان الشيخان راشد حليحل وسالم الرفاعي ومن المقربين منها الشيخ زكريا المصري، إمام مسجد حمزة في القبة.

 

وبعد أحداث الضنية الشهيرة والتي شهدت اشتباكات بين الجيش وقوات الأمن من ناحية وبين بعض المعارضين من ناحية أخرى، حيث كان معظم عناصر مجموعة الضنية من المنتسبين فكرياً إلى السلفية، جاء توسيع هذا الفكر على حساب العديد من التنظيمات الاسلامية. إلا انه بات من دون مرجعية حيث بات هناك أكثر من جمعية وأكثر من أمير، فتقاسموا الحالة السلفية بحسب المنطقة والمسجد والحي وجرى مؤخراً محاولة لإعادة توحيده عبر رابطة تضم جمعيات هذا التيار ورموزه ومعاهده. الا أن هذه الرابطة لم تؤثر على عمل مشترك. فهم في ظل متغيرات العالم العربي يعيشون انقساماً حاداً ولا رؤية توحدهم. ولم يفكروا الى الآن بترشيح شخص ما الى مجلس النواب.

increase حجم الخط decrease