الخميس 2024/02/29

آخر تحديث: 10:36 (بيروت)

العرب الأميركيون.. أكثر من مجرد رسالة إلى "ملك الليل"

الخميس 2024/02/29
العرب الأميركيون.. أكثر من مجرد رسالة إلى "ملك الليل"
أكثر من 100 ألف أميركي اختاروا "غير ملتزم" في انتخابات الحزب الديموقراطي التمهيدية في ميشيغان
increase حجم الخط decrease

توقّع جو بايدن، بينما يلعق الآيس كريم في متجر بنيويورك، التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة الإثنين المقبل.
زيارة بايدن للمتجر كانت جزءاً من "توك شو" حل فيه ضيفاً الرئيس الذي يسعى لإعادة انتخابه. والمرشحون الأميركيون، في مثل هذه الأيام، مستعدون للانخراط في مسابقات لعق أكبر عدد ممكن من المثلجات لو اضطر الأمر للظفر بالأصوات.
لم يكن مطلوباً منه، من باب اللياقة على الأقل، ألا يلعق ما يحلو له، أو أن يعتبر الزمان والمكان غير مناسبين للسؤال عن مصير حرب بدأت تتسبب بموت الرُضّع جوعاً، أو بطفلة يغلبها البكاء المر وهي تقول "اشتقنا للخبز".
تعبير السياسيين الأميركيين عن عواطفهم غالباً ما يكون مقونناً ومدروساً وممسرحاً حتى يبدون كمن تدربوا طويلاً أمام المرآة. بايدن، بعد مرور كل هذا الوقت على الهول في غزة، لم يتنازل لمرّة، ويمثّل حتى أنه يتعاطف مع الفلسطينيين.
يمكنه أن يؤدي دور الغاضب والمحبط والحزين والحنون والشديد القوي، لكنه حين يصل إلى الفلسطينيين يتحول إلى "ملك الليل"، ذاك الذي على رأس جحافل الموتى الأحياء القادمين مع الشتاء القادم من الشمال في "غايم أوف ثرونز". ولا أدنى تعبير على وجهه. تتجمد ملامحه كلها، فلا يعود يرمش حتى، ويصير يردد عباراته كأنه يتلو شعراً حفظه من دون فهم. كأن شريحة إلكترونية زرعت أسفل عنقه، تجعل مبرمجاً خفياً لا يكن الود للفلسطينيين، يتحكم برئيس أميركا عن بعد، ويجعله يقول ما يمليه عليه بالحرف.
بخل بايدن الشديد في التعاطف مع الفلسطينيين يضيف نقمة إلى نقمة العرب الأميركيين عليه وعلى إدارته. مئة ألف اقترعوا "غير ملتزم" (uncommitted) في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي في ميشيغان الثلاثاء. هؤلاء غالبيتهم من العرب إضافة إلى مسلمين وتقدميين أميركيين. السبب المعلن للحملة التي حفزتهم للتصويت بعدم الالتزام الاعتراض على الدعم اللامتناهي لبنيامين نتانياهو وحكومة حربه، والضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار وامتناع الولايات المتحدة عن إرسال المزيد من الأسلحة إلى إسرائيل. أرادت الحملة توجيه تحذير لبايدن وحزبه في ولاية متأرجحة قد تكون نتيجتها حاسمة في تحديد مصيره في الخامس من نوفمبر تشرين الثاني المقبل. الحملة التي كانت تعد نفسها بعشرين ألف صوت فوجئت بخمسة أضعاف الرقم المأمول. الفئات الشابة، التي قد لا تهتم حتى للانتخابات الرئاسية، هذه الفئات من أصول عربية كانت الأشد حماسة للمشاركة. المئة ألف، حين يحسبون بالنسبة، يتحولون إلى 13% من المقترعين في هذا التصويت التمهيدي، مقابل 79% من نسبة الأصوات لبايدن الذي تنافس عملياً فقط مع غير الملتزمين. اعتبرت الحملة عدد المقترعين انتصاراً لقضيتها وللصوت العربي الذي قد يلعب دوراً في تحديد اسم الرئيس المقبل لأميركا، لأول مرة في تاريخها على الأرجح. في المقابل، هناك من قلل من شأن عدد المقترعين أو مستقبل الاعتراض نفسه في الولايات المتأرجحة الأخرى حيث الجاليات أقل من عرب ميشيغان، وبعض هذه الولايات لا يلحظ أصلاً خيار الاقتراع ب "غير ملتزم"، وبالتالي فلن يجد المعترضون طريقة لتسجيل موقفهم. كما أن هذه الأقلية المعترضة قد يتحمل بايدن خسارتها إذا أراد الحفاظ على الناخب الديموقراطي التقليدي الذي يوافق بايدن في سياسيته الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، ويرى في إسرائيل الشقيق الأصغر البعيد والضعيف والمحاصر الذي من واجبه مساندته دوماً. ناخب آخر يعوّل عليه بايدن هو ذاك الذي يرى في دونالد ترامب عدواً لدوداً إلى تلك الدرجة التي تدفعه لإيصال عصا خشبية إلى المكتب البيضاوي بدل ترامب. هذا ناخب يتخطى الحزبين معاً، وقد كانت مشاركة العرب الكثيفة قبل أربع سنوات في جزء كبير منها تقع في هذه الخانة: أي شيء ضد ترامب.
الإعلام الأميركي نعت اعتراض العرب "بالرسالة القوية" للحزب. غير أن الرسالة أبعد من مجرد أرقام ستُفكك ويعاد تركيبها في معادلات حسابية انتخابية. كثافة الاقتراع في انتخابات ميشيغان فيه الكثير من العناد في إثبات هوية هذه الأقلية الأميركية، وفي انتمائها لأميركا نفسها كما في انتمائها لقضاياها التي حملتها معها من بلادها جيلاً بعد جيل. وأن يكون هؤلاء عرباً فخورين بالكوفيات على أكتافهم، فهذا لا يعني أنهم أقل انتماء لأميركا من غيرهم، أو أشد اغتراباً عن ثقافة الحرية والديموقراطية والحقوق وخلافه مما تتغنى به أميركا منذ تأسيسها. أبعد من الرسالة أيضاً أنهم استطاعوا تكوين جماعة ضغط، أو على الأقل نواة جماعة ضغط، من قلب النظام العام وبآلياته.
قبل كل هذا، وبعده، هؤلاء الأميركيون قاموا بواجب أخلاقي صرف إذ اقترعوا لفلسطين ضد الهمجية ودعم بايدن المخزي واللامحدود لهذه الهمجية.
وبغض النظر عن الأرقام، نجحت الحملة حتى الآن لأن ليس لديها ما تخسره في المقارنة بين بايدن وترامب. خسارة بايدن في الانتخابات بسبب الحملة، سيكون، لا شك، مدوياً، مع أن هذا ليس مطلبها المعلن على الأقل. ولا يمكن التكهن بخيارات العرب الأميركيين بعد ثمانية أشهر من الآن، إلا فئة واحدة تعتبر مصير بايدن مسألة شخصية. هذه ليست صغيرة ولا تقتصر على العرب وحدهم. تريد أن يُهزم جو بايدن. مستعدة لتحمل دونالد ترامب أربع سنوات إضافية بصفته عدواً صريحاً وقد جرّبته من قبل، وغير مستعدة للحظة لتحمل عودة ملك الليل الذي يتحدث عن حرب إبادة وتهجير جماعيين وهو يلعق الآيس كريم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها