الإثنين 2024/02/19

آخر تحديث: 07:31 (بيروت)

الحالة المحيّرة لجو بايدن

الإثنين 2024/02/19
الحالة المحيّرة لجو بايدن
بدل عن ضائع
increase حجم الخط decrease



من حظ عبد الفتاح السيسي أن جو بايدن أبقاه في منصبه، ولو رئيساً للمكسيك. في السياق المنطقي لهفوات الرئيس الأميركي مؤخراً، كان ينبغي أن يستبدله بالراحل محمد أنور السادات، ويكمل كلامه، من دون أن يرمش له جفن.
هكذا فعل مع إيمانويل ماكرون، مستحضراً شبح فرانسوا ميتران. هكذا أيضاً أعاد هلموت كول مستشارً لألمانيا بدل أنجيلا ميركل.
جو بايدن في الحادية والثمانين. ليس معيباً أن يقع رجل في عمره في هفوات كهذه، بل، على العكس، هي أخطاء بيضاء حين يقع فيها أترابه يستغلونها للتهكم اللطيف من أنفسهم، وللتذكير بترف أنهم باتوا في تلك المرحلة الماسية من العمر التي ينال فيها المرء أخيراً الحق بأن يكون على راحته، يفسد الأحفاد (أو أبناء الأحفاد)، يثرثر، يسهو كثيراً ويخلط في الأسماء والأحداث، يغفو حين يطيب له. يستمتع بهذه الحجة التي أعطته إياها الطبيعة، ليتفرغ لممارسة هواياته، لكن ليس لأن يكون رئيساً "لأعظم أمة على سطح الأرض"، كما يطيب للأميركيين، من دون التحلي بأقل قدر من التواضع، أن يصفوا أنفسهم.
كان يفترض ببايدن أن يتفرغ لكتابة مذكرات أكثر من خمسين سنة أمضاها كسياسي عادي، منها ثمانية في ظل نجم باراك أوباما، وأربعة أخرى كانت وقتاً مستقطعاً من تقاعده، حين لجأ الديموقراطيون إليه كبدل عن ضائع في مواجهة دونالد ترامب. ها هو الآن، وقد لم يبق من العمر أكثر مما مضى، يبدو دوماً كالضائع، مضطر لأن يتحمل الإهانة التي تضمنتها شفقة المحقق الخاص روبرت هار وهو يبرئه من النية الجرمية في الاستحواذ على وثائق سرية بوصفه "طاعناً في السن ذا نوايا طيبة وذاكرة ضعيفة". ثم، وبعدما انفعل روبوتياً في الرد على التشكيك بقدراته الذهنية نقل الرئيس المصري إلى أميركا الوسطى.
التقدم في السن ليس عيباً، حتى لرئيس يتحضر لخوض معركة انتخابية مرهقة بما لا يقاس لمن هم في نصف عمر بايدن. والنقاش الوحيد المفتوح الآن حول أهلية بايدن لخوض هذه المعركة وصموده لأربع سنوات أخرى في البيت الأبيض (إذا فاز) عززه الرئيس نفسه، الذي بات من المستحيل ألا يقع في هفوة كلما حكى، أو يقع، حرفياً كلما مشى، أو بدا تائهاً ينتظر أن تأخذه السيدة الأولى من يده.
الديموقراطيون، في دفاعهم عنه، يكررون أنهم حين يلتقون به يجدونه حاداً متقد الذهن بذاكرة حديدية. يشبهون الأب الذي لا يجد ما يقوله أمام إداء ابنه المخزي في كرة القدم إلا معلومة من قبيل: لو ترون الأهداف الرائعة التي يسددها في الباحة الخلفية للبيت. "لماذا لا تصورونه؟" سأل جون ستيوارت مقدم "ذا دايلي شو" من يسهبون في مدح الحضور الذهني لبايدن في السر.
الديموقراطيون يريدون أن يبرهنوا خطأ نظرية عامة تقول: ما دامت تبدو مثل بطة وتسبح مثل بطة وتبطبط مثل بطة، فهي على الأرجح بطة. بايدن الذي يراه الأميركيون والعالم اليوم يمثل بايدن الحقيقي. وحزبه يعلم أن "الحالة المحيّرة لبنجامين بتن" الذي ولد عجوزاً ومشى في عمره إلى الوراء إلى أن مات بعدما صار رضيعاً، هي مجرد خيال خصب. لكنهم، وهم يواجهون أرقام بايدن المتدنية عند الأميركيين( بخاصة عند الفئات العمرية الشابة)، وفوقها الإحراج تلو الإحراج الذي يوقعهم فيه، يبدون كمن فوجئوا بأن بايدن ليس بتن، كما فوجئوا بالاستحقاق الذي يتكرر بلا انقطاع كل أربع سنوات، منذ إعلان استقلال أميركا.
لم يحضروا أنفسهم للخطة باء. في العادة لا يتقدم المرشحون الجديون في الحزبين لمنافسة الرئيس الذي من حزبهم إذا كان يسعى لإعادة انتخابه. يفضلون الانتظار على الظهور بمظهر من يريد شق صفوف الحزب وضعضعة فرص الرئيس بالبقاء في منصبه. الحزب الديموقراطي نفسه يميل للتوقير المبالغ فيه لكباره وإبقائهم في مناصبهم حتى إذا تسبب ذلك في خسارته فرصاً ثمينة، بينما الصاعدون فيه مدجنون أكثر مما ينبغي بحزب يفترض به أن يمثل، في من يمثل، أطيافاً واسعة من الأقليات والتقدميين واليساريين، بات ممثلوهم في الكونغرس تياراً نافراً في الحزب أكثر مما هم جزء من نسيجه المتناغم.
الآن، ولأنّ بايدن قرر ألا يتنحى، فالأميركيون، وهم شعب ملول بطبعه، أمام جزء ثانٍ من الفيلم المعاد نفسه يتنافس فيه البطلان لا غيرهما، الذكران الأبيضان اللذان يرفضان الاعتراف بأن للعمر حقه. الأول لديه عقود من الخبرة والمعلومات والحكمة، لكن لا يمكن التنبؤ حين يتحدث، أي راحل سيجلبه مخفوراً من التاريخ، وعلى أي بقعة جغرافية سينصبه ملكاً أو رئيس وزراء لا فرق. والثاني يتفاخر بضحالة معلوماته في المعلومات على أنواعها، ابتلع حزباً برمته وحسم ترشيحه له حتى قبل أن تنطلق الانتخابات التمهيدية، محمل ب 91 تهمة جنائية، وقد أطلق قبل أيام حذاء رياضياً ذهبياً يحمل اسمه وثمنه 399 دولاراً.
بين هذين ستدور المعركة في الأشهر المقبلة وصولاً إلى الخامس من نوفمبر تشرين الثاني المقبل، وواحد منهما سيكون رئيساً "لأعظم أمة على سطح الأرض"، بينما لا أحد يدري حالة من محيّرة أكثر، جو بايدن أم دونالد ترامب، أم "أعظم أمّة"، أم المسكين بنجامين بتن.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها