الإثنين 2024/01/08

آخر تحديث: 09:17 (بيروت)

صورة الفلسطيني

الإثنين 2024/01/08
صورة الفلسطيني
حياته مقتطعة بين وداعين وغده مجهول
increase حجم الخط decrease

ماذا على إسرائيل أن تفعل أكثر؟
قتلت زوجته وابنه وأصغر بناته، وحفيده، ولم يختفِ. قتلت زميله وجربت قتله ولم يمت. قتلت ابنه فصلى على روحه المطمئنة ثم عاد إلى عمله.
ماذا عليها أن تفعل أكثر لتكسره؟ إسرائيل التي تنتقم انتقاماً تاماً ونهائياً من الفلسطينيين، تبدو كأنّما لديها ثأر آخر موازٍ من وائل الدحدوح. وهو، كلما أمعنت في طعنه ازداد صلابة. كلما انتقمت منه في الأولاد كما قال، ازدادت عيون الأولاد التي تتطلع إليه بطلاً. كلما أمعنت في دمه، تحول وائل إلى رمز، كالكوفية والشاعر والمفتاح.. كالفلسطيني.
ووائل ليس بطلاً جباراً. وائل صحافي وجد نفسه في مهمة مقدّسة. مهمة أن يتابع سرد الحكاية، كما هي. وكما هي تعني أنه واحد من هؤلاء، وأن ما يصيبهم يصيبه، وأنه يبكي وهو يقبل يد ابنه الحائلة اللون ويضعها على خدّه. يبكي بينما ابنته تستند على كتفه، وترمي برأسها على صدره، لكنه حين يعود إلى عمله، يختصر ما أمكن الكلام عن نفسه، ويتابع عمله من حيث انقطع، كأنّ شرخاً عميقاً في الروح لم يقع.
هذا العناد هو ما يغيظ إسرائيل. يغيظها أنها قادرة على قتل وجرح عشرات الآلاف، ونبش حياة مليوني إنسان، لكنها عاجزة عن منع تداول الحكاية. وهي، في توحشّها الأقصى هذه المرة، صنعت مشاهد لن تنسى وصنعت في الآن نفسه حكايات لن تنسى. لاحقت الفلسطينيين إلى أرحام أمهاتهم كما وإلى قبورهم. لكنها، لسوء حظها، لن تستطيع قتلهم جميعاً، ولن تستطيع منعهم من أن يتذكروا، لأن كل واحد فيهم لديه، مثل وائل، حكاية سيظل يحكيها، ولكل طريقته، وللفلسطيني، صغيراً كان أم كبيراً، باعٌ طويل في السرد مذ اكتشف أنه، وحده، المؤتمن على سيرة شعبه، من أول مذبحة عند النهر، إلى آخر مذبحة عند البحر، وما بينهما مما كتب عليه وما كتبه بنفسه في هذا السطر المديد.
ووائل اليوم هو صورة الفلسطيني. حياته مقتطعة بين وداعين، وغده مجهول، لكنه ما دام في صدره نفس، فسوف يحكي. كم ستطول هذه الحرب وكم ستقتل إسرائيل بعد؟ ستنتهي. الفلسطينيون في المقابل، باقون، على عنادهم وعلى حبهم في سرد الحكايات بتفاصيلها الدقيقة، من ألوان عيون الأطفال المغمضة على موتها، إلى لون عيون المولودين الجدد، إلى آخره مما لن ينسى ولن يغتفر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها