الجمعة 2023/05/26

آخر تحديث: 10:39 (بيروت)

دعوا سينتيا زرازير تثرثر

الجمعة 2023/05/26
دعوا سينتيا زرازير تثرثر
سينتيا زرازير وبولا يعقوبيان
increase حجم الخط decrease

مهلاً.
التسجيل الصوتي الذي خرجت به إنفلونسر (مؤثرة، صانعة محتوى، إلخ..) لبنانية على السوشال ميديا ينبغي ألا يقف عنده أحد. السيدة خانت ثقة نائبة في البرلمان وسجلت اتصالاً هاتفياً خاصاً بينهما، أشبه بثرثرة بين جارتين، تضمن نصيحة للنائبة بكيفية اختيار أصدقائها، ثم نشرته على العلن. التصرف، بغض النظر عن سقوطه الأخلاقي المريع، لا يمكن البناء عليه في السياسة. وهو، في المقابل، أشبه بدرس من المفترض أنه الألف باء في كليات الإعلام: لا يحق للصحافي أن يستدرج شخصاً ما ليسجل له سراً ما يدينه به لاحقاً.

"الفضيحة" التي سجلتها الناشطة مريم اللحام للنائبة سينتيا زرازير قد تكون نميمة مثيرة ومسلية تجد جمهوراً واسعاً من المهتمين، لكنها ليست صحافة. هي كما هي، فعل مشين صرف. إلى هنا وتغادر اللحام هذه السطور.

أما سينتيا زرازير، فلم تكن تستحق هذا البيان القاتم من زميلاتها وزملائها التغييريين الذين بدوا كمن عقدوا مجلس حكماء رومانياً لرمي الحجارة على التي قامت بأول خطيئة. قد يكونون جدداً في هذه الزمالة البرلمانية، لكنهم على الأرجح ضالعون في ما بينهم بالنميمة المشتركة بعضهم على بعض. النميمة، تاريخياً، لا توجّه ضد الأعداء. الأعداء يواجهون بالسخرية الصلبة والشتائم القاسية. بين الزملاء، في مكتب شركة أو كتلة نيابية أو حزبية لا فرق، يأخذ التفاعل بين الأشخاص مناحي معقدة فيها الكثير من المنافسة الصامتة والغيرة والتهيؤات التي سرعان ما تجد متنفساً لها في النمائم المتبادلة. وما يصح على التغييريين لا شك أنه يصح هو نفسه في كتلة الوفاء للمقاومة أو كتلة تيمور جنبلاط أو قسم المحاسبة في مطاعم بربر، أو حتى المكتب السياسي في الحزب الشيوعي اللبناني. هكذا هي بيئة أي عمل مهما كان نوعه. ناس يثرثرون. والثرثرة ليست اتهاماً، بل نشاط اجتماعي قديم يرجع إلى يوم اكتشف نوعنا أن بإمكانه أن ينطق، بل قد يكون المحفز على أول عبارة نطق بها إنسان نميمة: هل عرفت بما فعل فلان؟ تعال أخبرك..

الجدية المبالغ بها في بيان التغييريين لا شك تخفي نفاقاً، ففي هواتفهم وفي لقاءاتهم أكثر بكثير مما قالته سينتيا زرازير. فإذا وقعت زميلتهم ضحية خدعة تشبه مقالب الكاميرا الخفية اللبنانية شديدة الرداءة، واعتذرت ببيان أسوأ من كلامها المسرّب، كان من الأفضل لرفاقها أن يتعاطوا بنبل مع لحظة ضعفها، ولا يتوحدوا في إدعاء هذه الطهرانية الزائدة التي لا تحيل إلا إلى عكسها. هذه المجموعة التي أثبت معظم من فيها أنهم خيبة أمل تامة لمن تفاءل بهم، كان يمكنها أن تضع كلام زرازير في حجمه، مجرد نميمة وصلت إلى الجهة الخطأ. تتناساه أو تغض الطرف عنه كأنه لم يكن، لا أن تجنح إلى نظريات مؤامرة مثيرة للشفقة. كان التغييريون وفروا على أنفسهم مزيداً من السخرية والتهكم التي تلاحقهم لا من خصومهم فحسب، بل ممن انتخبوهم وفوجئوا بهم يتخبطون من اليوم الأول لهم في البرلمان، كأنهم ارتموا في البحر ولا أحد فيهم يجيد السباحة.

إنه عجزهم التام على الأرجح، يجعلهم ينشغلون بتفصيل تافه كهذا. لا يلامون على ما لا يستطيعونه. المعضلة اللبنانية باتت عصية على الفهم وفوق قدرة الجميع على الاستيعاب. ولم يبق للعاجزين إلا الثرثرة. وجميعنا عاجزون. وجميعنا نثرثر. في نشرات الأخبار وفي البرامج الحوارية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي هذا المقال. نثرثر فقط. دعوا سينتيا زرازير تثرثر معنا. حقها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها