السبت 2022/11/05

آخر تحديث: 06:59 (بيروت)

العوني الغاضب.. العوني الممل

السبت 2022/11/05
العوني الغاضب.. العوني الممل
أفراد من الحرس القديم في صورة من صفحتهم على فيسبوك
increase حجم الخط decrease

هي جولة نضال أخرى أضافها العونيون إلى سجلهم الحافل بنضالاتهم في البرامج التلفزيونية الحوارية. يأتي العوني منهم مُحتقناً حتى أنفه بالأرز والشموخ والتاريخ. يأتي مستعداً للدفاع حتى الموت عن "القضية"، وحين يكتشف، مرة بعد مرة، أنه بلا قضية، حين يخبره الآخرون أن حجمه الحقيقي ليس ذاك الذي في ذهنه، حين يسمع الرأي البديهي فيه، يستّل الميشال عون الصغير المخبأ في ضميره، ويشرع بالصراخ.

والعوني يظن أن صراخه فريد في طبقته الصوتية، وأن هذا النشاط ليس تقليداً لبنانياً يزاحم التبولة في العراقة. ينفعل ويغضب ثم يصرخ فلا يخرج من وجهه إلا الركاكة. المؤامرات التي تحاك ضده منذ مئات السنين ركيكة. الشعارات الوطنية ممجوجة. ومضجر، بالطبع، التحليل الفلسفي النفسي الاجتماعي للشخص الذي لن يجود الزمان بمثله مجدداً، الشخص الذي لم نر من نبوغه إلا نحو 7.5 بالمئة تقريباً. مضجر. فالعوني الغاضب بات عونياً متوقعاً، وللأسف، بات عونياً مملاً. فبينما لم يفقد الجنرال يوماً موهبته في إضحاك اللبنانيين، حتى في أسوأ أزماتهم، لم يرث العونيون من عون ملكة الكوميديا. ولم يبق لنا من الجنرال إلا هؤلاء التائهين يقفزون بين الشاشات، مرددين رؤية الجنرال المحدودة للعالم، يرمونها صراخاً كي يغطوا على أصواتهم الداخلية التي لا تنفك تعيد عليهم: لا شيء فيكم، وفي جبران باسيل، ما يختلف عمن في وجهكم. مثلكم مثلهم.

لكن لا! للعونيين تاريخ طويل من النضال الذي لن يتخلوا عن اسطوانته المشروخة على الشاشات العدوّة. وها هم، يفتحون الصفحة اليتيمة ذاتها من شموخ ما بعد خروج الجنرال من قصر بعبدا. وقد استعدوا هذه المرة بخط دفاع خلفي طافت صوره وأفكاره على سطح وسائل التواصل الاجتماعي بعد 7 آب الجديد الذي خاضوه في مبنى MTV. الحرس القديم. مجموعة ممن اقتربوا من أزمة منتصف العمر، أو يعيشونها، أو تخطوها، ولم يخرجوا بعد من عنفوان المراهقة السياسية وأغانيها الحماسية. يرتدون قمصاناً قطنية سوداء طبعوا عليها من الخلف اسمهم، الحرس القديم، كي لا يختلط الأمر على اللبنانيين فيظنون أنهم من حركة أمل. يرفعون راية سوداء وحمراء، عليها شارة النصر، ويمارسون نشاطات هي مزيج من رحلات كشفية تأخرت بضع عقود عن موعدها، ومن حفلات شواء في الخلاء، حيث طبيعة لبنان الخلابة هي المكان الأفضل لتذكر مآثر الماضي، والتبحر في علوم الجنرال ميشال عون.

معضلة هذه الفرقة ليس في أنها لا تؤخذ بجدية، حتى لو تحولت إلى فرقة دبكة. معضلتها تكمن في محاولتها إحاطة نفسها بالغموض والإثارة، حيث لا أسماء لها ولا مناصب كما تقول صفحتها على فيسبوك. أنونيموس عونية حصراً، تكون حيث يجب أن تكون، فيحرس أفرادها النضال على ضوء القمر، ويلوحون بعلم لبناني عملاق ويلتقطون الصور والفيديوهات وينشرونها على وسائل التواصل الاجتماعي لبث الرعب في قلوب كل من لا يحب لبنان ويتربص به شرّاً.

الحرس القديم ليس مضحكاً بدوره، بل يثير شعوراً بالتضامن العميق والشفقة على شخص وضع نفسه في موقف شديد الإحراج، كمن يصر على تقليد شخصية، مثلاً ولا ينتبه إلى أن كل الموجودين يتحايلون بكل الطرق لإنهاء مأساة إحراجه لنفسه، رأفة به.

العونيون كلهم باتوا حرساً قديماً. يعملون باصرار على إحراج أنفسهم بهذه المبالغة الشديدة في الدراما السيئة. مشكلتهم أن لا أحد يحبهم بما يكفي لأن ينصحهم بتخفيف هذه الجرعات الزائدة من تراجيديا الطهرانية الوطنية. لا أحد يتطوع لأن يقول لهم إن الحارة ضيقة والجميع فيها يعرف الجميع. ولماذا النصيحة أصلاً، ما دامت لن تلقى إلا مزيداً من الصراخ ومن غرائب الأمور. من الأفضل تركهم لشأنهم، إن انتبهوا أو لم ينتبهوا لا فرق. فحتى هواة النوع ضجروا، ولم يعد هناك من يهتم بهذه الحالة المملة، بعدما غادر النجم المسرح، ولم يجد وريثاً يستحق حمل شعلة الكوميديا من بعده.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها