السبت 2024/04/06

آخر تحديث: 13:29 (بيروت)

عمار شلق.. المكسور المكروه

السبت 2024/04/06
عمار شلق.. المكسور المكروه
increase حجم الخط decrease
في زاوية معتمة من مركز احتجازه، يبكي بحرقة، سيف الحلم (الشخصية التي يؤديها الممثل عمار شلق في مسلسل "عَ أمل"). لم يتوقع أحد أن الرجل المجرم، ذا الملامح القاسية، يبكي، بعد قتل شقيقته اقتصاصاً من هروبها "خطيفة" مع حبيبها. فطوال 25 حلقة، لم يظهر على الشاشة بغير القسوة. إنفعل، غضب، ضرب، ابتسم ابتسامة صفراء، تهادى في مشيته، صرخ، هدد، توعّد.. لكنه لم يبكِ قبل الحلقة 26 من المسلسل.
 

والحزن الذي انفجر بكاءً في عينيه، وعقّد تقاسيم جبينه، وربط حاجبيه، وأظهره مستسلماً على حائط السجن، لا يتقنه إلا ممثل من طراز رفيع. لم يؤدِّ شلق مشهداً تمثيلياً من سيناريو حزين ومثير للسخط والغضب. كان يؤدّي دور رجل مكسور، يلوذ بالوحدة لتلاوة فعل ندامة، بالبكاء. وسرعان ما يتراجع بعد أقل من دقيقة، ليستعيد صلابته برأس مرفوع، وصدر منفوخ، لحظة استقبال المعزين له بوفاة والدته. 

المشهد الثاني كما الأول، لا يؤديه هاوٍ، ولا يفتعله من أتقن التمثيل. هنا أيضاً، لا يمثل شلق. تماهى بالدور حتى الاندماج، فلم يترك مجالاً لتعاطف المشاهدين معه، فبات مكروهاً، منبوذاً، مستفزاً لحقد الناس ضدّه، وتحمّل وزر إرث من ذكورية مقيتة، فجّرت الكاتبة ندين جابر ألمه على الشاشة في مسلسل حقق نسبة مشاهدة عالية جداً في موسم رمضان الحالي، وأثار الحنق في مشهد قتل شقيقته (سيرينا الشامي) ودفنها.

وشلق، في الدور الذي لبسه، لم يعرف وجهه الحياد. يتنقل بين الصلابة والقسوة والندم والانكسار والتحدي والهيبة والهدوء، وأخيراً الحزن، بجديّة فائقة. يتنقل وجهه بين الأدوار. لا يفتعل تعبيراً، ولا تخونه تقاسيمه. وكما وجهه، كذلك أنفاسه وحركة قدمَيه، وسرعة تحريك يديه. يتريث، يضرب، يعنّف، يقتل.. رجل مستبدّ، آتٍ من حقبة بائدة، قد تكون قاسية ومبالغاً فيها، لكنها في بعض تفاصيلها، حقيقية، حتى لو كرهها المشاهدون.. بل إن كرههم هذا دليل على نجاحها.
 

هذا الحشد التعبيري، في وجه واحد، أعاد إنتاج حضور الممثل اللبناني في الدراما الرمضانية. يتربع شلق على رأس لائحة الممثلين اللبنانيين الذين عملوا لسنوات من دون "إدارة ممثل"، وهُمّش بعضهم في السنوات الماضية لصالح ممثل سوري يدور وجهه بين التعابير المحايدة (البوكر فايس) الذي جسده مهيار خصور في "عَ أمل"، وعابد فهد في "نقطى انتهى" من جهة، وبين فتوّة تيم حسن في مسلسل "التاج" من جهة أخرى. 

لا انتقاص من وقع السوريين بتاتاً الذين قدموا أداءات بحرفة بالغة في الدراما المشتركة على مدى سنوات، لكن أداء عمار شلق، يتخطى التصورات المسبقة عن الممثل اللبناني بأنه أقل حرفة، والاعتقادات الخاطئة عن اللبناني بأنه انفعاليّ وممثل، والافتراضات بأن اللبناني غير جذاب في دراما لبنانية نهضت خلال السنوات الأخيرة بنَفَس جديد، عندما وُجِد الانتاج الجيد، والقصة المؤثرة. 

في قصة مثل "عَ أمل"، قد لا ينظر اليها كثيرون على أنها حقيقة، وتبدو غارقة في الفانتازم المؤلم، تتفجر طاقات الممثلين اللبنانيين الذين لم يُثر أداؤهم أي انتقاد أساسي. تدور ماغي بوغصن، بواقعية، بين أحوال متناقضة، من صرخة مدوية عند مقتل شقيقتها، إلى صرخة مكتومة لحظة وفاة أمها، ومن انكسار وراء الشاشة، الى ابتسامة وصلابة وقوة لحظة مواجهة الكاميرا في مشهد تمثيلي لدور مقدمة برنامج مناصر للمرأة. ومثلها، بديع ابو شقرا، وطلال الجردي، وإلسي زغيب، وكارول بوعبود وغيرهم الكثير. الدراما اللبنانية تنهض، بحرفية الممثلين اللبنانيين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها