الخميس 2024/02/29

آخر تحديث: 22:27 (بيروت)

مجزرة الطحين...لماذا وثّقها الاحتلال؟

الخميس 2024/02/29
مجزرة الطحين...لماذا وثّقها الاحتلال؟
increase حجم الخط decrease
لا يخرج فيديو التصوير الجوي الذي نشرته قوات الاحتلال الاسرائيلي لفلسطينيين ينتشرون على مسافة كيلومترات انتظاراً لأكياس الطحين، عن كونه تباهياً بقتل المدنيين، وتلذذاً بشم رائحة الدم. مهّدوا للمجزرة في شارع الرشيد، بتوثيق الاحتشاد طلباً لطعام مفقود.. ثم أغلقوا الكاميرات أمام مشهد اطلاق النار ليستمعوا الى أنين الأطفال، على العتمة.
 

والاحتلال، في المجزرة التي ارتكبها في شمال غزة، اليوم الخميس، وأسفرت عن استشهاد 110 مدنيين، وإصابة عشرات آخرين، وضع الفلسطينيين أمام خيارين: إما الموت جوعاً، وإما تحويل المساعدات الى فخّ، لقتلهم بالرصاص. الاحتلال لا يستطيع استكمال المخطط الأول في ظل الضغوط الدولية، فذهب الى الثاني. خيار القتل أقل كلفة عليه، ولو كان مدموغاً بالدم.


منذ بدء حرب غزة، ليس هناك من يسائل الاحتلال أو يحاسبه على جرائمه. يتصرف جنوده بصلافة، ويتباهون بالقتل. تحرسهم أوامر عليا، أجادت الاستثمار في علاقاتها مع العالم، وتسويق رواياتها لدى النافذين. وترعاهم، في الوقت نفسه، احتفالات اليمين الاسرائيلي بقتل المدنيين. عشرات الفيديوهات لجنود الاحتلال، حظيت بتأييد ومباركة داخلية وخارجية، فيما القيادة مرعية بـ"وحدة ساحات" تبدأ من دعم لامحدود من الغرب، وعجز من العرب، وحياد من شرق آسيا.
 

كان يمكن لمجزرة مشابهة، نفذتها قوات الاحتلال برصاص القنص واطلاق النار من المدرعات، وقصف تكتيكي من المسيرات، أن تحشد العالم ضد الاحتلال، بوصف ما ارتكبه جريمة حرب عن سابق إصرار وترصد.. وكان يمكن لها أن تقطع الدعم عن الاحتلال بالحدّ الأدنى، وإغلاق سبل الحماية الدولية، وسحب السفراء، وربما تجميد اتفاقات السلاح العربية مع الاحتلال، حتى إيقاف الحرب على الأقل. لكن ذلك لم يحصل. ولماذا يرتدع الاحتلال طالما أنه يعرف أن أي اجراء لن يُتخذ.. لا حين ارتكب مجزرة المستشفى المعمداني، ولا لما اقتحم مستشفيات أخرى، ولا عندما احتلّ أحياء وفجّر منازل وجامعات ومساجد ومدارس ومستشفيات. 


يمضي الاحتلال في غيّه، ويضحك لدى مشاهدة رجل عائد بجثة مدماة بكيس طحين. يضحك، حين يوثق الآلاف المنهكين جوعاً في طوابير طويلة على خطوط الانتظار، لاستقبال كيس طحين. يسعده ترصدهم بكاميرات المسيرات، ويضحكه قتلهم واحداً تلو الآخر بمحاذاة عربة طحين. هؤلاء، بحسبه، قتلى مؤجلون.. فليتفنن في قتلهم، واحداً تلو الآخر، وليتنافس جنوده على القتل فيما يحتفون بالأرقام.
 

مجزرة الطحين، هي صورة مختصرة عن المجازر الممتدة منذ 75عاماً. حصلت كل المجازر بالتجزئة، ولم يُوثَّق منها إلا القليل. أما مجزرة اليوم في شارع الرشيد، فهي الاستعادة البصرية لكل تلك التجربة. فيلم وثائقي يختصر، في ساعتين، تاريخاً أسود. أراد التذكير بالبطش، والتذكير بتخاذل العالم الذي لا يطبق ازدواجية معايير، بل اصطفافاً الى جانب القاتل الذي، بحسبه، يجب أن يكون قوياً وبطاشاً. في هذه الحالة فقط، يستحق الحماية الجاهزة تحت الطلب. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها