الجمعة 2024/03/15

آخر تحديث: 00:22 (بيروت)

تنميط الصحافيين في الدراما اللبنانية.. "عَ أمل" وأخطاء بالجُملة!

الجمعة 2024/03/15
تنميط الصحافيين في الدراما اللبنانية.. "عَ أمل" وأخطاء بالجُملة!
تلعب ماغي بوغصن في المسلسل دور مذيعة مشهورة باسم "يسار"
increase حجم الخط decrease
على أبواب مركز الشرطة، يجتمع الصحافيون بانتظار مقدمة البرامج المشهورة، يسار، الآتية للادلاء بإفادتها، بعدما اتهمت رجلاً بقتل زوجته التي كانت عازمة على الظهور معها في إطلالة تلفزيونية. 

يقترب الصحافيون منها للحصول على تصريح، لكنها تلتزم الصمت، ويتكفل منتج البرنامج التلفزيوني معها بمخاطبة الصحافيين، والقول إنها لا تمتلك ما تصرح بها. 

يتكرر المشهد لدى خروج "يسار" (تلعب دورها ماغي بوغصن) من المخفر. لم تدلِ بأي تصريح أيضاً.. ويتكفل المنتج بمخاطبة الصحافيين قائلاً إنها قالت ما يجب أن تقوله أمام المحققين.

المشهدان، هما جزء من مسلسل "عَ أمل" (كتابة ندين جابر واخراج رامي حنا) الذي تلعب فيه بوغصن دور البطولة، فيما يلعب بديع ابو شقرا دور المنتج الذي يرافق المذيعة. بدا الصحافيون "كومبارس"، يتهافتون على تصريح لمقدمة برامج. أي، من المفترض أن تكون صحافية، وتحترم زملاءها، وتحسن مخاطبتهم والتعامل معهم بتقدير واحترام، ويفترض أنها تتقن اللعبة الاعلامية. 

لكن المشهدين لا يصوران ذلك. يفرضان تمييزاً بين طرفين يتشاركان المهنة نفسها. ويبالغ العمل في هذا التمييز المهني، وهو ليس المشهد الاول من نوعه الذي يصور الصحافيين على هذا النحو، علماً أن مشهد تداعي الصحافيين أمام فرع أمني، هو مشهد غير واقعي، ولم يطبق إلا في حالات محددة في لبنان والعالم العربي، وبالتأكيد، لم يطبق في الواقع لملاحقة مذيعة تم استدعاؤها الى المباحث الجنائية للادلاء بإفادتها حول اتهام بجريمة قتل، لا يستند الى أي دليل!

والصحافيون في لبنان، يمكن أن يتداعوا بهذا الشكل، لاستصراح وزير الخارجية الأميركي مثلاً لو حضر الى لبنان، وقد حصل ذلك في آخر زيارة لوزير الخارجية الأميركي الأسبق مايك بومبيو الى بيروت.. وقد يتكرر المشهد تضامناً مع صحافي تم استدعاؤه الى المباحث الجنائية في قضية حريات، مستندة الى دلائل، وقد حصل ذلك في استدعاء رياض قبيسي في السابق عندما تم توقيفه على خلفية ملف الجمارك، وتكرر قبل شهرين في استدعاء رياض طوق. 

لكن قبيسي وطوق، توقفا وأدليا بتصريحات للصحافة. احترما زملاءهما، وقالا ما يفترض أن يقولاه، خلافاً لمشهد مقدمة برامج، قدمت اتهاماً على الهواء المباشر بلا دليل. فلماذا سيتم استصراحها بهذا الشكل؟ ولماذا سيتم التهافت الاعلامي للحصول على أقوال؟ ولماذا عليها أن تتعاطى مع زملائها كنجمة لا تُمس، ولا تدلي بتصريح، وهم متداعون مثل كومبارس في مشهد تمثيلي؟ 

الواقع أن هذا المشهد، ينمّط الصحافيين، ويقدمهم في صورة مراسلين تافهين، لا ينظر المتهم، من أبناء جلدتهم، إليهم، ويتعامل معهم بفوقية، وهو مشهد غير مقبول وغير مبرر، وينمّ عن قصور في النظرة الى الاعلام والصحافيين، وهو خطأ تم ارتكابه في الحلقة الثانية من المسلسل، يُضاف الى خطأ آخر متصل أيضاً بالصحافيين. 

يتمثل الخطأ الآخر في جملة تقولها "يسار" عندما يعاتبها المنتج حول ما قالته. ردت عليه بأن أقصى الأمور أنها ستُحال الى محكمة المطبوعات! ولاحقاً تمثل أمام الضابطة العدلية في المخفر.. كيف تم تركيب هذا المشهد؟ 

مهلاً! محكمة المطبوعات تنظر في قضايا النشر والرأي. وبموجب قانون الاعلام الساري حالياً قبل اقرار القانون الموجود في لجنة الادارة والعدل في البرلمان، تنظر المحاكم الاخرى في ملفات الافتراء والاتهامات بجريمة قتل، من دون دليل، بالتالي، فإن الخلط بين حرية الرأي والتعبير، والاتهامات بحق مجهولين بارتكاب جريمة، غير موفق بتاتاً. 

ثم، إذا كان الصحافيون في المبدأ لا يمثلون أمام الضابطة العدلية، بل أمام قاضي التحقيق بحضور محامٍ، فكيف مثلت في المشهد أمام ضابطة عدلية؟

ينمّ المشهد عن قصور في الاطلاع على ملفات الصحافيين من الناحية القانونية. كان الأجدى توسيع البحث في هذا الموضوع، منعاً للانتقادات أو خرق لجهود كبيرة يبذلها الجسم الاعلامي والحقوقي والتشريعي في البلاد. القليل من التدقيق، وتغيير النظرة تجاه الصحافيين، ضرورة في هذه الظروف منعاً لتنميط المهنة والعاملين فيها، وهم أرقى من مذيعة مفترضة لا ترد على اسئلتهم، في حال ذهبوا للتضامن معها أو استصراحها. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها