"الحلم العربي" نسخة 2024.. أوبريت بلا قضية

في العام 1996، حين أُنتج أوبريت "الحلم العربي"، كانت الدول العربية تعيش أقسى الاختبارات المصيرية. كان العراق تحت الحصار، ولبنان تحت الاحتلال الاسرائيلي وخارجاً للتوّ من حرب نيسان، وفلسطين تعيش خيبة اتفاق أوسلو الذي لم يُنهِ الاحتلال الاسرائيلي للضفة.. لكن القضايا، في ظل وجود زعامات عربية عايشتها، ما زالت حية في النفوس والشوارع. أظهر الأوبريت في ذلك الوقت التزاماً بمشاعر الشارع (بمعزل عن النقاش حول هذه القضية في العمق)، وجسّد تضامناً عربياً بالحد الأدنى مع تلك القضايا والنضالات والمعاناة.

بعد 28 سنة على الأوبريت الأول، لم يبقَ من تلك القضايا المشتركة ما يجمع العرب، على مستوى القيادات على الأقل، وهو ما أنتج أوبريت جديداً، يحاول الاستثمار في نجاح الماضي، ويقدم خطاباً جديداً على مقاس فئة تقفز فوق الحاضر العربي المأزوم الواقع بين المذبحة الفلسطينية، والشتات السوري، والهزيمة اللبنانية، والتشظي اليمني، والاقتتال العراقي، والانتكاسات المعيشية في مصر وتونس وغيرها.. فئة تروّج لآمال عربية، وهنا مثار الخطأ في التوقيت، رغم مشروعية ما تسعى اليه. 

كان يمكن للأوبريت أن يقدم سرديته المجتزأة، قبل 7 اكتوبر وما تلاها من تداعيات ومعاناة. عندها، كان يمكن أن يكون مقبولاً بالنسبة للبعض، ولو أنه كان سيتعرض لانتقادات طفيفة، من نوع إبراز عالم عربي منقسم في الأولويات والهموم، وهو أمر واقع فعلاً، وحقيقة لا يمكن تجاهلها ولا تخطيها لأن الهم العربي تبدل حكماً، ولم يعد هناك ما يجمع العرب على قضية بعد رحيل جيل من القيادات عاصر النكسات ودعم المقاومة الفلسطينية وبقي ملتزماً بالقضية العربية حتى الوفاة. 

لكن تقديم الأوبريت في هذا الوقت، بالتزامن مع مذبحة غزة، وضبابية اليوم التالي للإبادة الجماعية الاسرائيلية، وهواجس "ترانسفير" جديد، تظهر أن صنّاع الأوبريت منفصلون عن الواقع. يروجون لأمل لا تتشاركه الشعوب العربية، فأنتج إحباطاً جديداً ينطلق من فكرة أن التعويل على العرب لإنقاذ فلسطينيي غزة من المذبحة، هو ضرب من خيال، بينما التصورات حول وجود قضية مشتركة، لا تتخطى كونها أوهاماً، بدليل ظهور محمد عساف مثلاً، بلا كوفية فلسطينية! 

وبمعزل عن كل تلك النقاشات، فإن "الحلم العربي"، في نسخته الأولى، سرد معاناة العرب وإنجازاتهم ضمن مسار بدأ في العام 1948 مروراً بثورة 1952 المصرية وانتكاسة 1967 والحرب الأهلية اللبنانية وغزو بيروت ومذبحة صبرا وشاتيلاً ومجاعة العراق..  وأعاد التذكير بها. أما النسخة الجديدة، فلا تُصوّر إلا مُغنين مشاركين في الأوبريت. بات هؤلاء "القضية المركزية".

خطورة التصوير الجديد، أنه يختزل الأمل في الترفيه، ويختصر حلم الإرتقاء في مجموعة فنية تبتسم أمام الكاميرا، وتنشر إنجازاتها في "تيك توك" و"انستغرام" لحصد الإعجابات! كان يمكن الابتكار أكثر، بتصوير الأمل في الاوبريت على شكل صعود إلى الفضاء، وهو حدث فعلاً.. أو بناء مفاعل نووي مدني لأهداف سلمية، وهو موجود حتماً.. أو حتى إبراز مبدعي العرب في العلوم والتكنولوجيا والطب، وما أكثر حضورهم في وسائل الإعلام الأجنبية...

بدا أن أوبريت 2024 أُنتِجَ على عجل، لإظهار الفوارق في الاهتمامات والأولويات، ولملء الشاشات ومنصات التواصل ببديل تفاعلي حول ما يجري في غزة. تم إخراجه من سياقه، فبدا بلا لون عربي، وبلا طعم قومي، وبلا رائحة ارتقاء.. ولن يبقى منه إلا الجدل الذي أثير حوله، رفضاً أو قبولاً، أو انشغالاً بانضمام مغنين آخرين مثل بلقيس فتحي ومحمد عساف و"أبو"، وغياب آخرين مثل نبيل شعيل وديانا حداد وذكرى ونور مهنا ولطفي بوشناق وسمية حسن... 

ويشارك في النسخة الجديدة من "الحلم العربي" 2024، فريق عمل الأوبريت الأصلي مثل الشاعر الغنائي مدحت العدل، والملحن صلاح الشرنوبي، لكن مع توزيعات جديدة ومختلفة قدمها المؤلف والموزع الموسيقي ميشال فاضل.

وباتت النسخة الجديدة قصيرة الى مستوى 4 دقائق ونصف الدقيقة، وتم حذف بعض المقاطع وإضافة مقاطع جديدة، والجُمل أصبحت أقصر لاختلاف الإيقاع عن العام 1996.

وشارك في الأوبريت الجديد عاصي الحلاني، وصابر الرباعي، وبلقيس، ومحمد عساف، وماجد المهندس، وأبو، إلى جانب فنانين شاركوا في النسخة القديمة ومنهم أحلام، أصالة، أحمد فتحي، إيهاب توفيق، وليد توفيق وعمر العبدللات.

يُذكر أن النسخة القديمة من  أوبريت "الحلم العربي" كانت من تأليف مدحت العدل وألحان صلاح الشرنوبي وحلمي بكر، وتوزيع حميد الشاعري، ثم تم تحديث الأوبريت في العام 1998، قبل أن يتم تقديمه في حفلة كبيرة أقيمت في ساحة الشهداء في بيروت.