الثلاثاء 2023/09/26

آخر تحديث: 20:53 (بيروت)

ماذا يعني أن تكون لاجئاً متهماً بالاغتصاب في لبنان؟

الثلاثاء 2023/09/26
ماذا يعني أن تكون لاجئاً متهماً بالاغتصاب في لبنان؟
(تصوير: محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease
لا كلام يقال في جريمة الاغتصاب في صبرا، لكن لا بدّ من مراجعة سريعة لحدث يمهد لانقسام حادّ داخل مجتمع، ولو ظهرت براثن شاذة ومدمرة. الموقف واضح: لا يُسامح على "الاغتصاب" من دون مواربة ولا مسايرة وسط صمت المعنيين وتساهل الجهات المسؤولة عن التوقيف والتحقيق في مثل هذه القضايا.

وأقل ما يقال أن الاغتصاب من أفظع الجرائم، وتزداد الجريمة الفظاعة عندما تكون جريمة مدبرة لطفلة قاصر من قبل امرأة، من المفترض أن تكون الحامية، والمدافعة الشرسة، والمنادية بحقها كما حق كل امرأة في مثل هذه الحالة. 

هو أمر لم يعد مستغرباً في وضع باتت فيه كل الوسائل "مشروعة"، بما فيها الاستغلال من أجل كسب المال وان كان رخيصاً، ولا ينفع اعتبار الوضع المعيشي في هذا السياق مبرراً للسقوط في مثل هذه النجاسة الأخلاقية والجرمية. 

جريمة الاغتصاب التي حصلت، مدبرة، ومطبقة، ومصوّرة. كلمات ثلاث لا تعبّر عن حجم الواقعة فحسب، وانما تشير الى مدى تطبيع أفراد من المجتمع مع "الوحشية"، لا بهدف ممارستها فحسب، وانما التلذذ بها في الوقت الحالي والمقبل، واستغلالها لتحقيق منافع أكثر وحشية من الظاهر. 

والمجتمع الذي نتحدث عنه، لا يقوم على فكرة المواطن وحده، وانما على كافة المكونات الموجودة على أرض معينة وإن تفاوت السكان في الواجبات والحقوق. وما زال السجال قائماً حول ماهية هذا المجتمع الذي ما عاد بالنسبة للبنانيين، مجتمعاً ذا هوية جامعة، وإنما صار أشبه بمجتمع تحول الى "مرتعٍ" لمجتمعات بديلة. 

والحزن الممزوج بالدهشة، وحده قادر على توصيف حالة اللبنانيين وغيرهم ممن عبّروا عن استنكارهم، سواء في وسائل التواصل الاجتماعي، أو في الأحاديث اليومية. لكن الموقف الانفعالي الرافض لمثل هذه الجرائم المشينة، غير كافٍ للحد منها، وإن كان ضرورياً، بل ربما يصير في تماوجاته أشبه بانعكاس لمشكلة جديدة تقوم بتحويل الاهتمام من القضية الحالية الى أخرى تبحث عن دلائل وشواهد وتبريرات لتقديم الطرح على أساس واقعي وعقلاني ووقائي لاسترجاع وحماية المجتمع اللبناني من "الدخلاء" عليه. 

بصريح العبارة، نتحدث هنا عن التعامل مع الجريمة على اعتبارها دليلاً دامغاً، يعلل كافة الممارسات التمييزية بحق السوريين والفلسطينيين، لتغدو هذه الممارسات أمراً مباحاً، لا يستحق أن يوضع في خانة التمييز أصلاً.

تُضاف الى سجل النازحين جميعاً في لبنان جريمة جديدة، يحملون عبئها ولو كانوا يرفضونها رفضاً قاطعاً. فالموقف العام مما يحصل، لا يتأتى من فظاعة الجريمة ومرتكبها فقط، لكن أيضاً من الجنسية التي يحملها. فيغدو الرفض الشرس، ليس للفعل ومرتكبه حصراً، وإنما لجماعة تتشارك مع المرتكب جنسيته، أو البلد الذي أتى منه. 

هذه هي الصورة النمطية التي تراكمت على مدى سنوات منذ نزوح السوريين الى لبنان، وكانت موجودة منذ تواجد الفلسطينين فيه وتتجدد بشكل متسارع في وسائل التواصل الاجتماعي مع كل جريمة يثبت أنّ مرتكبيها من هاتين التابعيتين.

فماذا يعني أن تكون غير لبناني في لبنان؟ ما عاد أن تكون أوروبياً أو أميركياً بالطبع. يعني أنك تحمل في سجلك كل الجرائم التي ارتكبها أسلافك، من دون أن تحظى بفرصة لتقدم نفسك على ما أنت. يعني أنك متهم قبل أن ترتكب الفعل، ولو كان الفعل لا يخطر في بالك ولا يحاكي قناعتك. يعني أنك لص محتال، ومهرب مخدرات، ومغتصب من دون رأفة، وميسّر في شبكة دعارة، وقاتل بالشريط والسكين وما أتيح لك من أدوات، وإرهابي يتلطى بالحياد، وعامل بأجر رخيص يزاحم المواطن اللبناني على لقمة عيشه، ومستفيد من المساعدات اللبنانية في ظل معاناة المواطن المستمرة مع تراجع الوضع الاقتصادي.

أنت، كغير لبناني، دائماً في موضع المشكوك فيه، عليك أن تعتذر دائماً، عما فعله غيرك ولم تفعله أنت. ببساطة، أنت السبب في ما آل اليه الحال، وأنت غير مرغوب فيك. 

بالإجابة عن السؤال أعلاه، يمكن أن نختصر عينة كبيرة من المشاعر المختلطة حول وجود السوريين والفلسطينيين في لبنان، غير أن هذه المشاعر لم تتمخض عن حادثة الاغتصاب هذه، وإنما عادت لتضع أصول هذا الخطاب في كل فرصة يظهر فيها "الغريب" عن النسيج اللبناني سبباً في الفوضى واللا-أمان والتقهقر. حيث أنّ مشاعر الصدمة لم تنتقل وحدها الى اللبنانيين مع انتشار هذا الخبر، وانما انتقلت مشاعر الحقد والكراهية والتمييز اتجاه المكون السوري والفلسطيني بأكمله. 

ونحن هنا لسنا في صدد الدفاع عن أحد، وإنما الإضاءة على أن ردّ الفعل المستنكِر لانتهاك صارخ للإنسانية، أي الاغتصاب، قد يتحول الى انتهاك للإنسانية مجدداً، في حال لم يحدد موقفه من الفعل بغض النظر عن جنسية الفاعل. 

هذا، ويميل الأفراد لأن يكونوا عناصر في جماعات تتصارع في الحق والباطل، أو على أحقيتها في الاستحواذ على القوة، وعادة ما تكون هذه الجماعات متقابلة في الآراء، والوجهة، والمعتقدات. ففي السياسية، تحصل التجاذبات في العادة بين الطرفين، وفي الرياضة تحصل التصفيات النهائية بين طرفين، وفي هذه الحالة يبدو اللبناني في موقع الخلاف مع كل من لا يحملون جنسيته، وعلى رأسهم النازحين، ليأتي هذا الحدث، كما غيره من الأحداث المشابهة، في خدمة الظرف السياسي.

ولنكن أكثر واقعية، فالحل السياسي لمشكلة النزوح ما زال قاتماً من حيث الأسلوب والغرادة العملانية، وإن ادّعت التصريحات عكس ذلك. فخطورة خطاب الكراهية اليوم، أنّه يمهد لانقسام مجتمعي لا يقوم على أساس سلّم القيم المتشاركة التي توحد أفراد المجتمع في مواجهة تصرفات جرمية أوّلها الاغتصاب، ونما يبني معكسرات تقوم على الهوية القومية للأفراد بغض النظر عن معتقداتهم. وبالعودة الى مفهوم المجتمع، فإن مثل هذه المشاعر تُنزل صفة الطالح على مكوّن بأكمله (السوري أو الفلسطيني)، وتبرىء مكوناً واحداً (اللبناني)، ما يدفع حالات فردية فيه للقيام بسلوك غير مقبول بعد التخفي بهذه الازدواجية.

من هنا نعلم، أن العمل على الحد من هذه الجرائم لا يستقيم إلا بدعوة كافة مكونات المجتمع للتعاون معاً تحت مظلة الدولة لتكريس الأمان للجميع، للبنانيين وسواهم، ومن دون استثناء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها