السبت 2023/08/12

آخر تحديث: 01:44 (بيروت)

غذاء الروح...غذاء الجسد

السبت 2023/08/12
غذاء الروح...غذاء الجسد
"sweet love" للفنان الأرمني أفيتيس خاتشاتريان
increase حجم الخط decrease
لا أعلم متى بدأ اطلاق الألقاب على الفنّانين والمطربين ولماذا؟
ولا أعلم متى ولماذا يطلقون الألقاب على المطاعم والمحلّات التي تعرض وتبيع المأكولات على أنواعها؟

تنهمر عليّ هذه الألقاب كلّما خرق أذني إعلان عن حفلة لمطرب أو مطربة ممن يحييون حفلات ومهرجانات تنتعش في فصل الصّيف فصل العطلة المدرسية والمهنية، وفي الوقت ذاته فصل تحضير مؤونة الشتاء من أيدي نساء اختصاصيّات في صنعها، يوازيها، كما أظنّ وجود اختصاصيين في تسمية/إطلاق لقب على هذا المطرب أو تلك المطربة.

هو السّلطان/ سلطان الطّرب أو سلاطين الطّرب الّذين تصدح أصواتهم خارج قصر الضيافة الّذي يقدّم لزبائنه كلّ ما لذّ وطاب، وطبعاً يختمها بفاتورة حساب أو فرمان يخلخل ميزانيتنا الشّهرية والسّنوية.

هو القيصر/ الحاكم المطلق الذي ينتهي نقاش العائلة أو الأصدقاء بضرورة حضور مهرجانه، مثله مثل قيصر الغذاء: القمح الذي ننتظره نحو ستة أشهر لنتمكّن من صنع الطّحين أو البرغل: مادّة أساسية وغذاء رئيسي لمخلوقات الكرة الأرضية، بشراً وحيوانات أليفة،  كما الأرزّ الذي لا تساعد جغرافية أرضنا ومناخنا على زراعته. بين هلالين، يستمر استغلال حاجة الشعوب الى القمح في الكمية والسّعر من الدّول المصدّرة، وتتسارع أو تتباطأ المفاوضات في شأنه بين حكومات هذه الدّول تبعاً للظروف اقتصاديّة كانت أم أمنِية.

هي ملكة الأحساس/ تسمعنا أغانيها المفعمة بالمشاعر لتلامس حواسنا جميعها، خصوصاً فيما نتذوّق ملك المائدة: الزيتون الذي لا يجوز خلو مائدة الفقير أو متوسّط الحال أو الغني، منه.

ترقّبوا أسطورة الغناء، ذكراً أو أنثى، والتي عندما نسمع غناءها نعجز عن إدراك الموسيقى والصّوت والكلام، مثلما نعجز عن إدراك ما نتذوّق في مطعم الأسطورة: أسطورة اللّحم أو الدّجاج أو السّمك، أو عند ملك الطّاووق أو ملك البسترما وغيرها من مطاعم تتبارى في جذب أكبر عدد من النّاس في أسمائها وألقابها وخلطة أطعمتها.

هذا ملك الرومانسية الذي يجعل السّامعة تحلّق في فضاء خيالها، لتصبح السندريلا الفائزة بقلب الأمير، يصحبها ألى قصر أبيه/الكينغ للاحتفال بزواجهما على أنغام وأصوات نجوم ونجمات الوطن العربيّ. فيتمايلان في الرقصة الأولى أمام مائدة عامرة بالمأكولات والمشروبات، أوّلها شراب الشجرة الذهبية: الأبو صفير. هكذا يلقبونها في قريتي، الشجرة التي تتبارى القرويات في الاستفادة من أوراقها، أغصانها، زهورها، ثمارها، قشورها والساّئل المعصور منها... وحتى لو تغلغل اليباس إليها، تُقطع وتُستغلّ وقوداً للتّدفئة.

تعالوا شاركونا الفرح والمتعة مع عمالقة الفنّ، ومفردها عملاق: الصفة التي تطلق على طويل وضخم القامة. هل من علاقة بين الضخامة والصوت؟ ولا تنسوا مشاهدة وتذوّق أطول منقوشة زعتر بلدي بري، تم خلطه مع السّماق والسمسم وزيت الزيتون، ليُخبز مع عجينة من طحين القمح ذي الحبة الكاملة، لنتمتّع برائحتها الزكية وطعمها الذي لا يقاوم. منقوشة، يحتاج الواحد منا إلى فارس عربي يمتطي فرساً عربية أصيلة، ليقطع المسافة من بداية أوّل طاولة أعدّت خصّيصاً لهذه المناسبة، وصولا" الى الطاولة الأخيرة.

الزّعتر والزّيتون يبعدان المرض عن الجسد ويمدّان الروح بما تحتاجه من غذاء، هذا ما كان يرددّه جدي وجدّتي رحمهما اللّه. أتذكرهما وهما يتبادلان الأحاديث والخبرات، ويطلقون المديح ويثنون على الجميع أثناء قيامهم بتحضير مؤونة الشّتاء ليتمّ عرضها في بيت المونة بطريقة مرتّبة: على هذا الرف نخبة من الحبوب المنقاة بعناية، وعلى ذاك نخبة من الفاكهة المجفّفة على حرارة شمس الأغنية اللبنانية، وعلى رفّ آخر أوعية خاصّة زجاجية تحتوي على المخلّلات المصنوعة من أجود أنواع الخيار الشّمسي والبندورة البعلية (اسم يطلق على نبتة البندورة التي لا تحتاج الى ريّ بالمياه سوى مرّة واحدة عند زراعتها)، والفليفلة الخضراء الحلوة وغيرها، مثلها مثل جوقة النّخبة من المطربين. وذلك كله في انتظار وفود المصطافين والسائحين لشرائها، وليحس زّائر بيت المونة هذا وكأنّه يزور فندقاً بخمس نجوم، لا ينقصه سوى سوبر ستار العرب، وإذا تَمشّى في حديقتهن سمع أصوات العصافير، وترحَّم على العندليب الأسمر وكوكب الشّرق والشحرورة، متمنيّاً العمر المديد لسفيرتنا إلى النّجوم...

ويتمّ توضيب ما لم يُشترَ من مؤونة الشّتاء مع اقتراب نهاية شهر آب، لنودّع فصل صيف أنفقنا فيه ما ادخرناه بلا حساب، آملين استقبال الصّيف المقبل بخطة مختلفة تبعث الرّاحة والمتعة وتحصيل مبلغ من المال لا بأس به لقاء بيع منتجاتنا البلدية آنفة الذّكر، مع التعهّد بتطوير صناعة وتحضير مؤونة نحتاجها في وجباتنا اليوميّة وعرض أنواع أخرى تضاهي بأهميتها مجموعة كبيرة من أغذية الرّوح والجسد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب