السبت 2023/07/22

آخر تحديث: 21:24 (بيروت)

"بعث أتاتورك": حرب على اللغة العربية في تركيا

السبت 2023/07/22
"بعث أتاتورك": حرب على اللغة العربية في تركيا
الشرطة التركية تزيل يافطات باللغة العربية (يوتيوب)
increase حجم الخط decrease
أعلنت السلطات المحلية التركية ما يشبه الحرب على اللغة العربية في الشارع، بإزالتها كل اللافتات المكتوبة باللغة العربية، سواء على واجهات المحال التجارية أم على زجاجها، في حملات باتت حاضرة في الإعلام عبر التغطية أحياناً والتحريض أحياناً أخرى.

وخلاصة الحملة التركية هي أن كل ما هو عربي "يجب أن يزال، فتعود البلاد كما أرادها مؤسسها" بحسب الصحافي التركي المعارض إمين تشولاشان، حيث تفتعل المعارضة التركية حرباً على اللاجئين العرب، وتحديداً السوريين منهم، من أجل السيطرة على الفضاء التركي العام وتحميل الحكومة ومن خلفها رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان مسؤولية "تفلت الأمور" والتساهل مع اللاجئين، وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية وارتفاع التضخم.

وفيما تستعر الحرب الكلامية في الإعلام التركي وتلامس حدود العنصرية، تجد المعارضة العلمانية ضالتها في افتعال أزمة مع اللاجئين، لا من باب "ضرورة إرسالهم إلى بلادهم" فقط، بل من باب إزالة كل ما يدلّ على وجودهم.

هذا المنحى الذي تنتهجه المعارضة التركية يبدو أقرب إلى أداة تحريضية تحضيراً للانتخابات البلدية القادمة في آذار/مارس العام المقبل، حيث تقدم المعارضة نفسها كـ"مخلص" للشعب التركي من اللاجئين، فتحمّل الحكومة والحزب الحاكم مسؤولية سوء الأحوال في تركيا، وتقدم نفسها، في الوقت نفسه، بديلاً عنهم.

وهنا، تلعب البلديات الموالية لحزب "الشعب الجمهوري" العلماني المعارض دوراً أساسياً في "مكافحة العربية"، ومنها بلديات اسطنبول وبورصة ومرسين وغيرها. تُرسَل الشرطة البلدية وأحياناً قوات مكافحة الشغب إلى المتاجر السورية والعربية، وتقوم بتمزيق أو إزالة كل ما هو عربي عن واجهات المحلات، من دون أن تنسى البلديات إرسال مراسل وكاميرا مع الشرطة "لتوثيق اللحظة" ونشرها في الإعلام.


والحال أن السوريون في تركيا يملكون حوالي 15 ألف شركة بحسب وزيرة التجارة السابقة روهسار بيكتجان، وهي شركات صغيرة ومتوسطة تأسست منذ العام 2011، تاريخ بداية الثورة في سوريا وتدفق اللاجئين إلى تركيا. معظم هذه المتاجر تستهدف الزبائن العرب، فيكون مالك الشركة عربياً، مع شريك تركي غالباً، ويبيع منتجاته للعرب بشكل عام، فيكون من المنطقي أن يتم استخدام بعض الكلمات الترويجية باللغة العربية على واجهات المتاجر.

استفز ذلك المعارضة التركي ورأت فيه "انقلاباً على ثورة الأبجدية التي أحدثها مصطفى كمال أتاتورك، عندما جعل من اللغة التركية الحديثة العام 1928 وحدها اللغة الموجودة والمتداولة في البلاد، فيما تغزو الأسواق الآن الأحرف العربية، ويسيطر السوريون والعرب والآسيويون والأفارقة على الشارع، وتم إلقاء اللغة التركية في القمامة"، بحسب تعبير تشولاشان.   

أما بلدية مرسين ومدير شرطتها حسين سولاك فكان أكثر عنصرية من أقرانه بأشواط، حيث قال أن قواته "تدخلت من أجل ضمان عدم تلوث الشارع ومن أجل تأمين الاستخدام الصحيح لتركيتنا". فيما تستند هذه البلدية وغيرها على "قانون الأبجدية التركي رقم 1353"، وهو القانون الذي أقره البرلمان التركي العام 1928 ويعاقب من يستخدم غير اللغة الرسمية على الأراضي التركية، ومازال ساري المفعول حتى اليوم.


بدوره، يساهم الإعلام التركي المعارض في "نفخ الهواء على النار"، فيتابع عملية إزالة اللغة العربية عن واجهات المتاجر، كما يدل على تلك التي مازالت موجودة. ويلعب رئيس "حزب الظفر" القومي المعارض اوميت اوزداغ  دوراً إعلامياً في تسعير الخطاب العنصري والتحريض على اللاجئين، وتكراره القول بـ"ضرورة طردهم بالقوة من بلادنا لأن تركيا تحوّلت إلى مدينة ملاهي للعالم".

أمام هذا الضغط المعارض، لم تجد الحكومة التركية بديلاً لتهدئة النفوس غير تكثيف العمليات الأمنية لاعتقال من لا يملكون أوراقاً ثبوتية صحيحة، خصوصاً في مدينة إسطنبول وولايات غازي عنتاب وأورفا. وعند اعتقال من لا يملكون أوراقاً صحيحة، يتم نقلهم إلى مراكز تجمع اللاجئين، فينتظرون لحوالى خمسة أيام ريثما يتم التحقيق معهم وإرسالهم إلى شمال سوريا. هذا التشدد الجديد مع اللاجئين يعود إلى حملات المعارضة ضد السياسات الحكومية "المتراخية" تجاههم، كما إلى رغبات وزير الداخلية التركية الجديد علي يرلي-كايا صاحب الميول القومية، وغير المحب للاجئين.

وهكذا، تسعى المعارضة التركية إلى إعادة بعث أفكار أتاتورك، مطلقة حملاتها ضد اللاجئين واللغة العربية على حدٍ سواء، فيما تجد الحكومة نفسها أمام تحدٍ حقيقي في كيفية المحافظة على سياساتها الإنسانية تجاه اللاجئين من جهة، وتهدئة نفوس مواطنيها الأتراك من جهة أخرى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها