الإثنين 2023/05/15

آخر تحديث: 21:25 (بيروت)

الاستراتيجية الإعلامية الأردوغانية: ذكاء المضمون وقصور الأسلوب

الإثنين 2023/05/15
الاستراتيجية الإعلامية الأردوغانية: ذكاء المضمون وقصور الأسلوب
increase حجم الخط decrease
يَستشف المتابع للانتخابات التركية أن هناك مشكلة ما في الحملة الاعلامية للرئيس رجب طيب إردوغان، حيث بدا خطابه مضطرباً ولم يُسمع صداه في وجدان كثير من الأتراك. وعلى عكس المرات السابقة، واجه أردوغان قصوراً في الحملة والنتائج، فلم يستطع تحقيق الفوز السهل في الانتخابات الرئاسية التي ستُخاض لها جولة ثانية في 28 أيار الجاري، رغم نيله مع حلفائه اليوم أكثرية مريحة في مجلس النواب.

وصحيح أن أردوغان حصد أصواتاً أكثر من منافسه العلماني، كمال كيليجدار أوغلو، إلا أن السهولة التي كان يحقق إردوغان بها الفوز من الدورات الأولى، أصبحت من الماضي. وبات عليه الآن العمل على حملة جديدة تحضيراً للجولة الثانية من الانتخابات في 28 أيار/مايو أملاً في أن يبقى رئيساً خمس سنوات إضافية.

وارتكزت الاستراتيجية الإعلامية لإردوغان وحزبه على أربعة أركان محددة ومصاغة بشكل ذكي، إلا أن أساليبها كانت تقليدية إلى حد كبير. وبدت وسائل التواصل الاجتماعي ميّالة إلى خصوم أردوغان بشكل واضح، قبل أيام من موعد الجولة الأولى من الانتخابات. ولم يُعدّ الحزب الحاكم كثيراً من الفيديوهات الهادفة كما كان يفعل في الماضي، ولم ينفذ حملات حزبية مبتكرة لتصل أصداؤها إلى العالم، بل اقتصر الأمر على حملة دعائية عادية، لا تجديد فيها ولا حداثة، ولا ابتكار في أساليبها.


أما مضمون تلك الأركان، فكان ذكياً جداً، لأنها تقوم على بث سلسلة من السرديات بين الجمهور وتكرارها بشكل كثيف من أجل اقناع الناس بها. وقام الركن الأولى على التركيز على شخصية إردوغان وأعماله التي قدمها خلال حُكمه. ففي كل خطاب وجهه إردوغان أو أعضاء حزبه إلى الجمهور، تم التركيز على أعمال رئيس البلاد الإيجابية الكثيرة، مثل شكل المدن والقرى قبل وصوله إلى الحكم، ومقارنتها بالزمن الحالي. أراد إردوغان تذكير مواطنيه بأن وجوده في السلطة من جديد مفيد لهم، وأراد تعريف الجيل الجديد والناخب للمرة الأولى كيف كانت عليه الحياة قبل وصوله إلى السلطة.


أما الركن الثاني، فكان بث الروح القومية بين الأتراك، من أجل التعتيم على الوضع الاقتصادي الصعب الذي لم يذكره أردوغان إلا بشكل خفيف من دون أن يطرح حلولاً له، بل راح يستحضر الروح القومية بشكل ملفت قبل الانتخابات. لذلك، تم طوال الشهر الماضي إدخال حاملة طائرات محلية الصنع في الخدمة، وإطلاق سيارة "توغ – Togg" الكهربائية التركية، والإفراج عن أنواع جديدة من طائرات "بيرقدار" المسيّرة، وإطلاق قمر اصطناعي تركي. واجه إردوغان القصور في الاقتصاد عبر الرفع من شأن الشعب التركي واللعب على افتخارهم بإنجازات بلادهم.


من ناحية أخرى، ركّز خطاب أردوغان على البُعد القيمي والإسلامي، وهذا هو الركن الثالث. ذكّر الرئيس التركي الجمهور بأنه يحمل أبعاداً قيمية، وأن لديه رؤية محافِظة لشؤون المرأة والعائلة، كما أنه يرفض إعطاء أي حقوق للمثليين، ويؤكد على أهمية التعليم الديني ودور رجال الدين في المجتمع، مسلطاً الضوء على رؤية خصمه المناقِضة في هذه الشؤون. وكان ذلك محاولة لاستمالة الطبقات الفقيرة والريفية وسكان ضواحي المدن، كما أصوات النساء وكبار السن وجماعات الطرق الصوفية.

أما الركن الأخير، فكان استهداف فئات محددة من الأتراك. فالرئيس التركي زاد الحد الأدنى للأجور مرتين خلال الشهر الحالي، كما ثبّت وظيفياً عشرات الآلاف من الأساتذة، وافتتح أنفاقاً ومستشفيات ضخمة ومرافقاً حيوية في الكثير من المدن التركية.

والحال أن مضمون الاستراتيجية بدا ذكياً ومصيباً في الكثير من النواحي، لكن أسلوب إيصال هذه الاستراتيجية كانت تقليدياً بالاعتماد على أدوات الماضي، ما أفقده كثيراً من التأثير خصوصاً بين أفراد الجيل الجديد. ولم تخرج دعاية أردوغان من حيّز الخطابة إلى حيّز الإعلام والتواصل الفعّال. اقتصرت أدوات التسويق والدعاية على الملصقات الإعلانية وبعض الأغاني والمقاطع التمثيلية.


بحسب النتائج، اقتنع كثر من الأتراك بأن شخص إردوغان مهم لدوام أمنهم وتقدمهم كشعب، لكن الكثير من الشباب والناخبين الجدد لم يقتنعوا بالنظرة المحافِظة للرئيس التركي وحزبه. وعلى عكس سكان القرى والأرياف الأناضولية التي صوتت بكثافة لإردوغان، لم يقتنع معظم  الأتراك في المدن الكبرى والساحلية، برسالته، وهم الذين يحملون توجهاً غربياً في القيم يختلف عن القيم المحافظة لأردوغان وحزبه.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها