الثلاثاء 2023/06/27

آخر تحديث: 22:47 (بيروت)

"ملكة جمال الجنوب" تعيد المرأة.. إلى المطبخ

الثلاثاء 2023/06/27
"ملكة جمال الجنوب" تعيد المرأة.. إلى المطبخ
نور البوبو
increase حجم الخط decrease
يعمد البعض الى اعتماد الاستغلال الايجابي، وعادةً ما يتخذ من التنميطات الاجتماعية وسيلة لتحقيق المبتغى. لكن المؤسف أن هذا الاستغلال، ولو كان ايجابياً في الظاهر، فهو لا يكون بهدف الصالح العام، بل على العكس يحمل نوايا أنانيّة تهدف الى تضخيم الأنا والتفاخر بها وتصويرها على أنّها قادرة على فعل "ما لا يمكن فعله". 

في هذا السياق بالتحديد، يعمد الأشخاص إلى تأطير مواضيع "إنسانية" وإظهار "دونيتها" بشكل قاهر ومغلوط من أجل تسليط الضوء على قدراتهم "الخاصة". والحال، أن المرأة دائماً هي التي ترتدي "الطربوش" برضاها أو بغير رضاها.

وفي هذا السياق تحديداً، جاءت "المرأة الجنوبية" لتحمل هذا العبء على لسان المسماة ملكة جمال الجنوب للعام 2023، نور البوبو. وكأننا في استخدام هذا اللقب، من دون أن نقصد، نقع في فخ اختصار النساء الجنوبيات في فتاة حالفها الحظ بأن تحصل على ضجة اعلامية لبعض الوقت. 

هذا ولسنا في صدد مناقشة غاية هذه المسابقات ولا الأثر الذي تحمله، وإن بدت خالية من أي دور اجتماعي ذي تأثير واضح، ما عدا "موضة" التشبيك أمام الكاميرات، ولسنا في وارد تقييم الجمال "الخارجي" للملكة على قاعدة "بلا عملية تجميل أم بدون"، ولا النظر في "بروفايل" المتسابقات المشاركات للتشكيك في صحة النتائج، وإن تلاشت المعايير. 

لكن هذا كله، لا يعني تجاهل "قضية" الفتاة الفائزة التي عبّرت عنها بكثير من السطحية وبقليل من التفكير، ألا وهي: "تعزيز دور المرأة الجنوبية الموجودة في بيتها والتي تعتقد أنه ما بيطلع من أمرها شي.. لأ هيي قوية.. قادرة تطبخ وتبيع، قادرة تخيّط وتعلم... لتكون مستقلة مادياً". 


هذه الجملة، وإن بدت للبعض "سقطة سهو" من دون عمد أو قصد بالإيذاء، فهي بالنسبة للكثيرين الذين عبروا عن امتعاضهم في وسائل التواصل الاجتماعي، بمثابة إهانة لكل امرأة جنوبيّة مكافحة داخل البيت وخارجه. وإن أردنا تحليل هذه العبارة التي تحمل تأطيرات تتوارثها الأجيال وسط المجتمعات الذكورية، وصولاً الى هذا الجيل الذي يتغنى "بالعصرنة والحداثة" على عكس ما أفصحت عنه هذه العبارة، فإننا نرى مجموعة من التنميطات المركبة خلافًا لما يعتقد البعض حول بساطة ما قيل.

أولاً، المرأة الجنوبية ليست في حاجة الى منقذ/ة، فالمرأة اللبنانية والجنوبية بشكل خاص خاضت معارك وجودية لإثبات نفسها على الصعيدين السياسي والمهني. 

ثانياً، المرأة الجنوبية ترفض تعميم التنميطات التي تأتي لتنكر كل الإنجازات التي حققتها، وتضعها في خانة سلبية فتبدو وكأنها مهما فعلت أقرب الى "الضحية". 

ثالثاً، المرأة اللبنانية ليست محدودة في الإطار المنزلي الضيق بحسب ما قضى العقل الذكوري. وليس المعيار المثالي أن تصل المرأة من البيت حصراً الى العالمية، قد تصل من عالمها الى العالم. 

رابعاً، المرأة الجنوبيّة وبحسب التجارب التاريخية حتى اليوم، تؤمن بقدراتها، لكنها تحتاج الى وعي مجتمعي ورسمي من أجل تأمين الفرص للاستفادة من هذه القدرات، فالمسؤولية لا تقع على المرأة باعتبارها "عاجزة" أو غير واثقة في نفسها، وإنما على الدولة في تمتين وجودها وحمايتها في ميادين حياتية شتى. 

خامساً، لا عيب في أن تعمل المرأة في الخياطة أو الطبخ، لكن المشكلة تكمن في اقتصار أدوار المرأة على هذه الأفعال التي استمدت شرعيتها من النظام الذكوري الذي رأى في تقدم المرأة منافسة له. فالمرأة اليوم هي المناضلة الاجتماعية، رائدة أعمال (بغض النظر عن حجم المؤسسة)، والطبيبة، والصحافية، والمحامية ناهيك عن دورها المثالي والمساند كربة منزل. 

سادساً، أجبرت الأوضاع الاقتصادية المرأة اللبنانية على العمل من منزلها من أجل مساندة عائلتها نظراً لتراجع فرص العمل، لكن المرأة اللبنانية والجنوبيّة لا تطمح في أن يستمر الوضع على هذا الحال.

أخطأت نور البوبو التعبير، بصرف النظر عن النيّة، بمعرفة مسبقة أم بانفعال مندهش، لكن موقعها كـ"ملكة جمال الجنوب" الحالية يحتم عليها مسؤولية أمام الجمهور الجنوبي، خصوصاً أّنّها تتوج باسم هذه البيئة ومنها. فعلى الأقل، كان من الأجدر أن تتسلح بالثقاقة الجنوبية التي لطالما أضاءت على دور المرأة الكفاحي أيام الحرب والسِّلم،  بدلاً من التذرع بـ"تمكين المرأة"، هذه المقاربة التي ما عادت  تحمل انطباعاً ايجابياً نظراً لتعاملها مع المرأة وكأنها حالة متلقية لا أكثر.

لكن يبقى السؤال الحاضر دوماً في تقييم هذه المسابقات، عن أي جمال نتكلم؟ جمال الشكل أم جمال العلم والأدبِ؟ أم عن الإثنين معاً كأفضل الأحوال؟ 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها