الأحد 2023/04/09

آخر تحديث: 02:27 (بيروت)

"الهرشة السابعة" الذي أيقظ تروماتنا

الأحد 2023/04/09
"الهرشة السابعة" الذي أيقظ تروماتنا
increase حجم الخط decrease
كلمات عديدة لم أنطق بها، ومواقف حاولت التظاهر بنسيانها، وسنوات ضيعتها في محاولة إثبات أني جديرة بالحب وأستحقه، سواء في طفولتي أو عشريناتي، ولم أحصل عليه في النهاية... كل ذلك خلال أعوام طويلة، الـ"حكي ما نقال" حسبما تغني رند، استيقظ دفعة واحدة، والسبب هو مسلسل.

قبل أيام أيقظتني من سباتي الرمضاني العميق، منشورات لصديقات عبر فيسبوك عن المسلسل المصري "الهرشة السابعة" الذي يتابعنه بشغف، واللافت كان التعليق المشترك بينهن "صحّى تروماتنا"، والجروح العاطفية التي ظنوا أنها دفنت داخلهن.

قررت مشاهدته وأنا أقول لنفسي "عادي لن يحدث شيء، أنا أقوى من مجرد مشاهد تمثيلية ممزوجة بموسيقى تصويرية"، لكن الحقيقة أنه عندما كان الممثلون يبكون داخل شاشة لابتوبي، كنت أنا أبكي خارجها وأُغرق لوحة المفاتيح بالدموع.

المسلسل يعرض قصصاً لأشخاص في علاقات زواج تمر بتحديات وظروف الحياة. أي شخص سيقرأ الوصف لن يتحمس. لكن الواقعية المحضة فيه، خصوصاً الحوارات، هي التي ستجبر أي شخص على مشاهدته. لكن لماذا أيقظ تروماتي رغم أني غير مرتبطة؟

لا يركز "الهرشة السابعة" فقط على العلاقات الزوجية، بل في الخلفية تبدو العلاقات الأسرية واضحة وجلية. ويظهر الفرق في وجود أبوين منفصلَين لكنهما متفاهمان وصديقان وهما نموذج "ماجي" و"هلال"، بالمقارنة مع أبوين لا تنتهي مشكلاتهما حتى بعد الطلاق وهما "إبراهيم" و"هناء"، إضافة إلى العلاقات الرئيسية بين كل من الزوجين شريف وسلمى، وآدم ونادين.

أقول لصديقاتي: "كأن مؤلِّفات هذا العمل، ولحسن حظنا أنهن جميعاً نساء، جالسات داخل بيوتنا، فلا يمكن لأحد أن يصف بدقة مشاعر أن تكون شخصاً هامشياً في حياة أحدهم، إلا إذا كان هو ذلك الشخص، هو ذلك الأحدهم". وهن يوافقونني الرأي، كذلك تخوفاتنا ونوبات الذعر التي تصيبنا مثلاً عند ذِكر أمر الزواج أو الإنجاب.

أول ما أيقظت الأحداث بداخلي، كانت ترومات الطفولة. كطفلة لم أشعر أني كافية لأحظى بحب والديَّ. لم أكن الطفلة الأولى لأحظى بالفرحة الأولى في كل شيء واهتمام أسرتي الصغيرة والعائلة الكبيرة أيضاً. ولم أكن متفوقة مثل شقيقتي الكبرى. كنت دوماً محل مقارنة من الجميع، العائلة، الجيران، والمعلمين، وحتى البقال، أي شخص يعرف أسرتي. ولم تتوقف تلك المقارنة حتى بعدما اخترت مساراً تعليمياً ومهنياً واجتماعياً مختلفاً عن مسار شقيقتي الكبرى، وأي إنجاز أحققه يكون أمراً عادياً طالما أنه ليس ما ترجوه العائلة مني.

الحب تركيبة معقدة ومتشابكة ومترابطة للغاية، وأحمد الله أني نجوت منه مراراً بأعجوبة. إذ أصل إلى النقطة مفسها دوماً، أني لست كافية ولست أولوية لدى أحد، آتي دائماً في مرتبات متأخرة. سأكون محظوظة إذا كنت في المرتبة الثانية، لكن ذلك لم يحدث إلا نادراً، ولم أكن الأولى أبداً. ذلك الجرح العميق الذي لم أستطع التخلص منه ولا تجاوزه، رغم سنوات من العلاج النفسي.

مرة يراني حبيب محتشمة بشكل زائد عن الحد، وآخر يراني متحررة ومنفلتة، وثالث يرى أن "والديه، ثم عمله، ثم أصدقائه أو لنقل بالأحرى صديقاته" أهم، ثم آتي أنا، وهكذا.

تبكي صديقاتي في الجروبات الخاصة في فايسبوك، حينما يعدن نشر مقتطفات من حوار في المسلسل، سواء كن ما زلن متزوجات أم منفصلات، ويشرن إلى أن تضحياتهن لا تُقابَل أبداً بالتقدير. وأبكي أنا الأخرى في الزاوية، لأني قدمت أيضاً تضحيات وتنازلات في كل علاقة كان قوامها الحب، ارتباط عاطفي أو صداقة أو علاقة أسرية، لكن حلقة مفقودة ما تؤدي إلى فشلها في النهاية، وعلى رأي إحدى البلوغرز: "لما تركبي قطار التضحيات هتلاقي في المحطة الأخيرة حد بيقولك إن ما حدش طلب منك ده".

كنت أظن أني "أقدّم السبت حتى ألقى الأحد"، فيفرط معي الأسبوع كله، من دون أن أجد أي مقابل، وفي النهاية ينتهي ما عندي لأقدمه من دون أن أحصل على شيء في المقابل... "وأعود لطاولتي لا شيء معي إلا كلمات".

أكثر المشاهد المؤلمة التي وجدت نفسي فيها، ليس مشهد المعاتبة بين الزوجين آدم ونادين قبل طلاقهما، وقد أغرق الفايسبوك وهما يتعاتبان على سنوات من عدم التفاهم بينهما. لكنه كان مشهداً آخر، حينما أحضر آدم حبيبته الجديدة بعد انفصاله عن نادين إلى تجمع الأصدقاء، والذي كان مقرراً أن تحضره نادين بالضرورة لأنها "شلّة الجامعة".

تلك المعضلة التي جعلت نادين، حينما علمت في الهاتف من صديقتها بحضور الحبيبة الجديدة، رفضت هي الحضور، ثم غيرت رأيها في ما بعد وذهبت. وبدا ارتباكها في وجود الحبيبة الجديدة، لكنها أظهرت قوتها المفتعلة أمام الجميع. أما في البيت، فانهارت في بكاء مرير. كل تفاصيل ذلك المشهد عشتها، حرفياً، حيث اضطررت إلى حضور تجمع يجمع حبيباً سابقاً في وجود حبيبته الجديدة، وأظهرت القوة نفسها، وكأن حالتي "عادي إتس أوكي إيزي"، لكنها لم تكن أوكي ولا إيزي عند اختلائي أخيراً بنفسي. حتى تلك السكتة الخفيفة البسيطة التي أجادتها نادين (أمينة خليل) حينما سكتت للحظة وظنت أن شحنة البكاء داخل قلبها المكسور انتهت، لكنها كانت أشبه بجسر بين بحرَين. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها