الثلاثاء 2023/04/11

آخر تحديث: 16:38 (بيروت)

الدالاي لاما متحرشاً بصبي...لو كان المشهد في "نتفليكس" لحُذِف!

الثلاثاء 2023/04/11
الدالاي لاما متحرشاً بصبي...لو كان المشهد في "نتفليكس" لحُذِف!
increase حجم الخط decrease
رجل بالغ من العمر 87 عاماً يطلب من صبي لا يتجاوز عمره 7 سنوات على أفعال شبه جنسية أو ذات إيحاء جنسي أمام الكاميرات. لعله عنوان يصلح لفيلم إباحي يحلم المنحرفون بإيجاده في "الإنترنت المظلم"، لكنه في الواقع فيديو حقيقي من بطولة الدالاي لاما، القائد الأعلى للبوذيين التبتيين، وأحد أبرز رجال الدين المعاصرين. والفيديو، بعد إحداث الدهشة والاستنكار وصولاً للاشمئزاز الذي يصاحب أخباراً من النوع هذا بخصوص رجال دين من الطوائف والديانات كافة، يعيد هذا الفيديو التذكير بسؤال جوهري عن معنى تقديس رجال الدين في القرن الحادي والعشرين، رغم كل المشاكل التي تصدر عن بعضهم، ومهما كان الدين الذي يبشرون به، ومهما كان الإيمان الذي يدّعون تمثيله على الأرض.

وفي الفيديو، دعا الزعيم الروحي البالغ من العمر 87 عاماً، الصبي مجهول الهوية إلى خشبة المسرح في الهند، وأشار إلى خده وقال: "هنا أولاً"، ما دفع الصبي إلى عناقه وتقبيله، قبل أن يشير الدالاي لاما إلى شفتيه، ويقول: "هنا أيضاً" ثم سحب ذقن الصبي وقبله في فمه وقال له: "مُصّ لساني". وأثار ذلك ردّ فعل عالمياً، في العالم الغربي تحديداً، بسبب الصدمة التي يحدثها الفعل البيدوفيلي في مجتمعات متقدمة ترفع شعارات حقوق الإنسان بما في ذلك حقوق الطفل.

وقاد ذلك إلى اعتذار رسمي صدر عن الدالاي لاما، قد يكون أسوأ من الفعل المنحرف نفسه، وجاء فيه: "غالباً ما يمازح قداسته الأشخاص الذين يقابلهم بطريقة بريئة ومرحة، حتى في الأماكن العامة وأمام الكاميرات". ولم يكن ذلك البيان المخجل ليصدر لولا الغضب العالمي وتركيز وسائل الإعلام الدولية عليه، علماً أن الفيديو سُجّل في شباط/فبراير الماضي، ولم يصل للغرب إلا بعد نحو شهرين، ما قاد إلى عدم إمكانية تكذيب القصة لأنها جرت أمام الكاميرات وفي العلن. ورغم ذلك، كان هناك ارتكاز على هالة القدسية التي يتمتع بها الدالاي لاما، كأي رجل دين آخر، لتبرير الفعل وقلب الصفحة على القصة نحو النسيان.

الغضب كان واضحاً في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن باللغة العربية كانت هناك مزايدات من باب أن الفيديو يثبت انحراف "الكافرين" عن "الفطرة" الصحيحة، حيث يتناسى ذلك المنطق الأعوج عمداً أن حالات التحرش بالأطفال من قبل رجال الدين تحدث في كافة المجتمعات، بما في ذلك المجتمعات المسيحية واليهودية والمسلمة. وظهرت خلال السنوات الماضية، خصوصاً بعد حملة "مي تو" العالمية، قصص لأفراد من الجنسين، رفعوا أصواتهم للحديث عما جرى لهم في مساجد وأديرة ودور أيتام وحلقات تعليم ديني وغيرها، من تحرش مروع وصل إلى حد الاعتداء الجنسي.

والجدال نفسه يبقى حاضراً في كل مرة تنتشر فيها تقارير عن جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال في الكنائس الكاثوليكية، رغم أن الفاتيكان، يبقى متقدماً على بقية المراكز الدينية الكبرى باعترافه على الأقل بوجود تلك التجاوزات وسعيه نحو المحاسبة وفتحه لتحقيقات بهذا الخصوص، ولو بشكل مقنن ومضبوط بحيث يرى البعض أنه ذا بُعد رمزي أكثر منه إجراءً عملياً وقانونياً يناسب حجم الظاهرة وعُمقها. أما في بقعتنا من العالم، فيحيل البحث عن إحصائيات أو أرقام أو قضايا موثقة في المحاكم والنظام القضائي، في لبنان وسوريا مثلاً، إلى شبه العدم، مع سعي السلطات عموماً إلى التكتم على هذه النوعية من الأخبار، إلى جانب وصمة العار المجتمعية التي تجعل حتى الحديث الشخصي عن هذه القضايا، صعباً.

ورغم أن رفع الصوت عالياً في قضايا التحرش حاضر، إلا أنه ارتبط بتوثيق العنف الجنسي في دول شهدت اضطرابات وحروباً وغياباً لمظاهر الأمن وغيرها. وحتى عندما كانت هناك حالات تم تسليط الضوء عليها، بسبب ملاحقة أبطالها من قبل السلطات في دول أوروبية، كقضية الأب منصور لبكي في لبنان/فرنسا، كان هناك تبرير ودفاع محليَين عن المتحرشين بوصفهم ضحايا لمؤامرة غربية أو لأفراد مُغرضين، لاستهداف شخصيات بعينها، أو الدين ككل، باسم العلمانية والديموقراطية.

ولو كان مشهد الدالاي لاما الحقيقي هذا، أو أي مشهد موثق لرجل دين آخر، جزءاً من مسلسل خيالي في "نتفليكس" مثلاً، لحدثت جلبة عالمية مع تظاهرات وحملات تطالب بحذف المسلسل ومنعه من العرض. وحصل ذلك جزئياً في قضية الفيلم الفرنسي "Cuties" العام 2020 الذي أثار غضب المحافظين في الولايات المتحدة حينها قبل أن يمتد ذلك الغضب إلى الشرق الأوسط، باعتبار أن المسلسل متسامح مع البيدوفيليا.

وفي القرن الحادي والعشرين، يجادل فلاسفة ومفكرون وكتّاب حول العالم في أن التدين بات عبئاً على البشرية، خصوصاً أن الخلافات الدينية تؤجج الحروب والصراعات، بما في ذلك صراعات الشرق الأوسط، بل وبين أفراد الديانة أو الطائفة نفسها أحياناً. وحتى في القارة الأوروبية، حضرت العصبيات الدينية في تبرير غزو روسيا لأوكرانيا، بأسلوب "صراع الحضارات" للمفكر الأميركي صامويل هنتنغتون.

ورغم ذلك يشهد العالم، منذ ثمانينيات القرن الماضي، تراجعاً في مستوى التدين، مقابل مزيد من التقبل لتبني أفكار تحترم الحريات الفردية. وقالت مجلة "فورين أفيرز" في معرض ردها عن السؤال المتعلق بسبب عزوف الناس عن التدين حول العالم تدريجياً، بأنه عندما حقق المجتمع مستوى عالياً من الأمن الاقتصادي والبدني نشأت الأجيال الشابة على اعتقاد أن هذا الأمان أمر مفروغ منه، ما أدى إلى تراجع المعايير المتعلقة بالخصوبة التي كان الدين يحددها في السابق ضمن نظام اجتماعي قديم محدد بعاملين هما ارتفاع معدل وفيات الرضع وانخفاض متوسط العمر البشري. ولهذا أصبحت الأفكار والممارسات والقوانين المتعلقة بالمساواة بين الجنسين والطلاق والإجهاض والمثلية الجنسية، تتغير بسرعة حالياً، بشكل يخفف من مستوى التدين لأن الأديان الكبرى لا ترحب بمثل هذه الأفكار.

من هنا، يمكن فهم الإصرار على خلق الطوباوية الدينية في الثقافة الشعبية المشرقية، بما يقتضيه ذلك من تكذيب للأخبار الصحافية والقصص الموثقة عن انتهاكات رجال الدين. وتتم تغذية تلك الطوباوية عبر المسلسلات الدرامية ووسائل الإعلام التي تتحكم فيها حكومات وقوى محلية، متجاهلة الأذى النفسي الذي يلحق بالضحايا في حال حصول انتهاكات على شاكلة ما ارتكبه الدالاي لاما اليوم، ناهيك عن فكرة المحاسبة والعدالة، وغياب الدعم والمتابعة لقضاياهم فضلاً عن تحميلهم المسؤولية واللوم. وحتى عند محاولة تقديم صورة سلبية لرجل الدين، يتم إلحاق ذلك بصفات أخرى مثل الخيانة للوطن والعمالة لدول أجنبية وغيرها، بشكل أعم، ضمن سياق المؤامرة أولاً واحتكار صفة القداسة الدينية لرجال الدين "المَرضِي عنهم" ثانياً، كما يُلاحظ بوضوح في مسلسل "عندما تشيخ الذئاب".

ورغم أن البيدوفيليا قد تكون الأفجع، إلا أنها ليست السلوك السلبي الوحيد الآتي عن رجال الدين كطبقة "طفيلية" في المجتمعات المعاصرة، يأتي نفوذها من إمكانية وصولها للأفراد على مستوى "روحاني" وشرعي وقضائي واجتماعي، تحتاجه السلطات السياسية عموماً. إذ تصدر يومياً عن رجال الدين شتى أنواع خطاب الكراهية ضد النساء والمثليين جنسياً وغير المؤمنين، وتتم باسم الأديان ملاحقة الأفراد لمجرد وجودهم.. ولعل نموذجاً واضحاً على ذلك هو مانيفستو "الأزهر" الأخير الذي يشرح فيه متى يحق للرجال ضرب زوجاتهم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها