الخميس 2023/03/23

آخر تحديث: 12:53 (بيروت)

حاجِبا منى زكي.. وصديقاتي الثلاث

الخميس 2023/03/23
حاجِبا منى زكي.. وصديقاتي الثلاث
increase حجم الخط decrease
قبل أيام كنت أتصفح الإعلان عن مسلسل منى زكي الرمضاني الجديد، "تحت الوصاية" في فايسبوك. كعادة أعمال زكي الأخيرة، لاقى المسلسل هجوماً كبيراً وجدالاً حاداً في مواقع التواصل. كان أبطال الجدال، حُماة الدين والحجاب، مثلما حدث مع فيلمها "أصحاب ولا أعز".

لم يطاول الهجوم منى وحدها، بل راحت عشرات المنشورات تجمع صور نجمات بالحجاب، وسط اتهامات لهن بأنهن يُسئن إلى الحجاب، وأنهن يردن إبراز المحجبات في صورة بشعة، وكأن الحجاب يجعلهن قبيحات. وهذا الاتهام زائف بالطبع، بدليل شخصيات درامية كثيرة ظهرت ممثلاتها بالحجاب في السنوات الأخيرة وكانت أدوارها إيجابية، مثل هند صبري "الست الجدعة" في فيلم "أحلى الأوقات"، ومي عز الدين الشابة الأنيقة في مسلسل "رسايل"، بل ومنى زكي نفسها في فيلم "سهر الليالي". إلا أن زعم "القُبح" ربما أنصف المحجبات في شيء، وهو أن الحجج الدينية، والتي في الغالب لا إجماع حولها، قد تمنع بعضهن من الاهتمام بجمالهن.

لكن منى زكي طاولها اتهام آخر، ليس فقط بسبب الحجاب، وإنما بسبب الحاجبَين! نعم. ترك حُماة الحجاب والمدافعون عنه، اسم المسلسل، ولم يبحثوا عنه، ولا عن دلالة اسمه "تحت الوصاية"، ومارسوا وصايتهم على طاقم عمل المسلسل، فاتهموهم بالإساءة إلى الحجاب والمحجبات، لأن حاجِبي منى زكي جعلا المحجبة تبدو "بشعة".. وتبارى البعض في اتهامهم بقلة الأخلاق.

"النامصات والمتنمصات"
كمُحجَّبة سابقة، لم أشعر أن ما ظهرت به منى زكي كان مبالغة من ناحيتها أو من ناحية الماكيير. فهي تجسد سيدة مصرية أرملة طحنتها ظروف الحياة، واضطرتها للعمل في صيد الأسماك، وهي مهنة كُتبت عنها تقارير مسبقاً، حيث تقوم النساء في إحدى المدن المصرية بالغطس في النيل بكامل ملابسهن لصيد الأسماك بأيديهن، من أجل أن يعدن إلى عائلاتهن الصغيرة بملابس مبللة وجنيهات قليلة.

الحاجبان السميكان المثيران للجدل، ربما لا يبررهما أن صاحبتهما (شخصية منى في المسلسل) ليس لديها الوقت للاهتمام بها وتشذيبها، وربما يظهر تبريرهما الدرامي في سياق المسلسل الذي سنشاهده في رمضان. لكني، للوهلة الأولى عندما رأيت منى زكي بحاجبيها السوداوين، تذكرتُ صديقات ثلاث، كن شقيقات وقادمات من إحدى الدول العربية حيث تربّين، وكنّ أول مَن عرَّفني بأن "النمص حرام"، وفقاً لما يعتقدنه.

والنمص هو تشذيب الحواجب وتقليل سماكتها. والشقيقات الثلاث ورثن حواجب سميكة سوداء، سواد ليلٍ بلا قمر، وبدت حواجبهن أشبه بحواجب الرجال.

حاوَلَت الشقيقات إقناعي بالعدول عن تشذيب حاجبَيّ. كنّ مقتنعات بأن الأمر حرام، وفقاً لمروية أظنها ضعيفة: "لعن الله النامصات والمتنمصات"، وكانت هذه المرة الأولى التي أسمع فيها هذه الكلمة وأنا في عامي الأول بالجامعة. تلك المرحلة التي جرى خلالها استقطابي من تيارات عديدة مختلفة دينية وسياسية واجتماعية.

شعرة في الحاجب مرتبطة بالقلب
ومع ذلك، فإن الشقيقات الثلاث تحايلن على الأمر، ككل تحايلات النساء على ما يقال لهن أنه حرام. فواحدة منهن كانت تقوم بتشقير ما زاد عن شكل الحاجب الطبيعي، لترسم حدوداً صفراء ببودرة التشقير حول حاجبيها تغطي بها الشعر الزائد، فتبدو وكأنها مرسومة، لكن الأمر لا يدوم سوى أيام، ثم يستعيد حاجباها كامل سوادهما، فتظهر الشعيرات السوداء وسط الصفراء لتشكل ما يشبه رصيف الشارع المطلي حديثاً بالأسود والأصفر.

وأخرى، كانت تزيل الشعر بين الحاجبين وهي مترددة وخائفة وتستغفر الله في كل مرة تزيل فيها شعرة، وهي مقتنعة بأن "تحريم إزالة شعر الحاجب جاء من رحمة الله بنا، لأن إحدى هذه الشعيرات متصلة بالقلب مباشرة وستؤذي القلب فور إزالتها، ولا نعلم أي شعرة تلك، لذلك، خوفاً علينا وتكريماً للمرأة، قيل لها ألا تزيلها". وفي المقابل كانت الشابة مقتنعة بأنه يمكن لزوجها في ما بعد أن يطلب منها قص حاجبيها، وأنها ستفعل ذلك إرضاءً له، وليس إرضاءً لها ولشكلها، فهي مقتنعة أن تهذيب الحواجب قد يكون فتنة للرجال.

يقولون إن لكل شخص كلمات مفتاحية تشبه جرس الإنذار، إذا قيلت أمامه، أثارت في داخله مشاعر قوية، مثل الإحساس بالذنب أو الفقد أو الرغبة وغيرها. أما أنا في تلك الفترة من حياتي، فكانت الكلمات التي ترنّ في نفسي هي: "حرام، نار، يوم القيامة، ذنب.. إلخ"، وبالطبع سمعتها، وداخلني شيء من الخوف، فيما رفيقاتي يبررن أمر حواجبهن محاولاتٍ إقناعي بالعدول عن تشذيب حاجبَيّ أنا أيضاً.

ماذا عن الرجال؟!
ورغم أن الله لم يرزقني بحاجبين كثيفين، إلا أن الخط الواصل بينها كان دوماً سبباً في سخرية بعض الرفيقات في المدرسة مني. فكنت، صغيرةً، أمسك مقصاً أكبر من كف يدي، مُحاولةً قص حاجبيّ وإزالة الخط في المنتصف. مرات عديدة أخطأت وأزلت نصف الحاجب، ولم أذهب للمدرسة حتى لا أثير ضحك زميلاتي، ومرات كنت على وشك أن أفقأ عيني.

لكن، رغم ذلك، لم يجر استقطابي بمسألة الحواجب وعلاقتها بالدين تلك. فكنت أكتفي بالقول إني لا أنمّص حاجبيّ، أنا فقط أهذبهما وأزيل الخط الواصل بينهما. في العام 2023، ثمة فتيات مقتنعات بأن الأمر حرام، ويهاجمن بضراوة نساء أخريات. وقد يكون الأغرب أن رجالاً يتبنون وجهة النظر نفسها، ولا أعلم ما دخل الرجال بحاجبَي النساء.

أعود إلى فايسبوكي، فأتابع الحرب الضروس على منى زكي، وأتساءل: هل يواجه الرجال المعضلة نفسها؟ الجدل نفسه حول حواجبهم؟.. في الحقيقة، لم أسمع أحداً يكفّر رجلاً نمص حاجبيه، رغم أن الأمر بات عادياً هذه الأيام لدى الكثير من الرجال. لم أسمع تكفيراً، فقط بعض صديقاتي اللواتي يتهمن هؤلاء الرجال بأنهم متبشهون بالنساء، "مِنسوِنين" يقلن عنهم، لأن الحلاق يرسم حواجبهم بدقة بالغة بالفتلة والمقص وأحياناً بالحلاوة.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها