الجمعة 2023/11/03

آخر تحديث: 23:11 (بيروت)

نصرالله يتجاوز 2006: أدبيات جديدة للحرب

الجمعة 2023/11/03
نصرالله يتجاوز 2006: أدبيات جديدة للحرب
يجيد "حزب الله" تحديد معالم الحدث، استناداً الى مفرداته، ويقرر وجهته (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
ليس خطاب الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، اليوم، كما غيره من الخطابات السابقة، وإن بدا حشد المناصرين شبيهاً باحتفال النصر في حرب تموز، أما نبرة الغضب فتراوحت حسب ما تقتضيه الحاجة. أجرى نصر الله للمرة الاولى، تعديلاً كبيراً في أدبيات الحرب الاعلامية، حيث حشد مروحة واسعة من المفردات الجديدة التي ستكون جزءاً من أدبيات الحزب في الفترة المقبلة. 

وتفرض كل معركة أدبياتها، وتحدد سياقات المعارك مفرداتها ولهجتها. فالاعلام، في شقه الخطابي، ليس متفاعلاً مع حدث، بقدر ما هو صانع ومؤثر. يجيد "حزب الله" تحديد معالم الحدث، استناداً الى مفرداته، ويقرر وجهته. وعليه، بنى نصر الله خطابه بمجموعة أدبيات خطابية جديدة، تحدد معالم المواجهة التي باتت مباشرة مع الولايات المتحدة في المنطقة. 

من الناحية السياسية، كان لافتاً تغيير نصر الله وجهة التخاطب من الاحتلال الإسرائيلي، الى الولايات المتحدة. أجرى نقلة نوعية بتحميل المسؤوليات، في محاولة للقفز من "الوكيل" الى "الأصيل"، ومهّد لها بتهشيم الحكومة الاسرائيلية بوصفها "فاشلة" و"عاجزة"، ورمى الكرة في ملعب الولايات المتحدة لايجاد حل للمشكلة. 

ومخاطبة واشنطن، لا تقتصر على الجانب السياسي، بل دخلت ضمن الأدبيات الإعلامية، وحددت مستوى المواجهة: من الخصومة الى المواجهة المباشرة. اليوم يساوي نصرالله حزبه بقوة عالمية هي الولايات المتحدة الأميركية، من خلال التصويب والتخاطب المباشر، وهذا يعني أن المواجهة لم تعد مع الوكيل الاسرائيلي"المتخبط" بانقساماته الداخليّة، وانما انتقلت الى من يقوم برعاية هذا الوكيل. 

هذه النقلة في الخطاب، لم تعد تحتاج الى التركيز على قوة "حزب الله" وضعف إرادة الجيش الاسرائيلي، طالما أنه تخطّى أكبر قوة معلنة في المنطقة، لمقارعة القوة الأكبر عالمياً. وهو مؤشر لافت في الخطاب الاعلامي، أراد به القول إن اسرائيل باتت هامشية بالنسبة له، ولم يعد قادتها يحتاجون الى ذِكر، وبات الحزب أكبر من التعامل مع "هذا الجيش المهزوم". بذلك، رمى شرخاً بين واشنطن وتل أبيب، ويخاطب الدولة العميقة في الولايات المتحدة لجهة عدم الاعتماد على جيش اسرائيل الذي وصفه بالـ"غبي" و"الذي لا يتعلم من أخطائه".

وينسحب تهشيم الجيش الاسرائيلي وصورته الاعلامية، على قادتها السياسيين، إذ لم يأتِ نصرالله على ذكر نتنياهو إلا مرة واحد في سياق وصف السبات الاسرائيلي، للتدليل على أن القرار النهائي ليس لإسرائيل بل في يد أميركا، وإن اسرائيل لا تملك جيشاً حقيقياً يمكنها المحاربة به. 

وتقتضي المعركة الجديدة، ألا يتم ذكر ما كان صالحاً ذكره في العام 2006. يومها كان الاحتلال في اوج صورته قبل أن تهشّمه معركة غزة. لم يذكر نصرالله في خطابه كما عادته، بأنّ حزب الله سيضرب حيفا وتل أبيب، إذ أن هذا الأمر أصبح محتوماً وتفصيلاً نسبة للقوة العسكرية التي باتت في حوزته. خاطب العالم بأنه ليس وحده، حسبما تقتضيه المعركة، ولفت الى القوى اليمنية التي سبق أن ضربت إيلات، الواقعة على البحر الأحمر، والفصائل العراقية التي استهدفت القوات الاميركية في العراق وسوريا. 

هذه الأدبيات تتناغم مع سياق المعركة في الداخل اللبناني، وهي مربوطة حكماً، بالموقف الأميركي الذي وضع نصر الله قرار وقف الحرب بغزة في عهدته. فالجبهة الجنوبية، حتى اللحظة، ما زالت جبهة داعمة ومساندة لغزة، حسب خطاب نصر الله، ما يشير الى أن النية للقيام بالحرب على الجبهة اللبنانية لم تكن أصلاً موجودة، لولا حدث غزة، وهي موقف لإثبات تعاظم قوة الفاعلين في الخريطة السياسية، والذين باتوا يمسكون بقرار التهدئة والحرب. وقد أدخل نصر الله لفظاً جديداً على أدبيات الخطابة لدى "حزب الله"، وهو "التدحرج إلى الحرب" التي بدأت تتردد من بعد خطابه اليوم.  

نظراً للأحداث المتسارعة والتطورات الكبيرة، يمكن أن نرى أن كلمة نصرالله جاءت مختصرة وسريعة ووواضحة رغم بعض الغموض المتوقع، باعتبار أنّ التهديد الفعال لا يكون بكشف كل حسابات المعركة أمام العدو، لكن التأكيد أنّ "تدميره" أمر ممكن. وقد أشار نصرالله في العديد من المحاور الى أنّه مستعجل ولا يملك الوقت الكافي لتقديم الشروحات، وهذا دليل على أنّ المطلب بوقف إطلاق النار في غزة أمر ملحّ وحاجة ضرورية. ومن خلال تشريح وتيرة الخطاب، يبدو أن التهديد، وإن بدا سقفه عالياً، فهو لتحقيق السقف المطلوب للتفاوض، لكن السؤال الفعلي هو عن مدى امكانيّة تحول هذا التهديد الكلامي الى حرب حقيقيّة؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها