الأحد 2023/10/22

آخر تحديث: 15:35 (بيروت)

شارل جبور يطيح بـ"الهوية" اللبنانيّة

الأحد 2023/10/22
شارل جبور يطيح بـ"الهوية" اللبنانيّة
increase حجم الخط decrease
ليس احتمال الحرب وحده ما يؤرق اللبنانيين وانما الانقسامات التي تتخفى خلف هذا المشهد، فتتفاعل مع التوترات المتصاعدة بوتيرة أكثر حدة، وتخلق الى جانب هذا الصراع أزمة وجوديّة من نوع آخر، كان أبرزها ما جاء على لسان المسؤول الاعلامي في حزب "القوات اللبنانيّة" شارل جبور وردود الفعل التي أتت على ما قاله في الساحة اللبنانيّة.
أعادت كلمات شارل جبور لبنان الى أتون الحرب الأهلية بين شرقية وغربية، قبل أن تقرع طبول الحرب المباشرة مع إسرائيل، بل وإنها رسمت ملامح لبنان الذي يفضل "الحياد" بنفسه وبصمت، وإن كان في حالة حرب وشيكة. هذا "الحياد" الذي يقوم على تهذيب فئة على حساب شيطنة فئة بأكملها وتغريبها وتجهيلها وتهميشها من دون استثناء. 

 ولا يترك اللبنانيون فرصة من أجل اعادة هذه الانقسامات أو الانجرار خلفها، وقد تبدو في العلن سياسية، ولكنها في الجوهر تحمل في تجويفاتها انقساماً طائفياً وصل هذه المرة الى حد الاختلاف على من يستحق لقب "المواطن" ومن لايرقى لدرجة "المواطنة اللبنانية" واعتباراتها المعياريّة الخاصة، التي بدت بكلمات جبور قائمة على بشاعة الشكل والمظهر والوجه وصولًا الى التقليل من قيمة "هؤلاء" الذين لا شك في أنّهم  ينامون في "خيم".

في هذا التوقيت الحساس الذي يمر فيه البلاد، تغدو مثل هذه التصريحات على لسان شخص حزبي وسيلة لشد العصب الطائفي، تغذي مزيداً من الانعزاليّة "الجماعية" وتضع الفرق السياسيّة في حالة توجس وترقب تخوفاً من فتنة داخلية. وتبث هذه الكلمات "العنصريّة" رسالة مفادها أن الموقف اللبناني ليس متجانساً بما يكفي ليواجه مصيراً مشتركاً إن وقعت الواقعة.

وفي حال وقعت بالفعل، فالحرب لا تعني بالضرورة جميع اللبنانيين، وبالتالي ليس كل لبنان هدفاً مشروعاً  لهذه الضربة، نظراً لاعتباره دولة منقسمة الى مناطق آمنة "لأهلها" فقط، ومناطق خطرة على "أهلها" فقط، لاسيما مع ارتفاع خطر الاستهداف من قبل إسرائيل. 

فالحياد اذا ما كان موقفاً رسمياً، فحاله من حال الانقسام السياسي للأحزاب اللبنانية الناطقة باسم موقفها لا بهدف تحييد المواطنين جميعاً، وانما درء الخطر عن مناطق سيطرتها والفئة التابعة لها.

تحتاج هذه الظروف الى الاحتكام الى العقلانية السياسيّة لاحتواء الغضب الشعبي لا تحويله الى غضب داخلي ضمن جبهات متصارعة، فليس منطقياً بأي حال مساندة أعمال التخريب والاعتداء على الأملاك الخاصة إثر التظاهرة التي حصلت منذ يومين أمام السفارة الأميركية في بيروت تنديداً بالموقف الأميركي الداعم لإسرائيل على وقع قصف المستشفى المعمداني في غزة، ولا يجدر في المقابل على أي لبناني وسياسي على وجه الخصوص اتخاذ هذا الحدث سياقاً دائماً لوصف حال فئة من اللبنانيين، والحال أن مثل هذا الموقف قد يمتد الى كراهية شعبية قد تحول الى عدم استقبال باقي اللبنانيين الساعين وراء الأمان في مناطق تعتبر "آمنة" نظراً لتصنيفهم بأنّهم لا يتشاركون الهوية اللبنانية نفسها.

فما هدف شارل جبور من خلال هذه النعوت التي أشعرت جزءاً من اللبنانيين أنّهم يعيشون في دولة منفصلة، غير إثراء الانقسام والعنصرية في وقت يحتاج فيه اللبنانيون الى مزيد من الحكمة والوحدة؟ 

وهل أراد جبور الاشارة الى أنّ الاختلاف السياسي يجرد الطرف الآخر من هويته اللبنانيّة؟ وهل للهوية اللبنانيّة "شكل" و"مظهر" وسلوك معين؟ وكيف يمكن أن تتحدد هذه الهوية وبناءً على ماذا؟ 

هي أسئلة اذا ما أجاب عليها جبور، أمكن لنا فهمه، وإن أخطأ استخدام اللغة بالنسبة لنا، وإن تعمد فعلاً استخدام لغة "التعصب"، دلّ ذلك على خشية من أن يساوى  موقفه بموقف الفريق الآخر – "حزب الله". 

لجبور لبنانه (المنطقة) ولجميع اللبنانين لبنانهم (الوطن).
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها