الأحد 2022/08/14

آخر تحديث: 09:40 (بيروت)

هادي مطر بعيون اللبنانيين: "مجاهد" أم قاتل؟

الأحد 2022/08/14
هادي مطر بعيون اللبنانيين: "مجاهد" أم قاتل؟
لحظة القبض على هادي مطر بعد طعن سلمان رشدي
increase حجم الخط decrease
يكفي أن تُقرأ في وسائل التواصل الاجتماعي ما يتداوله اللبنانيون عن واقعة طعن الكاتب سلمان رشدي، حتى يظهر بوضوح مدى الانقسام في ما بين اللبنانيين تحديداً حول تجريم القتل الذي بات أمراً نسبياً، له مبرراته الدينية وسياقاته التاريخية لدى أنصار "الاقتصاص" من صاحب رواية "آيات شيطانية". 

وسم مناصرو روح الله الخميني في لبنان، القاتل هادي مطر، بأنه "مجاهد"، بينما عبّر آخرون عن امتعاضهم من جريمة هذا الرجل الذي يتنكر البعض للبنانيته، بالقول إنه من أصول لبنانية فقط، ويوسمه آخرون بالتطرف الديني والسياسي. 

وعلى الرغم من تداول فيديو مشترك حول طعن الكاتب، إلا أنّ إسقاط التسميات على الحدث تفاوتت في المفهوم والسياق. فالناس لا يمكن أن يرَوا الحدث بالطريقة نفسها، وإن كانوا شهوداً  في موقع الحادثة نفسها، أو شاهدوا بثاً بصرياً في قاعة واحدة، لأن اختلاف المبادئ حول الواقعة يسبق حقيقة ما حصل ليعيد تعريفها بنسبها الى "قناعات بنيت على باطل". وهنا تبدأ عملية التضليل وإعادة التأطير، وتحديد الخصوم والحلفاء. 

بين تمجيد القتل والاحتفاء به من جهة، ورفض القتل وشجبه من جهة أخرى، ظهر قطبان متضاربان، وتحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي الى نافذة لبث الكراهية، والتخوين والترهيب. وباتت تطرح أسئلة ملحة، وابرزها، ماذا تؤسس محاولة قتل سلمان رشدي؟ 

هذه المغالاة في تبرير القتل انطلاقاً من فتوى دينية تجرم الردّة، تعلل أنّ القضاء على الاختلاف بات أمراً محسوماً اذا ما بدا أنّه يعترض لقيم مجموعة معينة. فقد تحوّل الادعاء والتكهن الى حكم نهائي لا رجوع عنه، وإن كان من دون أي اثبات أو نقاش أو مجادلة. ويعني هذا أنّ الكتّاب المدنيين محاصرون في الواقع والسرد الخيالي بقوانين التجديف؛ التي تعاقب كل من يغيّر دينه، أو ينتقده أو يُسائل مسلّماته. وهي بالمناسبة موجودة في أغلب الدول العربية. 

أصرّ "المحتفلون" في مواقع التواصل على نعت رشدي بالمرتد والشيطان والمتآمر على الإسلام، وفيما قد تبدو هذه الكلمات مختصرة في صيغتها إلا أنها تحمل مدلولات لا تقل خطورة عن فعل القتل نفسه. ذلك أن هذه المفردات تزرع عقيدة انعزالية تنحدر نحو تشجيع القتل والتضييق على حرية الرأي، وتمنح هذه المجموعات التي تصدر أحكاماً عشوائية جرعة دسمة من "الأنا المتضخمة". ومقابل "القتل المقدس"، وصف مناصرون كانوا قد "باركوا العملية"، هادي مطر، بـ"جندي الله" و"المجاهد" و"المكلّف بالدفاع عن الإسلام".

قد يتساءل بعض القراء عن ماهية حرية الرأي في ظل انتقاد الأديان والسخرية منها. فالعديد من المنشورات في "تويتر" انتقدت حرية التعبير التي تجعل من الأديان موضوعاً فلوكلورياً. من المهم التوقّف عند ما تعنيه حرية الدين والمعتقد. الحرية، في المبدأ، تحمي الفرد الذي يمارس دينه، ولكنها لا تحمي الدين نفسه أو مشاعر المتدينين، وذلك بهدف حمايتها من قيود "قدسية الأديان"، علماً أن الاخيرة غالباً ما تغلفت بهذا المنظور لقاء أهداف سياسيّة. ولكن هل التعرض لمشاعر المتدينين يعني أن يصبح القتل أمراً مشروعاً؟

ليس سلمان رشدي الكاتب الوحيد الذي يدفع اليوم ثمن حريته. يعيد تمجيد الفاعل اليوم التذكير بجملة حوادث منها: قتل سلمان تيسير حاكم إقليم بنجاب في باكستان بعد مطالبته بإلغاء قوانين الردة، وبدل أن يشجب الشعب مقتله، مشى الملايين في جنازة قاتله.. كما يذكر بقتل الكاتب المصري فرج فودة بتهمة الردة، ومحاولة اغتيال الروائي نجيب محفوظ بتهمة التعالي على الذات الالهية... واللائحة تطول.

أثبتت التجربة أنّ الفكرة لا تموت بموت صاحبها، بغض النظر عن شرها أم خيرها. وكما بقيت فتوى الخميني فاعلة رغم وفاته لعقود طويلة، كذلك لن تموت فكرة الكاتب بموته، وأهل العقيدة عارفون.

اليوم سنشهد اقبالاً كثيفاً على كتب رشدي، وهذا ما لم يكن قاتله ولا المفتي بقتله يأمله. اليوم سنشهد خطاباً عنصرياً يعمم على المسلمين صفات الإجرام بوجه خطاب "متأسلم" يدعي تحرير المسلمين من أفكارهم وتحرير العالم من أجل الاسلام.

ما هو هدف القتل؟ الانتقام لله مثلًا؟ ولماذا يحتاج الله من ينتقم له وهو "الله" الذي لا يغلبه غالب؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها