الأربعاء 2022/07/13

آخر تحديث: 12:54 (بيروت)

مسلسل عن اللا شيء!

الأربعاء 2022/07/13
مسلسل عن اللا شيء!
increase حجم الخط decrease
من المطبخ إلى غرفة الجلوس. أعدّها: ست خطوات. ونيّف.
نيّفي أصغر من نيّف بقية خلق الله. فأنا صغيرة القامة.
أجوب ذهاباً وإياباً. يقع الوقت فوق جمجمتي، ثقيلاً، كما يفعل مع غالبية خلق الله. فالوقت لا يفرق ما بين صغير القامة، وكبيرها.
صوت "جيري ساينفيلد" يصدح في المنزل.
منزلي أيضاً صغير، ما يجعل الصوت، أي صوت، ولو همساً، يتردد في الأرجاء كلّها.
اقف لأراقب المشهد أمامي على الشاشة. أضحك. أو ابتسم تلك الابتسامة التي تقول للضحك بأنها تريد أن تكونه، حين تكبر.

لقد شاهدت هذه الحلقة، ست أو سبع مرات. يمكنني، وبكل أريحية، أن أسمِّع الحوار، غيباً.
لكني ابتسم تلك الابتسامة التي هي في طور النمو. أترك ما في يدي. إن كانت ملعقة خشبية لتحريك "تقلاية بصل وثوم"، أو "فوطة غبار"، أو كتاباً. فأنا تلك المرأة متعددة المهم التي يريدها المجتمع. أطبخ وأكتب أطروحة الدكتوراه، وأصلح حنفية المجلى إذا لزم الأمر.
أجلس على الأريكة، ويأخذني ساينفيلد الى عالمه، فأسأل نفسي: ما الذي يجعلني مدمنة على هذه السلسلة المتلفزة؟

ما إن اشترت "نتفليكس" حقوق إعادة بث مسلسل ساينفيلد، وأنا لا أشاهد سواه. صار سهلاً. تمر الحلقات تباعاً، لا يوقفها شيء. ويصبح الوقت أقل ثقلاً. وأنا أكثر فرحاً.

ما الذي يربطني بقضايا تسعينيات القرن الفائت؟
أغلب ما يطرحه المسلسل، مرّ عليه الزمن، ليصبح فقير الصواب السياسي، فأكتشف بأنني أريده، هذا الذي لم يعد مقبولاً.
أريد فسحة بيضاء، لا تشوبها إديولوجيات عقيمة، صيحات نواكبها لأننا أصحاب فكر.
لا أريد أن أكون صاحبة فكر. أقلّه في تلك المساحة البيضاء التي هي ساينفيلد.
إنه "مسلسل عن اللا شيء" لأستعيد موسم من المسلسل (الرابع منه) حيث يحاول جيري وجورج بيع فكرة مسلسل لشبكة MBC. ألا وهي a show about nothing.

لقد مللتُ الأجندات. مللت مصطلحات تتغير وتُصب فوق عقولنا صبّاً. ونضيع، ما بين المقبول وغيره، ما بين الجدوى من عدمها، ما بين حرصنا على مواكبة المفاهيم الطاحنة، تلك التي، إن، لا سمح الله، وفكّرنا في نسفها، نقع في خانة أعداء الإنسانية.

ساينفيلد يعيدني إلى اللحظات الأولى لولادة الصيحات-القضايا: حقوق المثليين، الهاتف الأرضي اللاسلكي، حقوق المرأة، الخ...
وأعي بأنني أتوق إلى اللا شيء، إلى الوقت الذي أضجر فيه، إلى سلاسة السذاجة.
إلى مسلسل لا يواكب أي شيء، ويفكك، إن أعدت مشاهدته الآن، كل ما أعرفه عن القضايا.
مساحة بيضاء عبثية، هو ساينفيلد.

لست أدري لماذا نحب التعقيد، نحن البشر. لماذا، على كل ما يفرحنا، أن يكون معقداً، ويرسم داخل فجوات رأسنا، وهماً من أوهام التطور.
ابتسم كلما دخل "كرايمر" من باب الشقة. أنتظره. أريد أن أكونه. تماهٍ مطلق. أريده أن يأخذني إليه، لأعيش فرحاً، غير معقد.
أو لعلّ "كرايمر"، وبكل بساطة، حرّ. يضرب عرض الحائط كل سائد ومقبول.
لقد سجنني عصري.
وتلك المساحة البيضاء من ساينفيلد، هي كل ما لستُ عليه. فأنا لست حرّة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب