السبت 2022/04/23

آخر تحديث: 13:46 (بيروت)

بشار وأسماء في دار الأيتام: حنان الطغاة

السبت 2022/04/23
بشار وأسماء في دار الأيتام: حنان الطغاة
increase حجم الخط decrease
يعانق الرئيس السوري بشار الأسد، الأطفال، وتقبّل زوجته أسماء، وجنات آخرين، ويلعبان معاً لعبة القفز بالحبل خلال زيارتهما لـ"دار الأمان للأيتام"، وكأنهما الزوجان المثاليان اللذان يغمران بلدهما بالحب والعواطف الدافئة، وليسا الثنائي المتوحش المسؤول ليس فقط عن جوانب الحياة السياسية والاقتصادية المظلمة في البلاد حالياً، بل أيضاً عن فظائع دموية طوال العقد الماضي مع تبني النظام السوري للحل الأمني في وجه الحركة السلمية التي طالبت بالإصلاح السياسي والديموقراطية.


وفي كل رمضان تقوم عائلة الأسد بحركات دعائية جديدة، كزيارة الجنود في الجبهة وتناول الإفطار معهم، أو زيارة الجرحى وعائلاتهم. ويبدو أن الزيارة الأخيرة، الجمعة، لدار الأيتام بدلاً من الدور المخصصة لرعاية "أبناء الشهداء" محاولة للقول أن الحرب انتهت وأن الحياة عادت لطبيعتها حيث تختفي المظاهر العسكرية مع التركيز على البعد الاجتماعي فقط. ويصبح أولئك الأطفال مجرد أيتام من دون لاحقة أخرى، كأيتام قُتل أهلهم خلال سنوات الحرب السورية مثلاً، كي يظهر بشار وأسماء وكأنهما يهتمان بكافة فئات الشعب السوري بما في ذلك الطبقة الأكثر هشاشة في المجتمع.



وتذكر هذه النوعية من الدعاية الأسدية بالدعاية الإسرائيلية التي يقدمها كل من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية يوآف مردخاي، اللذين يستغلان المناسبات الدينية الإسلامية، كعيد الفطر أو رمضان لتقديم مقاطع دعائية موجهة للعرب على أنهم "مواطنون ضمن الدولة اليهودية" بشكل يعاكس الحقيقة العنصرية للسياسات الإسرائيلية، كما أن بشار تحديداً يستمد صورته اللطيفة من رئيس الوزراء الكندي جاستن برودو الذي بات "قدوة" في هذا النوع من الإطلالات، مع اختلاف في نوعية الأغراض منها بطبيعة الحال.

وعليه، فإن بشار يدعي عبر استلهام التجربتين، بأنه رئيس كل السوريين في سوريا المستقبلية الموحدة، مهما كانت ذلك القول منافياً لواقع العنصرية الأسدية. ويمكن الدلالة على ذلك بزيارة موازية قام بها أسماء وبشار معاً أيضاً لكنيسة سيدة دمشق في سوريا، بالتزامن مع "أسبوع الآلام" لدى الطائفة المسيحية.

وهكذا، تتكرر الصور التي يبسط فيها بشار رعايته الأبوية على الأطفال، تماماً كأسماء التي تحاول الظهور كأم حنون في توازٍ مع الألقاب التي يطلقها الثنائي على نفسيهما وتكررت في الصفحات الموالية: "الأب القائد للدولة والمجتمع" و"أمّ الكل". أما ثيابهما البسيطة التي طغى عليها اللون الأزرق السماوي، فهي محاولة متكررة لاستسناخ شخصية رئيس الأوروغواي السابق خوسيه موخيكا، الذي يوصف بأنه أفقر رئيس في العالم، وحظي حتى نهاية حكمه العام 2015 بإعجاب وتعاطف كبير في الشارع العربي، ورئيسة وزراء نيوزلندا جاسيندا أردرن التي برزت في السنوات الأخيرة كنموذج معاصر لمعنى القيادة الحقيقية لجميع المواطنين من دون تمييز.

لا مقطع فيديو مرافقاً للصور التي بثتها "رئاسة الجمهورية"، الكلمات المختلطة مع صخب الأطفال ربما، لا تحمل أهمية خاصة، بقدر أهمية الظهور نفسه ورسم صورة إعلامية يكون فيها بشار وأسماء بطَلَي المشهد، فيما يشكل الأطفال الأيتام، الذين تم تدريبهم وتوجيههم بلا شك قبل الزيارة على كيفية السلوك اللائق أمام الكاميرات، مجرد ديكور يتم استغلاله بطريقة بشعة لعكس صورة غير واقعية عن الحياة في سوريا الأسد.

ويعني ذلك أن الصورة البراقة تجعل المتابع لها من بُعد، يتمنى لو كان بشار رئيساً له، قبل أن يتذكر الحرب السورية وما قام به الأسد تجاه شعبه بما في ذلك الأطفال، حيث تشير إحصائيات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" إلى مقتل 29741 طفلاً على أيدي كافة أطراف النزاع، 77% منهم قتلوا على يد النظام السوري والمليشيات الإيرانية الحليفة له، إلى جانب تحمل القوات الروسية الحليفة للنظام مسؤولية مقتل أكثر من 6% آخرين. كما تتحدث تقارير حقوقية دولية، عن حالات اعتقال لأطفال وقاصرين، وعن استمرار اعتقال أطفال ولدوا أصلاً ضمن المعتقلات، وغير ذلك.

وبغض النظر عن كل ظروف الحرب السورية، فإن أكاذيب بشار وأسماء حول رعاية الأطفال في البلاد بهذه الصور وغيرها، تتصادم مع حقيقة أن النظام لم يكن يوماً مهتماً برعاية الأطفال بقدر ما كان مهتماً بأدلجتهم وهو ما يظهر في تصريحات بشار في آذار/مارس الماضي بمناسبة عيد المعلّم، حول ضرورة تدجين الأطفال منذ سن صغيرة.

وتتصادم أكاذيب الثنائي أيضاً مع الواقع الاجتماعي، ففي العام 2018 على سبيل المثال انتشرت قصة الطفل محمود الذي قُتل أهله في مخيم اليرموك جنوبي العاصمة دمشق وهرب من دار الأيتام بعد ضربه المتكرر من قبل المشرفين على المركز. وهي مشاهد تكررت بعد ذلك وتم توثيقها في مواجهة محاولات النظام لضخ معلومات كاذبة بهذا الصدد، حيث تتم مواجهة الناشطين والمواطنين الذين ينشرون مقاطع فيديو من هذه النوعية بقانون مكافحة الجريمة المعلوماتية، فيما تضخ وسائل الإعلام الرسمية سردية معاكسة تجرم الأطفال الأيتام والمشردين وتلومهم على بؤسهم بالقول أنهم تابعون لعصابات إجرامية وإرهابية، وأن من يتعاطف معهم يكون شريكاً في المؤامرة التي تستهدف تشويه صورة سوريا، وهي كلمات كانت حاضرة بشكل صريح أكثر من مرة في الصحف الرسمية بما في ذلك صحيفة "تشرين" الحكومية، وفي حديث شخصيات عامة موالية كنقيب الفنانين الراحل زهير رمضان والصحافية غالية طباع.

وتعاكس الصور المرحة لبشار وأسماء وسط ضحكات الأطفال، الصورة المعروفة عن دور الأيتام في البلاد، بوصفها أماكن مظلمة أشبه بدور الأيتام في روايات الكاتب الإنجليزي تشارلز ديكنز. كما أن النظرة للأيتام بشكل منفصل عن "أبناء الشهداء" في الخطاب الرسمي عملت على شيطنة أطفال أبرياء، بالقول أنهم "مجهولو النسب" وبأنهم "أبناء للإرهابيين" خصوصاً بعد سيطرة النظام على مناطق ثارت ضده وخرجت عن سيطرته، ووصل الأمر إلى حد مناقشة قانون في مجلس الشعب لمنع إعطاء أولئك الأطفال الجنسية السورية العام 2018 بوصفهم خطراً إرهابياً مستقبلياً وكأن "الإرهاب" ينتقل عبر الحمض النووي!

وهكذا، فإن التضاد الفاقع بين الدعاية الأسدية المرحة والواقع المظلم، يحيل إلى حقائق حول الانهيار الاجتماعي في سوريا، حيث ازدادت نسبة الطلاق حسبما تشير تقارير ذات صلة بسبب الحرب التي فرقت العائلات. كما تغيرت ديموغرافية المجتمع مع تهجير ملايين المواطنين السنّة تحديداً من البلاد، وعدم رغبة النظام في عودتهم، وترهيبهم في البروباغندا الرسمية، سواء بالاعتقال أو التجنيد، كحالة الأطفال في الداخل السوري تماماً، فضلاَ عن فرض قوانين تبيح استملاك ممتلكات المعارضين واللاجئين (القانون 10).

وأشار تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" في حزيران/يونيو 2020، إلى أن حوالى 6 ملايين طفل سوري ولدوا منذ بدء الأزمة. ولا يعرف هؤلاء الأطفال سوى الحرب والنزوح، فيما يتعرض للقتل في سوريا ما معدله طفل كل 10 ساعات بسبب العنف، كما اقتلع أكثر من 2.5 مليون طفل وإرغامهم على الفرار إلى البلدان المجاورة، بحثاً عن الأمان. وعلق تيد شيبان، المدير الإقليمي لـ"يونيسف" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حينها: "يخبرنا السوريون كيف أثرت الحرب مباشرة في حياتهم وحياة أطفالهم، وكيف أنهم، وبكل بساطة، نجوا من إحدى أكثر الحروب قسوة في التاريخ الحديث. من الواضح أن الجراح أثرت بعمق، وأن التأثير في صحة السوريين النفسية هائل. كما ندرك من هذا الاستطلاع أن تعليم الأطفال والفقر هما من بين أهم الهموم وأكبر التحديات".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها