الخميس 2022/11/03

آخر تحديث: 13:07 (بيروت)

شيرين تستغيث في تسجيل صوتي... بريتني سبيرز في مصر

الخميس 2022/11/03
شيرين تستغيث في تسجيل صوتي... بريتني سبيرز في مصر
increase حجم الخط decrease
في مسلسلات الدراما العربية، هناك دائماً تلك القصة المكررة عن حبس الأفراد قسراً في مستشفيات الأمراض النفسية، بضغوط من العائلة أو من قبل السلطات، لمعاقبة الصحافيين أو الحذقين ممن يتجرأون على التقرب من عائلة مسؤول نافذٍ ما. وإن كانت تلك المسلسلات التي في الغالب تعود بطولتها لشخصيات نسائية، تميل إلى المبالغة مع الصراخ المجاني، فإن قصة المغنية المصرية شيرين عبد الوهاب، والتسجيل الأخير لها وهي تستغيث لإخراجها من المشفى الذي يقال أن عائلتها سجنتها فيه، يظهر أن تلك القصص التي لعبت بطولتها ممثلات كالسورية أمل عرفة والمصرية نيلي كريم وغيرهما، لم تكن من المبالغة في شيء، للأسف.

وفي التسجيل الذي كشفه محامي عبد الوهاب، ياسر قنطوش، عبر صفحته الشخصية في "فايسبوك"، تتحدث النجمة التي حققت النجومية العام 2002 عندما أطلقت أغنية "آه يا ليل"، عن علاجها وشفائها ورغبتها في الخروج من المشفى. وبدا واضحاً أنها تمكث هناك رغماً عنها، وقالت أنها أجبرت على التوقيع على أوراق لا تعرف ماهيتها، قبل أن يكشف المحامي أن "المجلس القومي للصحة النفسية أصدر تقريراً بأن حالة الفنانة شيرين لا تستوجب العلاج الإلزامي داخل المستشفى"، وأوضح أنه "بصدد اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المستشفى، لقيامه باحتجازها من دون وجه حق، مع إرغامها التوقيع على أوراق لا تعلم عنها شيئاً".



وطوال الأسابيع الماضية، حضرت المقارنة بين عبد الوهاب (42 عاماً) ونجمة البوب العالمية بريتني سبيرز التي وُضعت تحت وصاية إجبارية لوالدها جايمس سبيرز، الذي امتلك هذا حق رعايتها منذ العام 2008 إثر انهيارها العصبي الشهير العام 2007 قبل أن تتحرر منه بعد 13 عاماً من دعم المعجبين الذين أطلقوا لسنوات حملة #FreeBritney وتظاهروا في الشوارع دعماً لها، ليس لأنها نجمة مشهورة بل لأنها إنسانة تستحق أن تعيش حياتها بحرية قبل أي شيء آخر.

في الولايات المتحدة، رغم أن القوانين سهلت وضع وصاية على بريتني، فإن القوانين أيضاً سمحت لها بالتحرر منها، وصولاً إلى إمكانية تغييرها مع تقديمها شهادة أمام الكونغرس الأميركي نفسه بشأن قوانين الوصاية القانونية. وأحدث ذلك نقاشاً حول صحافة التابلويد والشهرة والصحة العقلية والقوانين القديمة. وشكلت الإرادة الفردية وقيمة حياة الفرد المجردة عن أي حُكم خارجي، السياق العام لتلك القصة المُلهمة. أما في حالة عبد الوهاب، فإن الأمر يبدو مختلفاً، لأن السلطة بصورتها السياسية والاجتماعية تطغى على القيمة الفردية غير الموجودة أصلاً ضمن السيستم العربي في العموم.

وفي القانون المصري، مواد تنظم "الحجز الإلزامي" في حالات الإدمان والمرض النفسي، بينها المادتان 13 و18 من قانون الصحة النفسية. وتنص المادة 13 على أنه "لا يجوز إدخال أي شخص إلزامياً للعلاج بإحدى منشآت الصحة النفسية إلا بموافقة الطبيب النفسي، وذلك عند وجود علامات واضحة تدل على مرض نفسي شديد". أما المادة 18، فتجيز "في الحالات العاجلة" القيام بـ"إبلاغ إحدى منشآت الصحة النفسية بفحص المريض ونقله للعلاج على وجه السرعة". ويتم استخدام هذه القوانين للتحكم في الأفراد "لأن المريض لا يكون مستبصراً لحالته ولا يستطيع طلب العلاج بنفسه"، ولذلك "تُطبق مواد العلاج الإلزامي" وتنتشر في الكثير من المصحات النفسية، حسبما كرر خبراء وأطباء مصريون طوال الأشهر الماضية عبر وسائل الإعلام.

وعليه، يظهر فارق التعامل بين القضيتين، على مستوى القوانين والقضاء ونوعية التغطية الإعلامية والتعامل الرسمي مع القصص الفردية، وفي معنى الحياة في دولة ديموقراطية، مقابل الحياة في دولة من دول الشرق الأوسط. وبالتالي تصبح المقارنة بين الحالتين أقل واقعية من مقاربة أفضل بين قضية شيرين وقضية زميلتها المغنية آمال ماهر، التي تصدرت الأخبار طوال شهور في وقت سابق من العام الجاري، بسبب توتر علاقتها مع طليقها السعودي النافذ تركي آل الشيخ واختفائها عن الأنظار، ومن قبلهما نجمات مثل سوزان تميم وسعاد حسني وغيرهن ممن وقعن ضحية العنف مثل أي امرأة أخرى لا تتمتع بالجماهيرية، لكن جماهيريتهن أتاحت لنا متابعة قصصهن دوناً عن قصص مغمورات كثيرات.



وبما أن حالة عبد الوهاب لا تستلزم العلاج الإلزامي، بحسب تقارير وزارة الصحة المصرية، فلماذا تم الحجر عليها طوال الفترة الماضية بهذا الشكل؟ وهل تختلف قضيتها عن حالات ملايين النساء اللواتي يعشن حجراً ضمنياً بسبب القوانين والسلطة العائلية وانعدام قيم المساواة؟ أم أن حالة عبد الوهاب هي جزء من ذلك السياق الأشمل لا غير، وما يجعلها أكثر بروزاً هو شهرة صاحبتها وحقيقة أنها "الدجاجة التي تبيض ذهباً" لكل من حولها ممن يريدون استغلالها مادياً، ما يجعل النجومية التي تعيش فيها وكأنها امتياز مجرد وهم في واقع الحال؟

كل ذلك النقاش يغيب للأسف وسط كم الشائعات المتضاربة والأقاويل التي تخلق في منصات الثرثرة والنميمة قبل نقلها إلى مواقع التواصل الاجتماعي وبثها على نطاق واسع لحصد النقرات والمشاهدات. والأسوأ أن تلك النميمة التي يمارسها الجمهور والرأي العام والمجتمع والإعلام، تدفع عبد الوهاب ضمنياً نحو مزيد من التدهور الذي بدأ قبل سنوات في الواقع بسبب ضغوط سياسية على النجمة التي مُنعت من الغناء ولاحقتها الاتهامات بالخيانة لمجرد تقديم تصريحات سياسية بسيطة وواجهت تهماً رسمية بـ"الإساءة لسمعة مصر".

وطوال سنوات تمت محاكمة عبد الوهاب في وسائل الإعلام الرسمية ومواقع التواصل، وتم دفعها نحو خانة المرأة الضعيفة الشرقية ووصفت مراراً بالغبية والحمقاء والخرقاء والمتسرعة التي يجب أن تضبط لسانها، ووصل الأمر إلى حد مروع عندما باتت فجأة تكرر تلك الأقاويل شخصياً عن نفسها، في العلن وفي حفلاتها التي ظهرت فيها بشكل مهين وهي تقبّل يد طليقها السابق وتتعهد بعدم التعبير عن رأيها في ما يجري من حولها. وذلك يندرج بالطبع في إطار العنف النفسي على أساس الجندر، وإن كانت النساء العاديات تواجهنه من محيطهن الاجتماعي، فإن شيرين تلقته من المجتمع العربي من المحيط إلى الخليج لسنوات!

ليس من الغريب بالتالي اليوم، أن يتم تحوير ما يجري مع عبد الوهاب من قضية حقوقية أو جنائية ربما، إلى قضية أخلاقية، سواء بين المتعاطفين معها أو الشامتين بها أو غير المبالين بمُصابها، حيث تنتشر لهجة عامة من اللوم وتقديم النصائح لها كي تعيش حياتها بشكل أفضل من دون الانزلاق إلى المشاكل. ومع قراءة التغريدات والتعليقات المختلفة ينتشر انطباع بأن كل المغردين فجأة أصبحوا قديسين وحكماء قادرين على تقديم الإرشاد لسيدة في ورطة لمجرد أنهم ليس الواقعين فيها. وتبدأ تلك النصائح بالتوبة إلى احترام الأبوين إلى إرشادات عاطفية ودينية وغيرها. والأكثر من ذلك أن قضية شيرين تصبح منطلقاً لتوجيه النصائح، وحتى التهديد للفتيات بطاعة أزواجهن وآبائهن كي لا تكون نهايتهن "وخيمة".. مثل شيرين!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها