الخميس 2022/06/30

آخر تحديث: 14:40 (بيروت)

آمال ماهر ليست بريتني سبيرز!

الخميس 2022/06/30
آمال ماهر ليست بريتني سبيرز!
increase حجم الخط decrease
الفيديو الذي انتشر أخيراً للمغنية المصرية آمال ماهر، بعد شهور من اختفائها عن الأنظار، مخيف أكثر من شائعات اختطافها وتعذيبها وتقييد حريتها التي راجت بين معجبيها منذ فترة طويلة، ليس فقط بسبب طريقة تصويره الجامدة الأشبه بفيديوهات الاعترافات القسرية التي تصورها التلفزيونات الرسمية للمعتقلين السياسيين عادة، بل أيضاً من ناحية الموقف الرسمي من قضية رأي عام، في دولة لا تتسم بالشفافية ولا تعتبر فيها سلامة المواطن، حتى لو كان شخصية شهيرة، أمراً مهماً.

وفي الفيديو الذي لا تزيد مدته عن دقيقة واحدة، بدت ماهر (37 عاماً) باهتة وشديدة النحول وعزت غيابها الغريب إلى إصابتها بفيروس كورونا. لكن ذلك التبرير بدا واهياً أمام حقائق مختلفة، منها أن الإصابة بالمرض لا تستمر عادة كل تلك الشهور، بل يشفى الشخص عادة في خلال أسبوعين من الزمن، فيما يعاني البعض آثاراً طويلة الأمد لا تمنع المريض من ممارسة نشاطاته اليومية. كما أن المرضى عادة، تحديداً المشاهير منهم، يشاركون تلك التجربة مع الآخرين وتحديداً عند تشخيص الإصابة بالمرض. والأكثر من ذلك كله أن ماهر ظهرت خائفة وتراقب شيئاً ما خلف الكاميرا طوال الوقت، وكأنها تتلقى توجيهات معينة.

View this post on Instagram

A post shared by Youm7 (@youm7)



وتعززت المخاوف أكثر مع حقيقة أن الفيديو مسجل ولم يكن حياً، بل نشرته وسائل إعلام مصرية على أنه دليل حاسم على أن المغنية بخير وعلى قيد الحياة. ولم تكن غريبة بالتالي قراءة مئات التعليقات التي تطالب بأن تخرج ماهر في بث حي ومباشر وأن تتم استضافتها مباشرة على قناة تلفزيونية أيضاً، في حال كانت الدولة المصرية متأكدة بالفعل من سلامتها مثلما تزعم. ولا يرجع ذلك فقط إلى انعدام الثقة في مؤسسات دولة بوليسية مثل مصر، بل أيضاً بسبب الكثير من التناقضات في الفيديو الممنتج نفسه مع المنطق البسيط.

ولا يحتاج الأمر إلى عقل شيرلوك هولمز من أجل ربط النقاط ببعضها البعض. فالمصاب بفيروس كورونا لا ينشر صوراً له خلال الإجازة على الشاطئ، كما كانت حسابات ماهر تنشر خلال الأيام القليلة الماضية، على أنها تحديثات يومية، ما أثار فكرة أن أحداً ما يتحكم بتلك الحسابات. ولو كانت ماهر مريضة فعلاً، فلماذا لم تصرح عائلتها بذلك لنقيب الموسيقيين السابق هاني شاكر الذي صرح مراراً وتكراراً بأنه على تواصل مع العائلة وبأنها في صحة جيدة؟

وتحيل القضية ككل إلى مقاربة لا بد منها مع قضية نجمة البوب الأميركية بريتني سبيرز، التي كانت لسنوات تنشر رسائل سرية عبر حسابها في "أنستغرام" متحدثة إلى جمهورها بإشارات في مقاطع الفيديو وعبر "الإيموجي" كي تطلب المساعدة في مواجهة الوصاية المفروضة عليها والتي جعلت والدها جايمي سبيرز، يتحكم في شؤون حياتها إلى حد العبودية.

ففي العام 2019 كانت حملة #FreeBritney التي أطلقها معجبو سبيرز، رائجة في مواقع التواصل الاجتماعي رغم محاولات تسخيفها بالقول أنها نظرية مؤامرة أطلقها مهووسون. ومع مرور الوقت، تغيرت تلك السردية تدريجياً بسبب ضغط الجمهور ومطالبته بالحقيقة من دون كلل ولا ملل، حتى تحررت بريتني من الوصاية التي استمرت 13 عاماً حرمتها من الحق في أي شيء تقريباً، من قيادة السيارة إلى توكيل محام إلى التصويت في الانتخابات إلى رعاية أطفالها وصولاً لإدارة ثرواتها الضخمة التي تقدر بأكثر من 215 مليون دولار أميركي.

ويظهر فارق التعامل بين القضيتين، على مستوى القوانين والقضاء ونوعية التغطية الإعلامية والتعامل الرسمي مع القصص الفردية، وفي معنى الحياة في دولة ديموقراطية مقابل الحياة في دولة من دول الشرق الأوسط التي تنعدم فيها قيمة الحياة أصلاً من وجهة نظر السلطة.

ففيما تحاول الدولة المصرية، بأذرعها الإعلامية الفاقدة للمصداقية والتي تتحكم فيها المخابرات بحسب تقرير صدر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، الخميس، طي القضية والقول بأن ماهر بخير، كانت وسائل الإعلام الأميركية المستقلة منذ 2019 متضامنة مع سبيرز حتى لو لم تتبنّ خطاب حملة #FreeBritney كلياً. وبعد ذلك، كان القضاء حاسماً في متابعة القضية بنزاهة، وإثر الحكم لصالح بريتني وانتهاء القضية رسمياً الصيف الماضي، تمت دعوتها في شباط/فبراير إلى الكونغرس الأميركي نفسه من أجل تقديم شهادة شخصية في مسعى قانوني أشمل لتغيير القوانين المماثلة التي قد تتحكم ظلماً في حياة الأفراد.

كل ذلك لن يحدث بالطبع في قضية ماهر، مهما كانت وقائعها ونتائجها، لأن حياة فرد ما ومعاناته ليس مهمة في دولة تحتجز أكثر من 60 ألف معتقل سياسي على الأقل بحسب تقارير حقوقية، وتمارس اضطهاداً على أساس يومي. وفي الواقع، تشكل تلك القصص المخيفة في العادة دروساً يتم التركيز عليها ونشرها من أجل بث الخوف في نفوس المواطنين الآخرين كي لا يتجرأوا على العصيان أوالتمرد أو المعارضة. وفي حالة نجمة مشهورة مثل ماهر، يصبح الأمر أكثر تعقيداً، لأنها لم تتحدّ السلطة المصرية سياسياً، بل كانت مشكلتها شخصية مع شخص نافذ، علماً أنه في السنوات الماضية تم تهميش ماهر تدريجياً وحذفت أغانيها بقرار رسمي وتم إنهاء مسيرتها الفنية إلى حد إجبارها على الاعتزال كما منعت السلطات بث أغانيها حتى عبر الإذاعات.

وحتى بعد ذلك كله، يتم تحوير المسألة من قضية حقوقية، أو جنائية ربما، إلى قضية أخلاقية في مواقع التواصل، مع الترويج لمقولات أن ما يحصل مع ماهر اليوم هو النهاية المستحقة للفنانات لأن "الفن عهر"، إضافة إلى توجيه نصائح للفتيات بطاعة أزواجهن وآبائهن كي لا تكون نهايتهن وخيمة على غرار ماهر. وتأتي تلك المقولات من أنصار السلطة ومعارضيها الإسلاميين في مصر على حد سواء، مع اتهامات لجمهور ماهر بأنهم سطحيون وتافهون حتى على المستوى السياسي، بحجة أن حياة فنانة ليست أهم من حياة المعتقلين المصريين، أو لأن السلطة حسمت الموضوع ولا يجب تحديها بشكل يهز صورتها العامة.

وأمام ذلك كله، ما زالت نقابة المهن الموسيقية تصر على أن ظهور ماهر الأخير قطع الشكوك حول سلامتها، متهمة بعض الإعلاميين بتضخيم القضية، بينما ذكر بعض المعلقين أن من ظهرت في الفيديو قد لا تكون ماهر أصلاً مع انتشار تقنيات التزييف العميق، وقال آخرون أن من ظهرت في الفيديو لا تشبه ماهر على الإطلاق، على الأقل مقارنة بصورها التي نشرت في "أنستغرام" خلال الأسابيع الماضية. وتبقى كل المخاوف على حياة ماهر مشروعة، خصوصاً أن مغنياً مصرياً آخر ما زال مختفياً عن الأنظار لنحو عام تقريباً هو إيمان البحر درويش بعد انتقادات لنظام عبد الفتاح السيسي في آب/أغسطس الماضي في قضية سد النهضة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها