الثلاثاء 2021/05/11

آخر تحديث: 18:47 (بيروت)

حرب موازية: الفلسطينيون بمواجهة السرديات الإعلامية

الثلاثاء 2021/05/11
حرب موازية: الفلسطينيون بمواجهة السرديات الإعلامية
آلة القتل تجتاح غزة بعد القدس (غيتي)
increase حجم الخط decrease
فيما يتواصل العنف الاسرائيلي تجاه الفلسطينين، يواصل الاعلام الغربي عملية التعتيم على الحقيقة عبر سردياته ومصطلحاته المنتقاة في توصيف الحدث. وإذا كانت المؤسسات الاعلامية في السابق، تتمتع بالسيطرة على منافذ الاتصال والمعلومة، فهي اليوم تشهد مواجهة علنية مع الناشطين في صفحات التواصل الاجتماعي.
 

يرفض الناشطون تسمية ما يحصل بـ"المواجهات" أو "الحرب" أو "النزاع". وفيما قد يبدو أنّ ما يحصل شبيه بذلك، إلا أن السياق التاريخي والعنف المنظم الممارس تجاه الفلسطينين لا يثبت مشاركة طرفين متوازيين في القوة، وانما استقواء طرف على آخر.
 

وبهذا التعريف تسقط كل الألفاظ المستخدمة. جرّد بعض وسائل الاعلام الكبرى، الحدث، من سياقه، وأبرز ما يحصل على أنه واقعة مستقلة عن الاضطهاد التاريخي الممنهج، حتى بدا الأمر مواجهة عشوائية بين مواطنين والشرطة، وبما أنّ الشرطة في التقليد العرفي هي دائمًا على حق، رأى الناشطون الفلسطينيون أن استبدال الشرطة بكلمة "المستعمِر" أكثر تعبيرًا عن الواقع.
 

وتنطلق معركة الفلسطينيين ضد السرديات الاعلامية المتصلة بتكريس مصطلحات وتغييب أخرى، من ارث قديم يستهدف وعي المتلقين. هي معركة وعي، إذاً، يخوضها الفلسطينيون، ذلك أنّ عملية شرعنة المصطلحات ليست بأمرٍ جديد. ففي عهد الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون، وأثناء حرب فيتنام، نادراً ما سمّى الرئيس الفيتناميين بأسمائهم. على العكس، فقد سمّاهم الأعداء في كل مرة. ورغم موقف جريدة "نيويورك تايمز" آنذاك، المعادي للحرب، غير أنها استخدمت لفظ "العدو" مراراً في مقالاتها.
 

وقامت صفحة باسم "جذور فلسطين" في "انستغرام" بإعداد دليل حول كيفية الوقوف ضد العنف الاسرائيلي من طريق استخدام المصطلحات الصحيحة لتقديم القصة الى العالم. ويشكل هذا الدليل مقدمة لتصحيح الاستخدامات الشائعة واللاواعية للتسميات التي طغّت على مسرح الأحاديث السياسية، بفعل سيطرة وسائل الاعلام على تأويل الوقائع بشكل لا يراعي سوى أحادية الرؤية. ونصح الدليل بالتخلي عن مصطلحات مثل "النزاع" و"الصدام" ومشاركة "الطرفين"، مقابل استخدام مصطلحات مثل "الاحتلال"، و"معاداة الصهيونية"، و"نظام الفصل العنصري". 

أرادت وسائل الاعلام المنحازة لأجندتها السياسية، أن تتعامل مع الحدث بشكل اعتيادي وطبيعي، غير أن الحياد في هذا الصدد لا يشكل سوى انحياز. فإذا نظرنا الى كيفية تغطيتها للأحداث، نرى أن هذه السردية تذهب أبعد من الخبر نفسه، لتشكل معنى سياسياً يحدد موقفًا تجاه القضية. فعبارة "الإخلاء" التي استخدمها الاعلام في التعامل مع الواقعة، هي أشبه بعلاقة بين مستأجر ومؤجِّر، وأكثر، فهذه العلاقة تقوم على حق الأول في السكن، مقابل احترام واجبات المالك. خلافاً للدقة والوضوح، تعمد هذه المصطلحات الى جعل الممارسة العنفية أمراً عادياً، بل مقبولًا.  فمن هو مالك الأرض برأيها؟ والى من تنسب الحق؟ 
غير أن هذه الخطابات التي ملأت الساحات الاعلامية منذ زمن، شهدت اليوم عملية تفكيك لم تحصل من قبل. ففي العادة، يقتصر تطويع وسائل التواصل الاجتماعي على مناصرة قضية والدعوة من أجل التضامن. لكن هذه المرة، لم تنجح وسائل الاعلام الكبرى في توجيه الرواية والتركيز على كل ما يحاكي موقفها، إذ قامت مجموعة من الصفحات الداعمة للقضية الفلسطينية بإعادة كتابة الأخبار بطريقة تُبرز التحيز في استخدام المصطلحات. 


وفي ظل عدم قدرة الاعلام العربي، المنقسم حول القضية الفلسطينية، من الدخول الى الأراضي المحتلة، أو أقلّه التعبير عن التضامن تجاه انتهاك حقوق الانسان الفلسطيني، فإن الحدث هو أحوج ما يكون إلى تحول المواطنين لناقلين للحدث وموثقين لمشاهد الرمي بالرصاص، والاعتقال التعسفي، ومحاولات الدهس، عبر هواتفهم المحمولة.

لم تعد هناك رواية واحدة تطغى على الحدث. ولم تعد هناك رواية أخرى يصعب لها أن ترفع صوتها مقابل ضجيج أصحاب الماكينات الاعلامية الكبرى. طرح الناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي الرواية البديلة، بعرض تفاعلي يسهل فهمه ونشره، كما فعل الناشط صبحي طه الذي حصدت فيديوهاته بالانكليزية في "انستغرام" أكثر من 11 مليون مشاهدة. 


وفيما تعمّدت إدراة "فايسبوك" "وتويتر" حجب بعض المنشورات التي تفضح العنف والتنكيل الاسرائيلي بالفلسطينيين، لم تتمكن من ضبط ايقاع تواتر التضامن الدولي حيال هذه القضية، خصوصاً مع لجوء جهات رسمية دولية الى هذه المنصات (كرئيس وزراء باكستان، ورئيسة وزراء اسكوتلندا) للتعبير عن دعمهم للشعب الفلسطنيين وشجبهم لحملات التنكيل من قبل "الإسرائيليين".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها