الأحد 2021/04/11

آخر تحديث: 21:51 (بيروت)

هرتان وجثة مقطعة.. بيروت ضحية إعلامها

الأحد 2021/04/11
هرتان وجثة مقطعة.. بيروت ضحية إعلامها
جثة مقطعة في حقيبة في بيروت (تويتر)
increase حجم الخط decrease
ليست هي المرة الأولى التي يقوم بها الاعلام اللبناني في مسرحة التغطية الإعلامية بالتغاضي عن المعايير الأخلاقية. ففي عالم يضج بأحداث كثيرة في مجالات متعددة من السياسة الى الفن، لا يتحول الحدث الى خبر، الا وفق أجندة انتقائية يحددها الاعلام. 

فبعد تغطية "قناة الجديد" لجريمة قتل امرأة يزعم بأنها من التابعية الأثيوبية، يُطرح السؤال عن هدف منح الواقعة تغطية مباشرة من مسرح الجريمة، ومدى توافق هذه التغطية مع أخلاقيات العمل الصحافي.
بثت "قناة الجديد" تغطية مباشرة لجريمة في بيروت عبر مراسلتها زهراء فردون. لم تتخط التغطية الخمس دقائق الا أنها كانت كفيلة لتسلط الضوء على السقطات الأخلاقية التي وقعت في شركها المؤسسة. قد تكون التغطية المباشرة لهذه القضية أمراً متوقعاً نظراً للبعد الإنساني للموضوع وغرابته. غير أنّ المراسلة فضّلت تغليب الرواية البوليسية الاخباريّة على الجانب الإنساني. 

ففي حين لم تتوفر صورة للضحية، أو عوامل إثارة من المكان، انتهجت التغطية أسلوب السرد المثير يشبه روايات "آغاثا كريستي"، أو الروايات المتلفزة حول "الجرائم المروعة التي ارتكبها قتلة متسلسلون". وإذا كان المشاهد حرّاً في اختيار ما يريد أن يشاهده، فإنّ التغطية المباشرة أكثر خطورة نظراً لقدرتها على التسلل الى بيوت المقيمين كما لو أنها جاءت لتبث الرعب من قاتل متوارٍ عن الأنظار.

في مثل هذه الحالات، يستعين الاعلام بقدراته على إدارة الخوف. فكلما زاد الوضع سوءاً، عمد الاعلام على تضخيم الأحداث، وكأنّ الاعتقاد بأنّ اثارة الخوف هو الرادع الأمثل للوقاية من الجريمة والوسيلة التوعوية الأفضل. 

قدمت المراسلة معلومات تفصيلية حول أسلوب الجريمة دون أن تتنبه الى أنّها تقدم وصفة كاملة قد تُستخدم في جريمة أخرى. وإذا كانت الدراسات الإعلامية لاتزال تجادل حتى اللحظة بماهية العلاقة بين التغطية الإعلامية وارتفاع منسوب الجرائم، فإنّ ما توصلت اليه هو أنّ الاعلام قد يؤثر على احتمالية استخدام أنماط مماثلة للجريمة المعروضة. وفي ظل تصاعد وتيرة الجرائم في بلدٍ بات فيه همّ المواطنين الأكبر الحصول على لقمة عيشهم، تغدو مثل هذه التغطية انعكاساً لواقع العنف الذي ساد بشراسة بعد التفلت الأمني الذي نعيشه.

ومن الأخطاء المهنية التي طالت هذا الخبر، هي ذكر جنسية الضحية. فإذا كان دور الاعلام المساهمة في التخفيف من الاحتقان والتمييز تجاه العمال الأجانب، فإنّ ذكر جنسية الضحية قبل صدور نتائج التحقيقات لن يكون في خدمة أي من الطرفين بل انتهاكاً لخصوصية الضحية. وكأنّ الإعلان عن الجنسية جاء ليعيد انتاج العلاقة المتوترة بين العاملات الأجنبيات وأرباب عملهن. ولا يمكن عدم الوقوف على أهمية الجنسية نظراً لتاريخ تغطية الأحداث المتعلقة بقصص العاملات الأجنبيات في لبنان تحديداً، والتي لطالما اتسمت بالتشنج في ظل استمرار نظام الكفالة.

تجاوزت هذه التغطية الخبر الأساسي لتثير إشكالية حول ما يفكر فيه اللبنانيون تجاه الآخرين (الغرباء). باعتباطية مفرطة اعتدنا عليها في الاعلام اللبناني الذي يصطاد من يزعمون بأنهم شواهد عيان، وقد لا تكون تصريحاتهم في سياق متلائم مع الحدث، فتحت المراسلة الهواء لرجل من أبناء المنطقة. لم نلتمس في ما قاله أي تعاطف مع الضحية. أعّاد الرجل وصف الجريمة مرة أخرى، وكانت مشاعر الصدمة مختلطة مع امتعاضه من الجهات المسؤولة التي تلكأت عن "تطهير المكان".

الى جانب الاستفاضة في السرد، شكل التركيز على القطتين اللتين كانتا تحومان حول موقع الجثة، واللتين "كانتا تقتاتان من بقايا الأكياس والدم" بحسب المواطن، انحرافاً اعلامياً عن قيم الكرامة الإنسانية واحترام حرمة الميت. 

وفي حين أن الادلاء برأي المواطن عن طريق النقل المباشر لا يمكن حذفه، تعمدت المراسلة في بداية التغطية اظهار مكان وضع الجثة عن طريق الإشارة الى الهرتين اللتين تواجدتا. تنقلت الكاميرا عبر تقنية التقريب من زاوية الى أخرى حيث تقبع الهرتين لتنسجم الصورة مع الكلمات المنطوقة من قبل المراسلة. 

لم تكتف المراسلة بالعرض اللفظي لأسلوب القتل المروع، بل جاء توصيفها للمكان ليجعل الحدث أكثر درامية وأقل مهنية، فالجريمة مروعة بما فيه الكفاية، وحتى لو حاول المراسلون تظهريها على أنها أسوأ مما هي في الحقيقة، فإنهم لا يخدمون المجتمع بل يساهمون في تهويل العامة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها