الأربعاء 2020/08/26

آخر تحديث: 21:37 (بيروت)

هل تبرّر كارين رزق الله لإسرائيل قصف الجنوب؟

الأربعاء 2020/08/26
هل تبرّر كارين رزق الله لإسرائيل قصف الجنوب؟
أثبتت ضحالة بالمعرفة السياسية
increase حجم الخط decrease
حين فتحت الممثلة والكاتبة كارين رزق الله ملف الحرب اللبنانية في مسلسل "انتي مين"، بَنَت الوجع اللبناني جراء الحرب على قصة عائلة، فرّقها التنافر السياسي والعسكري وربما الطائفيّ، وعادت بعد ثلاثين عاماً لتفتح ذاكرة الحب والوجع. 

كان البناء الدرامي ناتجاً عن مأساة. تلك المأساة التي لم تسقطها رزق الله على آلاف العائلات الأخرى في الجنوب والبقاع ومناطق لبنانية أخرى عانت من الاحتلال الاسرائيلي، وذلك عندما كتبت تغريدة برّرت فيها لإسرائيل قصف الجنوب ليلة الثلاثاء-الاربعاء، بوصفه رد فعل على فعل لم تؤكده السلطات اللبنانية، ولا تمتلك اسرائيل دليلاً عليه، ولم ترصده الامم المتحدة، ولم يعترف به "حزب الله".
 

وصفت رزق الله إسرائيل بـ"الغول". فخرج ضحايا "الغول" لتنبيهها بأنه غير مسالم. وأنه، على مدى عقود وحقبات زمنية متفاوتة، نهش من لحم اللبنانيين وأطفالهم، وأكل أمهاتهم وأباءهم ويتَّم أطفالهم. وثقت المعلومات مقرونة بصور هؤلاء، مستنكرين وصف ما جرى بالـ"مسرحية". 

ورزق الله، انطلقت من حيثية سياسية لا أمنية، بدت فاقعة، وهي لا تنطوي على رأي، في حادثة مشابهة لها خلفية أمنية مرتبطة حكماً بظروف سياسية، وبتفويض دولي لاسرائيل لتتصرف وفق ما تراه مناسباً "لحفظ أمنها". 

فبيان الجيش اللبناني، لم يذكر أن هناك فعلاً من لبنان ردّت عليه اسرائيل. تل أبيب بدأت الاعتداء، وهي أنهته. وتبيّن، بحسب بيان الجيش، أنها أحرقت محمية طبيعية تابعة لجمعية "أخضر بلا حدود"، وطبعاً باستخدام الذخيرة المحرمة دولياً وهي الفوسفور. 

والمحمية، وفق المعلومات الأمنية، هي واحدة من 16 محمية تشتبه اسرائيل في أنها تتضمن مراكز عسكرية لحزب الله، وتتحدث عنها منذ عامين، وفشل الضغط الدولي في دفع قوات "اليونيفيل" لتفتيشها بسبب رفض لبنان، بوصفه يحتاج الى تعديل في ولاية اليونيفيل، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، ولن يتحقق بحسب ما تسرب عن اجتماع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، شربل وهبه، مع سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن يوم الثلاثاء. وعليه، تذهب التقديرات الى ان اسرائيل نفذت اعتداء، ولم تفلح في ايجاد تبرير له. 

وفي اعتبار رزق الله أن ما جرى كان مسرحية، وهذا يثبت أنها ضحلة بمعرفة اسرائيل، وأنها عاجزة عن جمع معطيات حول أي حدث أمني مرتبط بالتطورات جنوباً. ما قالته كان زعماً لواقعة، ولم تقل رأياً سياسياً ضد "حزب الله"، يمكن ان تتشارك فيه مع آخرين، وهم كثر، يعارضون الحزب في السياسة، ويدركون الخطوط الحمر المرتبطة بالتبرير لاسرائيل، أو بالجزم بأنها لا تتحرك إلا وفق ردّ الفعل. 

تلك الجزئية المهمة في الخطاب السياسي، لا تدركها رزق الله. فهي حديثة العهد في المعرفة السياسية، وفي الاطلاع على التركيبة اللبنانية، وقبلها على القوانين اللبنانية التي لا تحيد عن ثابتة اساسية بأن اسرائيل عدو، وأن القانون يجرّم التبرير لها، وأن المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال، مشرعة ضمن البيان الوزاري للحكومات المتعاقبة منذ مطلع التسعينيات. 


من حق رزق الله أن تنتقد حزب الله وممارساته، ومن حقها أن تنتقد سلاحه، وأن تضم صوتها الى أصوات كثيرين يؤيدون حصرية امتلاك السلاح في يد الدولة اللبنانية، وحصرية قرار الحرب والسلم في يد الدولة. ومن حقها ان تتبنى نظرية الحياد التي تدفع بكركي باتجاهها... لكن ليس من حقها أن تبرر لاسرائيل اعتداءاتها، وتعتبرها غولاً يوقظه الفعل اللبناني، وأن ما يجري مسرحية متفق عليها بين الطرفين المتصارعين.


هذا التقدير، كان الدافع للحملة التي خرجت في وجهها، استنكاراً وانتقاصاً من قدرها السياسي، وليس الفني، رغم أن البعض حاول الايحاء بأنها قدمت للبنان عبر أعمالها ما عجز منتقدوها عن تقديمه، ليأتي الرد بأنها قدمت عملاً تلفزيونياً، بينما الآخرون قدموا أبناءهم بالتوابيت. 

هالت رزق الله حفلة الشتائم ضدها، كردّ فعل على بوست نشرته. اعتبرت ان ما قالته راياً، ولم يواجهها أحد بالرأي نفسه، متسائلة عن "عيش مشترك"!


لم تقتنع رزق الله  حتى الآن بأن ما قالته لم يكن رأياً، بل انتقاصاً من سيادة لبنانية، وقفز فوق مشاعر آلاف الضحايا في الصراع مع اسرائيل التي ما انفكت، حتى قبل 24 ساعة، ترهبهم. وغالت في تقديرها حين سألت عن عيش مشترك، لتحيل الخلاف الى خلاف طائفي، علماً أن قسماً من منتقديها هم من المسيحيين أيضاً، بالنظر الى ان القضية لبنانية.

بذلك، وقعت في خطأ آخر. فالخيال الذي استخدمته في اعمالها، لا يستحيل خيالاً على أرض الواقع. ثمة فارق كبير بين الأمرين، لأن الوجع هنا من لحم ودم، بينما الوجع هناك يحتاج الى إدارة ممثل.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها