الإثنين 2023/05/01

آخر تحديث: 14:53 (بيروت)

العمالة السورية والأجنبية في لبنان: فقدان السيطرة حدودياً وقانونياً

الإثنين 2023/05/01
العمالة السورية والأجنبية في لبنان: فقدان السيطرة حدودياً وقانونياً
جميع الخطط المرحلية لتنظيم العمالة الأجنبية لم تكن سوى حبرٍ على ورق (Getty)
increase حجم الخط decrease

في إطار أهمية وضع خطة إستراتيجية لتنظيم العمالة الأجنبية في لبنان، صدر بتاريخ 18 أيلول عام 1963 المرسوم رقم 17561 الذي يرعى تنظيم عمل الأجانب في لبنان، ثم جرى تعديله بالمرسوم رقم 14268 بتاريخ 2005/3/4، من دون أن يتطرق إلى تحديد مدة العمل، وقواعد الصرف من العمل أو التظلم أمام مجلس العمل التحكيمي، باعتبار أن هذه القضايا تخضع لأحكام قانون العمل اللبناني الصادر بتاريخ 23 أيلول للعام 1946. وقد ركزت مراسيم عمل الأجانب في لبنان على ضرورة أخذ الموافقة المسبقة أو "إجازة العمل" من وزارة العمل، وآلية الحصول عليها والإجراءات الإدارية والمالية اللازمة. كما أعطت وزير العمل الصلاحيات الواسعة على هذا الصعيد، مما ساهم في تنظيم عمل العمال الوافدين إلى لبنان بصورة جيدة، حتى لحظة نشوب الحرب الداخلية في سوريا، وتدفق العائلات بكثافة غير مسبوقة، فاقت قدرة الدولة على تحديدها بدقة والسيطرة الشاملة عليها، لأسباب عدة، أبرزها الدخول عبر المعابر الحدودية غير الشرعية، وبطرق غير قانونية، وتحول العامل السوري إلى منافس قوي للعامل اللبناني في شتى المجالات الشرعية أو غير الشرعية، والتي لا تجيزها القوانين للعامل الأجنبي بوجه عام، وذلك بسبب ضعف الرقابة وقلة عدد المفتشين في الوزارة، بما لا يتناسب عموماً مع الهجرات البشرية غير المألوفة سابقاً، وصعوبة الإحاطة بكل مواقع العمل في لبنان. وبتاريخ 28 ك2 عام 2017، صدر عن وزارة العمل (القرار رقم 1/41) المتعلق بالأعمال والمهن والحرف والوظائف الواجب حصرها بالعمال اللبنانيين دون سواهم، في محاولة للحد من إشغال هذه الأعمال من قبل العمال الأجانب، وخصوصاً العمال السوريين، الذين انخرطوا في أعمال عدة لا تجيزها لهم القوانين والأنظمة في لبنان بعيداً عن عيون الرقابة وأجهزتها المختلفة، من دون الحصول على "إجازة العمل" مسبقاً وفقاً للقانون الصادر بتاريخ 1946/2/4 ودفع الرسوم المتوجبة، إذ لم تبلغ نسبة الإلتزام بهذا الإجراء (1,5%) في أحسن الأحوال، وضياع نسبة عالية من الرسوم التي ترفد الخزينة العامة في لبنان، وقد حاول وزير العمل عام 2014 أن يضع حداً لهذا النزيف المالي بقراره الصادر بتاريخ 2014/12/17، وحصر عدداً كبيراً من المهن باللبنانيين دون سواهم، للحد من نسبة البطالة المرتفعة والمتزايدة في لبنان، والتي فاقت نسبة %34 حتى تاريخه، مما اعتُبر آنذاك تضييقاً على العمال السوريين من قبل بعض الجهات السياسية، وحدوث عدد من المشاكل بين العمال السوريين وبعض المواطنين اللبنانيين في أكثر من مناسبة. ورافق ذلك صدور عدة قرارات عن المجالس البلدية بالاستناد إلى القرارات الوزارية الآنفة الذكر، ومنع العمال السوريين من التجول خلال ساعات الليل وتدابير أخرى إحترازية متنوعة، ومنها استخدام سبعة عمال لبنانيين في مؤسسات الاستخدام مقابل عامل أجنبي واحد، الأمر الذي لم يتم الإلتزام به على الإطلاق.

كيف تعاملت بعض الدول العربية مع العمالة الوافدة
تعتبر دول الخليج العربي من أكثر الأماكن في العالم التي يتواجد فيها العمال الوافدون من الخارج، نظراً لتوفر فرص كثيفة للعمل، ولقد بلغت نسبة العمالة الوافدة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة حتى العام 2019 قرابة الأربعة ملايين عامل، يشكلون نسبة (62%) من عدد السكان الأصليين، وقرابة مليون ونصف المليون عامل أجنبي في دولة الكويت بما يعادل نسبة (34%) من عدد السكان، وفي دولة قطر، مليون ومئة ألف عامل أجنبي بما يعادل قرابة (47%) من عدد السكان، وبما يعادل (85%) من عدد العمال الوطنيين، أما في المملكة العربية السعودية، فيتواجد فيها قرابة تسعة ملايين عامل أجنبي يشكلون قرابة (30%) من عدد السكان، وقرابة (45%) من العمالة الوطنية.

واتخذت هذه الدول العديد من القرارات الصارمة التي نظمت وجود العمالة الأجنبية، وهي الدول التي تمتلك القدرات المالية والنفطية الهائلة. وأخضعت هؤلاء للإجراءات الإدارية والقانونية والضرائبية اللازمة بحقهم، ومن دون أي اعتراض منهم، تحت طائلة ترحيلهم عندما يرتكبون أية مخالفات لا تتوافق مع قوانين وأنظمة تلك الدول.

كيف تعاملت الدول المجاورة مع العمالة السورية؟
استقبلت المملكة الأردنية الهاشمية النازحين السوريين في مخيمات اللجوء المخصصة لهذه الغاية، واستطاعت السيطرة عليهم، ومنعتهم من الانتشار العشوائي في سوق العمل الأردني. وقامت بتنظيم وجودهم من خلال المساعدات والإعانات التي نالتها من الأمم المتحدة ومن دعم الدول الكبرى، كما اتخذت وزارة العمل الأردنية العديد من التدابير الاحترازية، بالاستعانة بالقوى الأمنية الأردنية المختلفة، وتنفيذ الحملات التفتيشية الدورية على أصحاب العمل والعمالة الوافدة إلى الأردن، ومراقبة مدى التزامهم بالقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، وتوقيع غرامات مالية شديدة بحق المخالفين من أصحاب العمل، واعتماد البطاقة الأمنية الممغنطة للعامل السوري، الصادرة عن وزارة الداخلية الأردنية، من أجل تشديد الرقابة عليهم، ومنح السوريين العاملين في قطاع الزراعة التسهيلات القانونية لوجودهم، واعتماد أسلوب الإحصاءات الدائمة لهم في مختلف القطاعات، ومراقبة مدى الاستفادة من وجودهم، وتحديد المهن المحصورة التي يحق لهم العمل من خلالها، وتشديد الرقابة على التنفيذ، وصولاً إلى ترحيل ما بين (80 إلى 100) عامل يومياً لمخالفة القانون والنظام العام.

أما في تركيا، التي تأثرت هي أيضاً بالأزمة السورية، فقد تضاعف عدد العمال الأجانب إلى ستة أضعاف خلال عشر سنوات سابقة، حيث نزح إليها قرابة (2,7 مليون نازح سوري) وضعوا في مخيمات مخصصة لهم على الحدود مع سوريا، واستخدمت عدداً لا بأس به منهم في المصانع الضخمة، نظراً لحاجاتها إلى اليد العاملة الخارجية والفنية. كما استقبلت تركيا عدداً من المهاجرين الاقتصاديين اضطروا إلى نقل عملهم إلى تركيا للإفادة من الاستقرار النسبي، ومن توفر متطلبات العمل على اختلافها.

أما في لبنان ، فقد تزايدت نسبة النزوح السوري إليه سنة بعد سنة، حيث قدرت الأعداد المهاجرة بحدود المليون ونصف مليون نازح سوري حتى نهاية العام 2018. ثم ارتفع منسوب الهجرة إلى لبنان ليتعدى المليوني نسمة في هذه الأيام، لا سيما بعد صدور قانون الحظر على سوريا (قانون قيصر) الصادر عن الولايات المتحدة الأميركية، وتضييق الخناق على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في سوريا، وتدهور العملة السورية تجاه الدولار الأميركي، مما شكل أعباءً إضافية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، الذي أصبح فيه قرابة الثلاثة ملايين نسمة من النازحين السوريين والعراقيين وعمال المنازل ومن جنسيات أخرى مختلفة، أي ما يوازي نصف عدد سكان لبنان الأصليين، في ظل تداعيات انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول للعام 2019، وحادثة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب للعام 2020، وتسارع انهيار قيمة العملة الوطنية تجاه الدولار الأميركي، وتدهور الأوضاع الإدارية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان، وحالة الفراغ السياسي للمؤسسات الدستورية الأساسية في البلاد، وارتفاع نسبة هجرة الشباب إلى أعلى مستوياتها العالمية.

أوجه الخلل في مشروع الإستجابة لحالة النزوح السوري
أشارت التقارير السنوية لوزارة العمل في لبنان (دائرة مراقبة عمل الأجانب) للعام 2015 إلى وجود 872 موافقة مبدئية تتعلق باستقدام واستخدام أجراء أجانب و9674 إجازة عمل أعطيت لأول مرة عن جميع الجنسيات الوافدة من (أثيوبيا – بنغلادش – سريلانكا – السودان – الفيليببين – مصر – الخ..). ومن ضمنها (1102) إجازة عمل للعمال السوريين، من أصل (82764) إجازة عمل منحت للعاملين والأجراء من تلك الجنسيات، كما أعطي (366) إجازة عمل مجددة لعمال سوريين من أصل (148860) إجازة مجددة.

وقد تبين أن عدد إجازات العمل الممنوحة للعمال السوريين لم تتجاوز الألفين وخمسمئة إجازة حتى نهاية العام 2019، من أصل قرابة الأربعمئة ألف عامل سوري يعملون على الأراضي اللبنانية حتى تاريخه. ولعل أبرز أوجه الخلل في تنظيم العلاقة مع العمال السوريين تتلخص بما يلي :

1-عدم اتباع السبل النظامية في دخول الأراضي اللبنانية عبر المعابر غير الشرعية وبنسبة عالية، وصلت في الآونة الأخيرة إلى حدود (30%) من عدد الوافدين بصورة شرعية، بسبب ضعف الرقابة على الحدود البرية والبحرية.

2-تشكيل بؤر أمنية مسلحة في عدة مناطق لبنانية للقيام بأعمال إرهابية ومتابعة رصدها من قبل القوى والأجهزة الأمنية.

3-الإشتراك في عمليات سرقة وسلب للبيوت والمارة والمحال التجارية بالإشتراك مع أشخاص من جنسيات أخرى بما فيها القيام بأعمال إجرامية.

4-إستخدام المستندات المزورة، والإتجار بالأسلحة والممنوعات بما فيها المخدرات والأعمال المنافية للحشمة في مناطق عدة.

5-المنافسة غير المشروعة في الأسواق التجارية للتاجر والمزارع اللبناني.

6- إنخراط العمال السورين في غالبية المهن اليدوية وفي قطاع الزراعة، وفي بعض المصانع وفي قطاع الخدمات السياحية وأعمال التنظيفات. وهي دائرة واسعة النطاق لتشغيل اليد العاملة اللبنانية بوجه عام، وغالبية هذه المهن محظورة على العمال السوريين.

وتنبهت وزارة العمل حالياً إلى خطورة هذا الوضع، الذي انعكس سلباً على فرص عمل اللبنانيين بعد تفاقم الأزمة في سوريا، وحيث عمل الوزراء المتعاقبون على وزارة العمل منذ عهد الوزير طراد حمادة إلى الوزير محمد كبارة والوزير بطرس حرب إلى الوزير سجعان القزي على تدارك تلك المخاطر بالنسبة لليد العاملة اللبنانية، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل وذلك نظراً لغياب أية خطة نظامية أو إستراتيجية على هذا الصعيد، كما أن جميع الخطط المرحلية لم تكن سوى حبرٍ على ورق.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها