الأحد 2015/06/28

آخر تحديث: 13:30 (بيروت)

"ضلال" مهران غورونيان.. إعادة النظر في الكآبة

الأحد 2015/06/28
increase حجم الخط decrease
ينتمي مهران غورونيان الى تلك المجموعة التي خطت أولى خطوات موسيقى الروك ضمن الحراك الجديد للموسيقى البديلة في بيروت مع بداية الألفية الثالثة.
وهو اليوم، بعد أكثر من 12 عاماً على تلك البداية، يعود ليبدأ منفرداً في ألبوم "ضلال" Aberrance الذي سيطلقه في 22 من الشهر المقبل في "مركز بيروت للفن".
وكان مهران قد عمل على مشاريع فنية عديدة أولها فرقة "بليند"، التي كانت أول فرقة تغني بالإنكليزية وتوقع عقدا مع شركة آمي العربية. كما أنه، بعد توقف الفرقة التي أنتجت ألبوما واحدا فقط، عمل على مشاريع فنية مع إيلين خادشادوريان في ألبوم "ميدان"، وتانيا صالح في أعمال عديدة، كما أنه أسس العام 2013 فرقة "بيندول" التي تحضر حاليا لألبومها الثاني.

لكن في البداية، كانت فرقة "بليند"، التي يبدو أثرها اليوم واضحافي مشهد موسيقى الروك اللبناني. كانوا يومها أربعة شبان من مواليد بداية الحرب اللبنانية التي بدت في عملهم الأول كأنها تجثم بثقلها على صدورهم. لكن تلك المجموعة لا تنتمي الى جيل الحرب بل الى جيل ما بعدها، أي مرحلة التسعينات وإعادة الإعمار، التي في حال نظرنا إليها اليوم ومن خلال ما تركته لنا من إنتاج ثقافي، نشعر بذلك الثقل الذي حمَله المنتمون إليها.

يقول مهران لـ"المدن": "كنا نعرف بأننا قتلنا بعضنا البعض وبأنه قد دخل علينا مَن يعاقبنا ويُجلسُنا كل في محله، ربما هذا ما أشعرنا بالخجل من أنفسنا ومن هويتنا". ولا ينفصل شعور مهران عن الشعور الذي سيطر على قسم كبير من الفنانين اللبنانيين الذين بدوا كأنهم وحدهم القادرون على الحديث عن تلك الحرب بعدما منعت "الوصاية السورية" آنذاك، الفئات الأخرى من الحديث عنها بشكل علني. وكان قد سمح بهذا غناء الفرقة باللغة الإنكليزية، والذي بدا منطقيا يومها لأولئك الشباب الذين تربّوا على أغاني نجوم روك عالميين أتقنوا الإنكليزية أكثر من العربية في مدارسهم وجامعاتهم. لكن ذلك لا ينفصل كذلك عن ما يراه مهران هروبا من الهوية التي شكلت وعي تلك المجموعة، "لم نغنِّ باللغة العربية ربما لأننا كنا نهرب من هويتنا التي ارتبطت تحديدا بالحرب. لم نكن نعرف الى أين ننتمي في وسط ذلك القلق من الماضي الحربي"...

تجربة "بليند" يبدو أثرها واضحاً في فرقة روك أخرى اختارت الغناء بالعربية، هي فرقة "مشروع ليلى".. يقول مهران: "تنتمي مشروع ليلى الى جيل أصغر، ربما تأثر بنا وكان يحضر حفلاتنا، لكنهم أخذوا طريقا منفصلا وفريدا وأعتقد بأن قرارهم الغناء بالعربية كان قرارا بغاية الجمال والجرأة .. لأننا نحن قبلهم لم نستطع القيام بذلك"، على أن مهران بعد 12 عاما على تلك التجربة، لم يعد يرى نفسه بالطريقة نفسها: "لم أعد أهرب من هويتي اللبنانية مثل السابق والآن أنا أكثر معانقة لها مثلما أنا أكثر معانقة لهويتي الأرمنية".

هذه المعانقة أتت على دفعات وكان قد حفّزها مرور هؤلاء بمراحل أخرى. فقد انقطعت "بليند" بعد إطلاقها ألبومها الأول "فعل واحد"، ثم تفرّق أعضاؤها، خصوصاً بعد أحداث العام 2005 واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري: "كانت هناك طاقة في غاية الجمال قبل اغتيال الحريري، الذي أتى ليضعنا أمام صدمة وحتى كل شيء حديث بعده... نحن قمنا بثورة لكننا شهدنا كيف تحولت هذه الثورة الى شيء فاسد"، ويبدو أن هذه المرحلة قد شكلت تغيراً في الوعي عند ذلك الجيل وانتهاء نمط التفكير الذي رافق فترة إعادة الإعمار، أمام نمط جديد ربما صار متصالحا أكثر مع الواقع السوداوي الذي يعيشه لبنان.

وهذا ربما ما ينطبق على مهران الذي تحولت كتابته الى الكآبة، بحسب تعبيره، ما يظهر في أغنيتين من ألبومه الجديد، كتبهما في تلك الفترة: "على الرغم من كآبة كلمات الأغاني، لم أحب أن أنفّذ أغاني كئيبة، فالفن ربما يجب أن يقترب من السعادة"... وهذا الخيار الموسيقي البعيد من الكآبة، والذي حاول الفنان الإلتصاق به، يبدو نتيجة تصالحه مع واقع البلد المستجد، حتى أن هذا انعكس على تعامل الفنان مع ظروف حزينة مرّ بها على الصعيد الشخصي، وقد ظهرت ملامحها في ألبومه الجديد. لكن هذا، بحسبه، لم يكن ليحصل لولا سفره خارج البلاد: "كنت أمر بظروف شخصية سيئة واستمراري في مواجهة هذه الظروف وضعني في وضع سوداوي"... سفر الفنان الى خارج لبنان ساعده في تخطي تلك الحالة: "عندما خرجت من المدينة وجدت أني أمتلك منظاراً جديداً، وأن هذه الحياة عليها أن تستمر، وعليّ أن أتقبلها بهذا الشكل". وهذا ما لا يراه مهران انفصالاً بقدر ما يعتبره تغييراً في الرؤية، ما ساعده في الكتابة، ثم كتابة أغاني الألبوم الأخرى التي لم ترتبط بطابع سياسي، بل بـ"حكايا وأدوار شخصية" بحسب تعبيره.

يعالج الألبوم قصصاً إنسانية، لكن في طريقة غنائه أسلوب إستثنائي غير معتاد في مشهد الموسيقى البديلة: "كنت ألعب الغيتار لأكثر من عشرين عاما لم أفكر خلالها يوما بالغناء. لم أكن اعرف ما هو الصوت الذي عليّ أن أخرجه مني. وعن طريق التجريب اكتشفت أنه بمقدوري أن أؤدي كل أغنية بصوت مختلف يعبر عن قصة الأغنية وعن طابع الشخصية التي تتحدث عنها، هكذا صارت كل أغنية بصوت مختلف، أكون منفصلاً فيها عن ذاتي، مقدماً شخصية جديدة كلياً". هذه المغامرة الصوتية بحسبه، لم تكن لتتم لولا عمله مع المنتج فادي طبال صاحب ستوديو Tunefork الذي سجل غالبية أعمال الموسيقى البديلة في السنوات الأخيرة في بيروت. وقد شارك فادي طبال في العزف على الآلات الإلكترونية وكارل فرنيني على الكيبورد والغناء الخلفي، كما ساهمت ارين ميكايليان في أداء إحدى الأغاني وبويان بريرادوفيش في أخرى.

لا ينتمي الألبوم الى نمط محدد موسيقياً، ويبدو أنه من التجارب الفريدة التي من الصعب حصرها في مشهد محدد. فمهران ينتمي الى صنف استثنائي من العازفين، ما يتضح في عزفه التجريبي الذي ينتقل بين أنماط كهربائية وإلكترونية متعددة، كما أنه يدخل في عزفه أنماطاً موسيقية مثل الجاز والروك، ولا يحصر طريقة غنائه في نوع واحد. وهذه العوامل جميعها تضع العمل في مكان جديد تقريباً، تمكنه الإنتقال بين مشاهد الروك والفولك والإيندي وغيرها، بعكس تجاربه السابقة، ما يعطي الألبوم حياة جديدة غير مرتبطة في بدايتها بأي مشهد وبإمكانها أن تجذب جمهوراً من مشاهد عديدة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها