الخميس 2023/08/31

آخر تحديث: 12:57 (بيروت)

رسالة مهرجان البندقية السينمائي (1): أفلام بلا نجوم

الخميس 2023/08/31
increase حجم الخط decrease
مهرجان البندقية السينمائي الدولي، الذي انطلق أمس الأربعاء في شاطي الليدو، لديه ما يتطلّع إليه وما يكافح معه. برنامجه لم يتأثر تقريباً بالإضراب المزدوج في هوليوود، لكن تأثيراته ستطاوله بلا شكّ. هناك فيلم واحد فقط مفقود من اختيارات هذا العام: دراما الحبّ الرياضية "متحدّون" Challengers للمخرج الإيطالي لوكا غواداغنينو لم يُعرض في الافتتاح، كما كان مخططاً له في الأصل.

وبدلاً من ذلك، في بداية النسخة الثمانين من "البندقية"، عُرضت دراما حربية بعنوان "القائد" Comandante للمخرج الإيطالي أيضاً إدواردو دي أنجيليس، تدور أحداثها حول قبطان الغواصة الإيطالية سلفاتوري تودارو، الذي أغرق سفينة تجارية بلجيكية في الحرب العالمية الثانية ثم أنقذ طاقمها، معرّضاً نفسه وطاقمه للخطر.

وبصرف النظر عن غواداغنينو وممثليه، فالكثير من مشاهير هوليوود سيأتون إلى الشاشة هذا العام. في المسابقة، تقدّم المخرجة صوفيا كوبولا فيلم السيرة الذاتية "بريسيلا" الذي تدور أحداثه حول بريسيلا بوليو، التي أخذت في ما بعد لقب زوجها إلفيس بريسلي. كما قام برادلي كوبر بإنجاز فيلم عن حياة الموسيقار ليونارد برنشتاين مع "مايسترو"، أضطلع فيه كوبر نفسه بدور البطولة. وفي فيلم "فيراري" يروي مايكل مان أيضاً حياة أحد المشاهير، سائق السباق وصانع السيارات الرياضية لاحقاً إنزو فيراري. كما يقدّم ديفيد فينشر أيضاً فيلمه الجديد "القاتل"، من إنتاج "نتفليكس"، والذي يدشّن عودته إلى المهرجان الإيطالي بعد ربع قرن تقريباً من عرض فيلمه الشهير "نادي القتال".


ممثلو هوليوود أبرز الغائبين
يبدو كل شيء في "الليدو" سائراً كالمعتاد، حيث تُعرض (وربما تتوَّج) الأفلام المرشّحة لجوائز الأوسكار القادمة بشكل تقليدي في "البندقية". لكن مع فارق بسيط، فمن غير المرجح أن يظهر العديد من نجوم هذه الأفلام على السجادة الحمراء. بسبب الإضراب المزدوج الحاصل في هوليوود، من المرجح أن يبتعد ممثلو هوليوود عن المهرجان السينمائي بشكل كامل نظراً لعضويتهم وانتمائهم إلى نقابة الممثلين  SAG-AFTRA والتزامهم بقراراتها؛ حتى برادلي كوبر الذي يقوم بدورٍ مزدوج كممثل ومخرج.

وقد تكون هناك استثناءات للأفلام الأميركية المنتَجة خارج نظام استوديوهات هوليوود، مثل فيلم "فيراري" لمايكل مان. لكن ربما يبقى الممثلان الرئيسيان للفيلم، آدم درايفر وبينيلوبي كروز، في منزليهما بداعي التضامن؛ رغم ما أعلنته متحدثة باسم المهرجان من ترجيح حضورهما.

وفي نهاية يوليو/تموز، قال مدير المهرجان ألبرتو باربيرا، في مؤتمر صحافي، إن الإضرابات التي تؤثر في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في الولايات المتحدة منذ مايو/أيار سيكون لها "تأثير متواضع" في المهرجان و"السجادة الحمراء لن تكون فارغة" كما توقعت الصحافة المتخصصة. ووفقاً لما نشرته مجلة "فارايتي" هذا الأسبوع، فإن آدم درايفر، وكاليب لاندري جونز، ومادس ميكلسن، وجيسيكا تشاستين، هم من بين الممثلين الذين سيحضرون في "البندقية"، بعد حصولهم على إذنٍ من نقابة الممثلين للمشاركة في المؤتمرات والفعاليات الترويجية للإنتاجات المستقلة وليس أعمالاً من إنتاج الاستوديوهات الكبرى.

لكن في الأخير، يبقى "البندقية" موعداً مهماً ومهرجاناً نجماً، وبالتالي لا داعي لقلق الحضور والزائرين بشأن السجادة الحمراء الفارغة على أي حال، حيث يمكن توقُّع الكثير من النجوم من أجزاء أخرى من العالم. يشارك المخرج الفرنسي برتراند بونيلو مع بطلته ليا سيدو في فيلمهما المنافس على جائزة الأسد الذهبي "الوحش" La bête، فيما يشارك النجم الدنماركي مادس ميكلسن في فيلم مواطنه نيكولاي أرسيل "أوغاد" Bastards، المنافس بدوره في المسابقة الرسمية؛ بينما يلعب الألماني فرانز روجوفسكي الدور الرئيسي في فيلم "لوبو" للإيطالي جورجيو ديريتّي. ومن بين النجوم الإيطاليين، يتواجد بييرفرانشيسكو فافينو مرّتين: مرّة كممثل رئيس في فيلم افتتاح المهرجان، "القائد"، وأيضاً في فيلم "أداجيو" Adagio لستيفانو سوليما. ومن ألمانيا، يتنافس فيلم النوار "نظرية كل شيء" للمخرج تيم كروغر على جائزة الأسد الذهبي.

إذاً، حتى لو ظل نجوم هوليوود بعيدين إلى حد كبير، هناك ما يكفي من النجوم الأوروبيين لرؤيتهم على السجادة. هذا الاهتمام والحديث الكثير عن حضور النجوم الأميركيين يعيد التذكير بإمكانية وجود سينما وحدث سينمائي دون الحاجة لشركات واستديوهات كبرى. وبقدر ما في هذا التذكير من بداهة، يحمل في الوقت ذاته إدراكاً مريراً لحقيقة أنه لم تعد هناك مهرجانات بدون شركات كبرى بعد الآن، على الرغم مما يُفترض فيها أنها مكرّسة لفنّ السينما بالأساس.

وهذا يمسّ مشكلة أساسية لا علاقة لها بالمهرجانات الكبرى في كانّ أو برلين أو البندقية بقدر ما تتعلق بالصناعة نفسها: السينما، مثل بقية الأنشطة في العالم، تعاني حالة من التباين والعوار المتزايد عاماً بعد عام. فمن ناحية، تحقق أفلام ناجحة مثل "باربي" أرباحاً قياسية تقدّر بالمليارات ويشاهدها ملايين المشاهدين. لكن من ناحية أخرى، فإن أعداد جمهور صالات السينما لم تنمو على الإطلاق، بل انخفض في العديد من البلدان.

بولانسكي وآلن خارج المسابقة
ومن المتوقع أيضاً حدوث أعمال شغب واحتجاج فنّيين في هذه النسخة التي تشهد اختيار المهرجان عرض أجدد فيلمين لكل من رومان بولانسكي وودي آلن، وهو الاختيار الذي طاولته انتقادات شديدة بسبب اتهامهما بالاغتصاب (بولانسكي) أو الاعتداء الجنسي (آلن). وأُدين بولانسكي أيضاً بجريمة "ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج مع قاصر". ويعود بولانسكي إلى المهرجان بعد حصوله في العام 2019 على جائزة لجنة التحكيم الكبرى عن فيلمه "إني أتّهم".

حينها كان حضور بولانسكي في المهرجان أول ظهور له في حدثٍ سينمائي كبير منذ طرده من أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة في أيار/ مايو 2018. وخلال المهرجان، صرّحت رئيسة لجنة التحكيم حينها، الأرجنتينية لوكريثيا مارتيل، لبيان مدى تعقيد مهمة التعامل مع حالات مماثلة: "لا أفعل ذلك. لا أفصل المرء عن فنّه. أعتقد أن جوانب مهمة من العمل تظهر في شخصية الفنان ذاته. [...] مَن يرتكب جريمة بهذا الحجم ثم يُدان، وتعتبر الضحية نفسها راضية بالتعويض، هو شيء من الصعب بالنسبة لي أن أحكم عليه... من الصعب تحديد النهج الصحيح الذي يجب أن نتبعه مع الأشخاص الذين ارتكبوا أفعالاً معيّنة وحُكم عليهم بسببها. أعتقد أن هذه الأسئلة جزء من النقاش في عصرنا".

جوائز وتضامن
هذه المرّة، حاول المهرجان التخفيف من شدّة عواقب اختياره، فبرمج الفيلمين خارج المنافسة، مثل الفيلم الجديد للمخرجة الإيطالية ليليانا كافاني (90 عاماً)، التي تعود إلى المهرجان بعد مرور ما يقرب من 50 عاماً على فيلمها الكلاسيكي والإشكالي "البوّاب الليلي" (1974). فيلمها الجديد بعنوان "نظام الزمن" L'ordine del tempo، استناداً إلى كتاب يحمل الاسم نفسه للفيزيائي كارلو روفيلي، ويمكن للمرء أن يترك العنان لفضوله بشأنه.

ولن يقتصر ظهور السينمائية المخضرمة في مهرجان بلدها على حضورها العرض العالمي الأول لفيلمها الأخير، بل سيجري تكريم مسيرتها بمنحها جائزة "جائزة الأسد الذهبي للإنجاز مدى الحياة"، والتي من المقرر أن تتسلّمها من يدّ الممثلة البريطانية شارلوت رامبلينغ، بطلة فيلمها الكلاسيكي إياه، وكان أداؤها الاستثنائي فيه بمثابة انطلاقتها في عالم الجوائز والسينما العالمية. وقدّمت ليليانا كافاني على مدار 6 عقود أعمالا ناجحة وحائزة جوائز عالمية، سواء في التلفزيون أو المسرح أو السينما، وتدور دائماً أحداث أفلامها في إطار تاريخي، وشخصياتها معقدة تعيش حالة من الصراع مع المجتمع.

وسيمنح المهرجان أيضاً "جائزة الأسد الذهبي للإنجاز مدى الحياة" للممثل الهونغ كونغي توني ليونغ تشيو واي. ويرأس لجنة التحكيم التي ستمنح جائزة الأسد الذهبي المخرج الأميركي داميان شازيل.

ودعا المهرجان، السبت المقبل، إلى تظاهرة تضامنية مع نساء ورجال إيران، بعد الحكم على المخرج سعيد رستائي ومنتجه بالسجن ستة أشهر، بسبب عرض أحدث أفلامهما، "إخوة ليلى" في مهرجان "كانّ" وما رأته السلطات الإيرانية في خطاب الفيلم من "معاداة للنظام الإسلامي في إيران". وفي 6 أيلول/ سبتمبر، سيستضيف المهرجان يوماً مخصصاً لأوكرانيا، لإعادة تأكيد التضامن مع شعب البلاد التي غزتها روسيا ومناقشة وضع صناعة السينما الأوكرانية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها