الثلاثاء 2023/06/27

آخر تحديث: 13:19 (بيروت)

"إخوة ليلى" لسعيد رستائي..أن تكون العائلة الإيرانية قضية

الثلاثاء 2023/06/27
increase حجم الخط decrease
طول الفيلم، أي فيلم، قد يمثّل نقطة لصالحه. والعكس صحيح أيضاً. يصبح الطول مشكلة عندما "يعاني" المرء من الفيلم بدلاً من الاستمتاع به. بمعنى آخر: إذا كان الفيلم جيداً حقاً، فلا داعي لأن تمثّل مدته البالغة ثلاث أو أربع ساعات مشكلة. ربما، على العكس. وهنا تحديداً تكمن المشكلة الأساسية لفيلم "إخوة ليلى" للإيراني سعيد رستائي، الممتد لـ165 دقيقة.

يمثل طول مدة "إخوة ليلى" مشكلة لأن فيه تكمن العديد من نقاط الضعف في هذا الفيلم الإيراني اللافت بالرغم من مثالبه. فعبر تحويله قصة عائلة مكونة من خمسة أشقاء بالغين (أربعة ذكور وامرأة) ووالديهم، يحاولون كلّهم الخروج من وضعهم الاقتصادي المأزوم، إلى سلسلة من الأحداث المؤسفة التي تتراكم واحدة تلو الأخرى بأسلوب يذكّر كثيراً بـ"أوبرا صابون" تلفزيونية؛ يخسر المخرج بوصلة القصّة التي ربما لو احتوت نصّاً أقل امتداداً ومشاهد أقل تكراراً، كان من الممكن أن تكون أكثر فاعلية.

هناك فيلم أقصر وأفضل كثيراً (من 100-110 دقيقة) كامنٌ في أوبرا الصابون هذه الممتددة لثلاث ساعات تقريباً. ربما يعود السبب في خروج النسخة النهائية من الفيلم بهذا الشكل إلى الارتباط بتوقيت عرضه في مهرجان بعينه وبالتالي التزام المخرج والمنتجين إلى الإسراع في إكماله، وهو ما يحدث أحياناً مع أفلام لا يزال أمامها بعض العمل، والتي، لاحقاً، يندر تغييرها (يحدث هذا أحياناً،لكن في العادة تُستقبل هذه التعديلات المتأخرة بصورة سلبية). وربما يعود السبب أيضاً في رهان المخرج سعيد رستائي على الاقتراب من جمهوره المستهدف وأفلمة قصته واقتراحه على هيئة الدراما السائدة (مصرية كانت أم هندية أم تركية)، بمحاكاة كليشيهاتها الميلودرامية وألعابها البصرية.

أيّاً يكن، فهذه الميلودراما الإيرانية التي لا تخلو من لحظات كوميدية، والمتمحورة حول أسرة ذات دخل منخفض تعيش، ظاهرياً، في منزل واحد، هي في جوهرها قصة روابط أبوية وصعوبات اقتصادية في بلدٍ غير مستقر لا يوفّر آفاقاً كبيرة للمستقبل. في مركزها ثمة أبّ (سعيد بورساميمي) لا يتورّع عن إنفاق "شقى عمره" للحصول على لقب كبير عائلته، بينما أبناؤه، بمهنهم البسيطة وفرصهم المحدودة، يفضّلون استخدام هذا المال لشراء متجر صغير في أحد مراكز التسوق، لعلّ وعسى.

في لوحة تبدو فاتحة لكنها في الخلفية سوداء تماماً، يضع السيناريو الأبَّ الفقير المطرود من احترام عائلته أمام إمكانية الحصول على المكانة والمهابة. يعيش الرجل معلَّقاً على ذلك الأمل بالرغم من معرفته أنه من أجل حدوثه، يجب عليه تقديم هدية مهمة لحضور حفلة زفاف حفيد كبير العائلة السابق والراحل مؤخراً، وهو أمر يتطلّبه التقليد الشائع. ومن أجل ذلك، احتفظ الأبّ (أو ربما اقترض) بـ40 قطعة نقدية ذهبية سيذهبون في سبيل تحقيق أمنيته.

لكن أبناءه، بعد صمتهم إزاء قرار والدهم بإنفاق أموال يمكن أن تساعدهم في تحسين وضعهم، يقرّرون سرقتها. لا لإنفاقها، بل لاستثمارها في مشروع تجاري يفترضون أنه سيعمل بشكل جيد. هذه الفرضية - والعديد من الإضافات الأخرى - ستمثّل جوهر حبكة تتمدّد، أبعد من التقلّبات والانعطافات في القصة (وهناك الكثير منها)، بطريقة تسمح للمخرج لمناقشات عائلية أن تستمر لدقائق طويلة ومطوّلة، وهو تقليد في السينما الإيرانية، صحيح، لكنه في هذه الحالة يأتي مسرحياً تماماً.


بعض المشاهد جيدة جداً (أحد أطولها، الزفاف نفسه، يبدو مستوحى من "العرّاب"، وإن بطريقة أكثر وحشية وغنية بالألوان) والبعض الآخر سيجعل المشاهدين اللبنانيين (والمصريين أيضاً)، من دون الذهاب بعيداً، يدركون أن فوضى الدولار والتضخّم المتكاثر كل يوم ليس مسألة تخصّهم وحدهم. عندما تبدأ قيمة الأموال التي تحتاجها وتحتكم عليها الأسرة في الانخفاض دقيقة بدقيقة بفعل بعض الأخبار الاقتصادية (وتغريدة من دونالد ترامب)، فعلى الأرجع ستُعيد ذكريات سيئة لبعض المتفرّجين.

باستثناء ليلى (تارانه عليدووستي)، الذكية والحريصة على إخراج أسرتها من عوزها، فإن ذكور العشيرة غير قابلين للتمثيل إلى حد كبير، بدءاً من الأبّ، وهو رجل بائس ينظر إليه الفيلم بتناقضٍ، على الرغم من أن أبناءه - باستثناء واحد - في طريقة تعاملهم معه يوضّحون أن حياته وعلاقته بهم كانت في مكان ما بين المحزن والمثير للشفقة. علي رضا (نافيد محمد زاده) يخشى معارضة الأبّ ويدافع عنه لكنه قلق بعد تسريحه من عمله في أحد المصانع. بارفيز (فرهاد أصلاني)، الابن الأكبر، يعمل في تنظيف المراحيض وعليه أن يعتني بخمسة أطفال، فيما الاثنان المتبقيان، فرهاد ومنوشهر، أقرب إلى أن يكونا عديمي النفع: أحدهما يعتني بعضلاته والآخر منخرط في مخططات احتيالية وما شابه.

يُظهر الفيلم بوضوح مزيج الضغوط الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعٍ يتصارع مع العقيدة والتقاليد وفوضى العالم الحديث، في حكاية نقدية حول رموز النظام الأبوي التي تعيش في البنية الأسرية العميقة للمجتمع الإيراني. وهو يقدّم بذكاء شخصية مثل ليلى التي، على الرغم من كونها الأكثر تركيزاً وقدرة من بين العشيرة بأكملها، نادراً ما يُستمع إليها (لأنها امرأة طبعاً). أسوأ خطأ يرتكبه الإخوة في فوضى البحث عن المال وتدبيره هو عدم الالتفات إلى نصيحتها. وهي أيضاً الأكثر وضوحاً في الاعتراف بأن أبيهم لا يحترم سنّه وإنما مجرد رجل عجوز أناني يدخّن طوال اليوم ولا يهتم بحياة أبنائه.

لكن الفيلم يستمر ويستمر، وتظهر مشاكل ومضاعفات جديدة أخرى حتى، مع مرور ساعتين من مدته، يعطي انطباعاً بأننا سنعيش مع هذه العائلة المتشاحنة لبقية حياتنا. وهو، بصراحة، مُرهِق، رغم أهميته وضرورة مشاهدته لاختلافه عن أغلب الأعمال الإيرانية المُنادى بها دولياً. لكنه في الواقع، يفرط في ترك الحوار لشخصياته لدرجة أنه لفترة طويلة لا يمكن للمرء سوى قراءة الترجمات المصاحبة ولا يكاد يشاهد أي شيء آخر. صحيح أن مشاكل أبطال الفيلم مُلحّة ووثيقة الصلة بما نعيشه في بلدانٍ ينهشها التضخم والانسداد السياسي وضبابية الأفق الاقتصادي، لكن هناك لحظة يدرك فيها المرء بالفعل أنهم ميؤوس منهم ويُفضّل التخلّي عنهم لمصيرهم (السيئ على الأغلب) على الاستمرار في الاستماع إليهم وهم يتجادلون إلى الأبد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها