السبت 2024/04/27

آخر تحديث: 15:05 (بيروت)

"معضلة الأجسام الثلاثة": الفيزياء تفعل ما تشاء

السبت 2024/04/27
"معضلة الأجسام الثلاثة": الفيزياء تفعل ما تشاء
increase حجم الخط decrease
عندما تتمرد قوانين الطبيعة أمام عيونهم لسبب غير مفهوم، تتعاون مجموعة من العلماء اللامعين مع شرطي لمواجهة أكبر تهديد في تاريخ البشرية في مسلسل الخيال العلمي "معضلة الأجسام الثلاث" المبني على رواية بالعنوان نفسه للكاتب الصيني ليو سيشين.


والرواية المنشورة العام 2006 كجزء أول من ثلاثية، تتناول سلسلة من القضايا التي تعتبر كلاسيكية ضمن هذا النمط، لارتباطها باحتمالات تهديد من خارج كوكب الأرض. لكنها في الوقت ذاته تعتمد على أسس نظرية لا يمكن تكييفها بسهولة مع التلفزيون.

واعتبر دايفيد بينيوف، ودي.بي.وايس، مبتكرا مسلسل "لعبة العروش"، الرواية، تحدياً جديداً لهما بعد سنوات من النهاية المخيبة لملحمتهم الجماهيرية، فشرعوا في إعادة بنائها على هيئة مسلسل تلفزيوني. والنتائج التي يمكن مشاهدتها في "نتفليكس" يمكن وصفها بالمقبولة. فهي قصة معقدة، يصعب سردها، مقسمة إلى مراحل وتضم مجموعة من الشخصيات التي يستغرق التعاطف معها وقتاً. لكنها ستعمل جيداً بشكل خاص مع المشاهدين الميالين لهذا النوع.

"معضلة الأجسام الثلاثة" مسألة فيزيائية معقدة وغير قابلة للحل وليس سهلاً شرحها، تظهر كموضوع مباشر ومجازي في الحبكة. من الناحية الأولى، يتعلق الأمر بمسائل نظرية ترتبط بما يحدث عندما يقاطع "جسم" غير متوقع أو يتطفل بين جسمين آخرين، في هذه الحالة ما يتعلق بعمل كوكب الأرض. وفي الجانب الحكائي، يبدو الأمر متعلقاً بالشخصيات، وما يحدث بينها، وبمعنى أوسع، للبشرية ككل في مواجهة حدثٍ كارثي محتمل مثل غزو كائنات فضائية للأرض.


لكن المسلسل بعيد من أن يكون قصة غزو بالمعنى الملموس. يبدأ كل شيء في الصين، وتحديداً خلال الثورة الثقافية الماوية، عندما رأت عالمة شابة تدعى يي وينجي والدها يتعرض للضرب المبرح حتى الموت على أيدي شباب يحتقرون اكتشافات الرجل "الخطيرة". بعدها، ينتقل الحدث إلى لندن المعاصرة، وتجري سلسلة من الأحداث تجعل الشرطة على أهبة الاستعداد: سلسلة من الوفيات المفاجئة والانتحارات للعديد من العلماء حول العالم.

يحاول المحقق الرئيسي، كلارنس، المعروف أيضاً باسم "دا شي" (بنديكت وونغ)، فهم ما يجري من حوادث غامضة، إلى أن يأتي الانتحار المفاجئ لعالمة تدعى فيرا، تعمل في مختبر لتسريع الجسيمات، ليلتئم شمل مجموعة من الأصدقاء/العلماء، كثيرون منهم تلاميذها، في جنازتها. لا أحد يستطيع تفسير ما حدث لها، لكنهم بدأوا يلاحظون أشياء غريبة من حولهم.

تتكون المجموعة من علماء مختلفي الألوان والأصول، قام كل منهم بأشياء مختلفة جداً في حياته ومجال تخصصه. ويبدأون في ملاحظة تجارب تعطي نتائج غريبة أو مستحيلة لقوانين الفيزياء، وفي حالة أوغي، تبدأ في رؤية أرقام، على شكل عد تنازلي، تجعلها تخشى على حياتها. لا أحد يفهم تماماً ما يحدث: هل هي هلوسة أم أن هناك شيئاً غريباً يحدث في نسيج الكون؟

بعد سلسلة من الأحداث، تبدو الأمور أوضح. أولاً، يبدو أن نجوم السماء تومض مرات عديدة، كأن الكون يغمز! شيء آخر أكثر فضولاً: يلتقي العديد من الأبطال ويتحدثون مع امرأة لم تلتقطها كاميرات الشرطي الذي يحقق في الأحداث. أمور أخرى تتطلب مزيداً من التحليل: خوذة مشابهة لخوذة الواقع الافتراضي يتلقاها جين وجاك كهدية غامضة، وعندما يضعانها على رأسيهما، تعمل كلعبة واقع افتراضي بمراحلٍ يجب حلها، بالطريقة النظرية أكثر من العملية. لكن الأغرب أن اللعبة مصنوعة بتقنية متقدمة جداً بالنسبة لإمكانات العصر.



وتشير تلك السلسلة من الأحداث الغامضة، المرتبطة بأنشطة يي السابقة في الصين، إلى أن ما يحدث يتجاوز حدود العالم كما نعرفه ويرتبط بنوع من الكائنات أو الموجودات الفضائية، يملكون، بطريقة ما، "ممثلين" على الأرض. عند هذه النقطة، تتضح الحبكة: ما يبدو أنه خلل في الكوكب قد لا يكون أكثر من ظهور "جسم ثالث" يعبث بكل شيء معروف حتى الآن.

مؤلفو المسلسل غيروا المواقع والشخصيات من الرواية الأصلية، الدائرة أحداثها إلى حد كبير في الصين، ونقلوها إلى بريطانيا المعاصرة، كما قاموا أيضاً بتعديل خصائص الشخصيات الرئيسية، فإحداها، مثلاً، تحولت إلى شخصيات متعددة، ودمجوا جزءاً من حبكة الرواية الثانية من الملحمة، "الغابة المظلمة".

من ناحية، يتناول المسلسل المواقف الشخصية لكل منهم، والتي تختلف كثيراً عن بعضها البعض، حيث يتنقل دور البطولة بين الشخصيات من حلقة إلى حلقة. ومن ناحية أخرى، يتناول التحقيق في اللغز الغامض وكل ما ينطوي عليه، خصوصاً بعد تكشّف خطورة ما يحدث.

وبهذا المعنى، يمكن تقسيم "معضلة الأجسام الثلاثة" إلى أجزاء ثلاثة. في الحلقات الأولى، يُسرد تاريخ ما قبل التاريخ للحبكة، وينقضي قدر كبير من الوقت في الدخول في ألعاب الواقع الافتراضي التي "يدخل فيها" اثنان من الشخصيات الرئيسية.

ربما يكون هذا هو الجزء الأقل إثارة للاهتمام، كونه مجرد طريقة لاستخدام تنسيق لعبة فيديو لشرح أسئلة علمية ملتوية. وما أن تبدأ المعضلة المرهقة في الانكشاف في الحلقة الثانية تحديداً، ينمو المسلسل إيقاعاً وتأثيراً، ما يتيح فهم البُعد الحقيقي للأحداث. وربما لا ترقى الحلقات الأخيرة إلى مستوى التوقعات، لأنها بدلاً من الوصول إلى نتيجة، تعمل كاستمرارية أكثر من كونها خاتمة.

أما الجزء الأكثر تعقيداً وإثارة للاهتمام فهو تحليل العلاقة بين البشر والعلم، ومن ناحية أخرى، العلاقة بين العلماء والسكان و/أو السلطات. الكثير من الصراع المفضي إلى تصاعد الحبكة ناشئ من خيبة الأمل التي يشعر بها أهل العلم تجاه إنسانية يعتبرونها وحشية وغير قادرة على قبول منطق اكتشافاتهم، بينما، من ناحية أخرى، يجب عليهم أنفسهم التعامل بشكل أخلاقي مع طرق استخدامها نظراً لخطورة وحساسية مكتشفاتهم.

وينطبق الشيء نفسه على موقف البشر، السياسيين والعلماء والناس، "على الأرض" - بشأن ما قد يحدث في المستقبل، وربط ما يُقال هنا بمسائل وقضايا راهنة وملحة مثل مشكلة الاحتباس الحراري. وبعيداً من أهمية موضوعاتها التي قد تكون ذات صلة، فإن ما يفشل المسلسل في فعله هو توصيف مجموعة أبطالها ورفد كل منهم بخصائص مميزة. ولا يرجع ذلك إلى الممثلين أنفسهم، بل إلى النص الذي لم يكن كريماً مع شخصياته جسدياً وهوياتياً. مع استثناءات قليلة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها